التفاسير

< >
عرض

وَٱلْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِّن شَعَائِرِ ٱللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَٱذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَيْهَا صَوَآفَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ ٱلْقَانِعَ وَٱلْمُعْتَرَّ كَذٰلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ
٣٦
-الحج

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ وَالْبُدْنَ } مفرده بدنة وأصله ضم الدال سكنت تخفيفا كذا قيل.
والصحيح؛ إن الاسكان اصل لا انتقال عن ضم.
وقرأ الحسن بضم الدال كالباء كثمرة وثمر.
وقرأ ابن ابي اسحاق كذلك وبتشديد النون على لفظ الوقف فان من العرب من يقف بالتشديد فيقول: (جاء خالد) باسقاط التنوين وتشديد الدال والنصب على الاشتغال واختير لتقدم الفعل في قوله: (ولكل أمة جعلنا منسكا).
وقرئ بالرفع على الابتداء والمراد الابل وسمي الجمل والناقة بدنة لعظمها لقول: (بدن زيد) أي عظم بدنه وسمن ولما الحق النبي صلى الله عليه وسلم البقر بالابل في الاجزاء عن سبعة وكانت كالابل في الاجزاء شاع تسميتها باسم الابل وهو البدن ويدل على ان البدن اسم للابل خاصة قوله صلى الله عليه وسلم:
"تجزي البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة" وقول جابر بن عبدالله: اشتركنا مع الرسول صلى الله عليه وسلم في الحج والعمرة فنحرنا معه عام الحديبية البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة.
والاصل في العطف التغاير.
وقال عطا وغيره: ان البدنة تعم الابل والبقر لغة وشرعا.
ويحتمل اختلاف اللغات وذلك الاشتراك ثابت عندنا وعند الحنفية والجمهور وهو قول ابن عمر وانس وابن عباس وعطا والحسن وطاووس.
ومنع بعضهم ذلك ولا يجزي للصيد إذا لزمت له الاّ بدنة تامة له وما تقدم من الاشتراك فانما هو في السنة فصاعداً من البقر والثنية فصاعداً من الابل وجذعتها عن خمسة وجذعة البقر عن ثلاثة وثنيتها عن خمسة واقل من ذلك لا شركة فيه { جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَآئِرِ اللَّهِ } اي اعلام دينه وأضيفت إلى الله تعظيما لها { لّكُمْ فِيهَا خَيْرٌ } فيه ما في قوله: (لكم فيها منافع) ومن شأن الحاج ان يحرص على ما فيه منفعة دينية وخير ديني بشهادة الله وكان لبعض السلف تسعة دنانير لم يملك غيرها فاشترى بها بدنة فقيل له: فقال: سمعت ربي يقول (لكم فيها خير) { فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا } عند نحرها أو ذبحها { صَوَآفَّ } قائمة على ثلاثة معقولة اليد اليسرى.
وقيل: اليمنى وذلك سنة أو (صواف) المصطفة وكل واحدة قد صففت يديها ورجليها.
والصحيح ما ذكرت من عقل اليسرى لئلا تمشي فتضر الناس بالدم وعقلها يمنع مشيها لضعفها بالنحر والذبح يضعفه.
وقد قرأ ابن مسعود وابن عباس وابن عمر (صوافن) من صفن الفرس قام على ثلاث ورفع الاخرى قليلا بل وقف على طرف مقدمها وبين وقوف الفرس كذلك وعقل يسري البدنة شبه.
وقرأ عمر بن عبيد (صوافنا) بالتنوين لجواز صرف مفاعل في السعة أو بنون عوضا عن حرف الاطلاق عند الوقف زائدة عن نون (صوافن).
وقرأ الحسن (صوافي) أي خوالص لوجه الله بفتح الياء وقرى باسكانها على لغة من يسكن الياء في النصب كالرفع والجر في السعة ومنه في الشعر.

يا باري القوس بريا لست تحسنها لا تفسدنها واعطي القوس باريها

واستحب عطاء النحر والذبح في حال البروك لئلا تؤذي الناس بالدم
ورأى بعضهم ابن عمر ينحرها باركة وكل ذكر لله يجزي.
وذبح صلى الله عليه وسلم كبشين وجههما للقبلة وقال:
"وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أَنا من المشركين وقال إِن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأَنا من المسلمين بسم الله والله اكبر اللهم منك ولك"
وعن محمد وامته وقوله وأنا من المسلمين ليس من الآية واستحب بعض ان يمسح على ظهر الضحية ويقول: اللهم هذا قرباني وهذه ضحيتى فاقبلها مني ثم يذبح ويستحب ان يلي الانسان ذبح ضحيته وكان أبو موسى الاشعري يأمر بناته ان يذبحن اضاحيهن بايديهن ولا باس بذبح الغير لها ويكره ان يذبحها كتابي ويزال الجلال لئلا يختضب بالدم.
ووقت ذبح الضحية من وقت صلاة العيد إلى الزوال من اليوم الرابع.
وقيل: إلى غروبه وهو قول الشافعي.
ومن ذبح قبل الصلاة فلحم قدمه لاهله ولا صلاة عيد على أهل منى.
وقيل: وقته يوم النحر الا ما كان بمعنى فوسعوا له إلى الزوال من اليوم الثالث ان لم يجد الغنم أو تسعرت عليه.
وقيل: يوم النحر ويومان بعده وهو قول مالك وأبي حنيفة واحمد.
والخلف في جواز الذبح في الليل من تلك الايام ايضا على الاختلاف فيها.
وعن بعضهم يصدق ثلث الضحية للارحام ويجوز لغيرهم ويؤكل ثلث ويدخر ثلث.
واوجبت الظاهرية صدقة ثلث وأكل ثلث وادخار ثلث.
وعن بعض العلماء لا بد من كل شيء منها ويصدق الباقي أو يدخر بعضه.
ومن سرقت ضحيته بعد الذبح اجزته ولا يبيع لحمها ويكره بيع ما سوى اللحم والشحم كالجلد والشعر وغيرها الا ان بيع وتصدق بثمنه فلا كراهة.
وقيل: لا يجوز بيعه.
وقيل: يجوز بالعرض.
وقيل: يجوز ايضا بالدراهم { فَإِذَا وَجَبَتْ } سقطت على الارض حز قيام أو قعود { جُنُوبُهَا } وذلك كناية عن موتها بذهاب الروح منها بحيث يجوز السلخ فلو قطع منها قبل الموت فسدت وكذا ان اعلنها عليه لقطع عرقوبها أو غيره أو بغير القطع وكان القاسم بن محمد يكره ان تعرقب { فَكُلُوا مِنْهَا } اباحة أو ندبا أو وجوبا خلاف.
وزعم بعض ان العلماء كلهم يستحبون الاكل منها { وَأَطْعِمُواْ القَانِعَ } الحريص السائل من قنع بفتح النون بـ (قنع) بفتحها ايضا وهذا قول مجاهد والحسن وغيرهما وهو المشهور { وَالْمُعْتَرَّ } المعترض للعطاء بلا سؤال هذا هو المشهور.
وقيل: القانع المتعفف المستغني يقعد في بيته لا يسأل ولا يتعرض ويرضى بما اصاب من (قنع) بكسر النون بـ (قنع) بفتحها والمعتر المعترض بالسؤال وهو قول ابن عباس رضي الله عنهما فيما حكاه الطبري ونسبه الشيخ هودرحمه الله لمجاهد ويدل له قراءة بعضهم (القانع والسائل) وقراءة أبي رجا العطار (ذي القنع المعتر) والقنع بغير الف المتعفف الراضي المذكور لا غير وقرأ الحسن (والمعتري) يقال عره وعراه واعتره بمعنى اعرضه.
وروي عن ابن عباس ان (القانع) المتعفف الراضي لا يسأل ولا يتعرض والمعتر الذي يتعرض ولا يسأل.
وقيل: (القانع) المسكين المعتر الذي ليس بمسكين ولم تكن له ذبيحة فهو يجيئ من له ذبيحة قصد اللحم { كَذَلِكَ } مثل ذلك التسخير ومثل ما وصفنا من نحرها قياما { سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ } من عظمها وقوتها حتى تأخذوها منقادة وتعلقوها وتحبسوها صافة قوائمها ثم تطعنوا في لباتها ولولا تسخير الله لم تطيقوها ولم تكن باعجز من بعض الوحوش التي هي اصغر منها وأقل قوة الا تراها إذا لم يسخرها الله كيف تهرب ولا يقدر عليها { لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } لتشكروا انعامنا عليكم بالتقرب بها والاخلاص (فعلى التعليل).