التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ ٱلَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَآءً ٱلْعَاكِفُ فِيهِ وَٱلْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ
٢٥
-الحج

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ } الناس اي يمنعونهم أو من الصد اللازم أي يعرضون { عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ } والمضارع للاستمرار ولذا حسن عطفه على الماضي كقولك: (زيد يعطي) أي الاعطاء عادته وليس يريد يعطي الآن أو سيعطي.
وقيل: (الواو) للحال وصاحب الحال (واو) كفروا وفيه نظر لان المضارع المثبت لا يقرن بواو الحال الا ان اريد وهم يصدون خبر (ان) محذوف يدل عليه (نذقه من عذاب اليم) يقدر بعد أليم أو بعد البادي أي معذبون أو نذيقهم أو خسروا أو هلكوا { وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ } عطف على سبيل.
وقيل: على اسم (الله) فيكون المعنى وعن سبيل المسجد الحرام { الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ } متعلق بجعلناه أو حال من الهاء أو من الذي { سَوَآءً العَاكِفُ } المقيم مبتدا خبره سواء والجملة مفعول ثان لـ (جعل) { فِيهِ } متعلق بالعاكف ويقدر مثله لسواء أو بالعكس { وَالبَادِ } الطارئ باثبات الباء وصلا عند ورش وابي عمرو وحذفها الباقون.
ويجوز كون (الناس) متعلقا بمحذوف مفعول ثان والجملة بعده حال من الضمير المستتر في (للناس) أو من (الذي) أو من (الهاء).
وقرأ حفص بنصب (سواء) على انه مفعول ثان وان جعلنا المفعول الثاني (للناس) فسواء حال من (الذي) أو (الهاء) أو (الناس) والعاكف فاعل سواء.
وقرئ بجر العاكف بدلا من الناس (بدل كل) باعتبار عطف البادي والمراد العموم أي حاضر وباد ومقيم وطارئ ومكي وغيره.
والآية نزلت عام الحديبية حين صدوا النبي صلى الله عليه وسلم واصحابه.
وقال أبو حنيفة واصحابة: المسجد الحرام مكة والحرم واستدلوا بقوله:
(سواء العاكف فيه والبادي) بان بيع دور مكة واجارتها لا يجوزان ولا يخفى ما في تفسير (المسجد الحرام) بمكة من الضعف مع ان ذلك معارض بقوله: (الذين اخرجوا من ديارهم) فنسبة الديار إليهم دليل على انها ملكهم واشترى عمر دار السجن فيها باربعة آلاف درهم من غير ان ينكر عليه وهو في ظهور وقدرة ولولا انها ملك لصاحبها لانكروا عليه لانه يؤدي إلى منع اصحاب الدور دورهم الا بنحو البيع.
ومذهب الشافعي جواز البيع والاجارة ودليله ما ذكر وقوله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح
"من اغلق بابه فهو آمن ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن" فنسب الديار إليهم وهو قول طاوس وعمرو بن دينار والتسوية انما هي في تعظيم المسجد وقضاء النسك وهو قول مجاهد والحسن.
وعن جبير بن مطعم عنه صلى الله عليه وسلم
"يا بني عبد مناف لا تمنعوا احدا الطواف والصلاة بهذا البيت ليلا أو نهارا"
وقول أبي حنيفة منسوب لابن عباس وابن جبير وقتادة وابن زيد من سبق إلى منزل فهو أحق به حتى يقضي حاجته.
قال عبد الرحمن بن ساباط كان الحجاج إذا قدموا مكة لم يكن أحد من أهل مكة أحق بمنزلة منهم كان عمر ينهى الناس ان يغلقوا ابوابهم في الموسم ووجه ذلك انه صلى الله عليه وسلم ملك مكة والحرم من غير قتال وجعلها في سبيل الله.
ومذهبنا معشر الاباضية ان الاجرة على دور مكة مكروهة وجازت بلا كراهة على نحو الخشب والبيع كالاجارة.
وقيل: الكراهة للمنع من الاقامة { وَمَن يُرِدْ فِيه } في المسجد الحرام { بِإِلْحَادِ } مصدر منون واحدى شكلتي الدال تصور كالميم اشعارا بان التنوين يقرأ إلى جهة الميم لمجئ الباء بعده.
قال ابن هشام: والباء زائدة في المفعول به والالحاد الشرك وعبادة غير الله. وقيل: كل منهيّ عنه فى قول أو فعل حتى شتم الخادم.
وقيل: دخول الحرام بغير إحرام وقتل صيد وقطع شجر ونحو ذلك.
وقيل: ادخار الطعام بمكة وهو قول ابن جبير.
ورواية عن ابن عباس وعنه صلى الله عليه وسلم:
"احتكار الطعام في الحرم الحاد فيه"
قيل الالحاد منع الناس من عمارته وقيل: الكذب.
قال مجاهد: تضاعف السيئات بمكة كما تضاعف الحسنات وذلك كله ظلم للنفس وبعضه ظلم للغير ايضا كما قال { بِظُلْمٍ } متعلق بالحاد.
وعن ابن عباس (الالحاد بالظلم) ان تقتل فيه من لا يقتلك أو تظلم فيه من لا يظلمك * { نُّذِقْهُ مِنْ } للتبعيض أو زائدة عن بعض أو للابتداء { عَذَابٍ أَلِيمٍ } عن ابن مسعود وجماعة لو ان رجلا همّ بخطيئة لم تكتب عليه حتى يفعلها وان همّ بقتله بمكة كتب عليه قتله واذاقه الله من عذاب اليم.
قال السدي: (الا ان تاب)
وكان عبد الله بن عمر يضرب فسطاطا في الحرم وآخر في الحل وإذا اراد ان يعاتب اهله عاتبهم في الحل فسئل عن ذلك قال: كنا نعد من الالحاد فيه قول الرجل كلا والله وبلى والله.
وعن عطاء (الالحاد) قول الرجل في المبايعه: لا والله وبلى والله وكان بعض لا يقضي حاجة الانسان الا في الحل.
وقيل: الباء في (بالحاد) غير زائدة فاما لان مفعولا يرد مقدار أي معصية أو تركا يتناول كل متناول واما لتضمينه معنى الاهتمام أي ومن اهتم بالحاد وهو قول ابن العربي.
وقرئ بالفتح للباء من الورود أي باءت بالحاد.
وقيل: بالحاد وبظلم حالان أو بظلم بدل من بالحاد.