التفاسير

< >
عرض

وَلاَ يَزَالُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ حَتَّىٰ تَأْتِيَهُمُ ٱلسَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ
٥٥
-الحج

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ وَلاَ يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ } شك * { مِّنْهُ } من القرآن أو رسول الله صلى الله عليه وسلم أو مما ألقى الشيطان يقولون ما له اثبته ثم نفاه * { حَتَّى تَأتِيَهُمُ السَّاعَةُ } ساعة الموت أو القيامة أو اشراطها فمن قامت عليه أو جاءته اشراطها تيقن ومن مات تيقن أو لا يتيقن ولو مات الا تراه لا يهتدي إلى جواب منكر ونكير * { بَغْتَةً } فجأة * { أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ } يوم حرب يقتلون فيه كيوم بدر وسمي يوم الحرب يوما عقيما لان اولاد النساء يقتلون فيه فيصرن كالعقم كانهن لم يلدن أو لان المقاتلين ابناء الحرب فاذا قتلوا صارت الحرب عقيما فوصف اليوم بوصفها اتساعا أو لانه لا خير لهم فيه.
ومنه الريح العقيم إذا لم ينشر مطرا ولم يلقح شجرا أو لانه لا مثل له لقتال الملائكة فيه أو يوم القيامة على ان المراد بالساعة غيره أو المراد بها هو فوضع الظاهر موضع الضمير للتهويل.
فصل
قيل: الذي حدث به نفسه صلى الله عليه وسلم زوال المسكنة وعليه فنسخ ما يلقيه الشيطان هو ابطال تمنيها من قبله بعد القاء الشيطان اياها وعليه فاحكام الله وآياته مرتب بتراخ هو علو شأن لا تراخي حكم والمراد مطلق احكام الآيات ووجهه ان احكامها اعظم من خصوص الكلام في نسخ تمنى المسكنة.
وقيل: تمنى بمعنى (قرأ) وامنيته قراءته كقول حسان في عثمان:

تمنى كتاب الله أول ليلة تمني داود الزبور على رسل

ألقى الشيطان في قراءته من أول { النجم } إلى { ومناة الثالثة الأخرى } تلك الغرانيق العلى وان شفاعتهن لترتجى بان سكت النبي على قوله: { الأخرى } وتكلم الشيطان بذلك رافعا صوته بحيث يظن السامعون انه من قراءة النبي صلى الله عليه وسلم والاشارة للاصنام واستمرار النبي صلى الله عليه وسلم بعد وقفه حتى ختم السورة فسجد معه الانس والجن والمؤمنون والمشركون وقيل من كان في المسجد رضي الله المشركون عنه لظنهم ان ذلك الكلام منه ويرد هذا القول بانه يخل بالوثوق بالقرآن ولا يقال قوله: { فينسخ الله } الخ دليل على ان ذلك ليس من النبي لانه ايضا يحتمل ان يكون من ذلك في ستمران يقال كلما نزل نسخ فلعله غلط في التبليغ فيخصص ما لم يوجد من نسخ فليس ثم غلط ومتى وجد غلط فثم نسخ صحيح معقول لا غلط في تبليغه.
وذكروا عن ابن عباس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما عرض عنه قومه وشاقوه وخالفه عشيرته تمنى لشدة ضجره من اعراضهم وحرصه على اسلامهم ان لا ينزل عليه ما ينفرهم لعله يستميلهم ويستنزلهم من غيهم فاستمر به تمنيهم حتى كان يوما بالمسجد في نادي قريش فنزلت عليه سورة النجم فاخذ يقرأها حتى بلغ { ومناة الثالثة الأخرى } فوسوس الشيطان فالقى الشيطان ان يقول تلك الغرانيق العلا وان شفاعتهم لترتجى.
وروي الغرانقة فقرأ ذلك على سبيل الوسوسة ولم يفطن له حتى ادركته العصمة فتنبه.
وقيل: نبهه جبريل عليه السلام فقرأ السورة حتى تمت وقد رضوا عنه لذكره ذلك فسجد وسجدوا معه والمؤمنون ولم يسجد الوليد بن المغيرة قيل: وابو جنحة سعيد بن العاص كبرا فانهما شيخان أو استكبارا بل اخذا إلى جبهتيهما حفنة حصباء وقالا يكفنا هذا وتفرقت قريش مسرورين لذلك قائلين قد ذكر محمد آلهتنا باحسن الذكر فنحن معه وقد عرفنا ان الله يحيي ويميت ويرزق ولكن آلهتنا تشفع لنا عنده فلما امسى رسول الله صلى الله عليه وسلم اتاه جبريل فقال: يا محمد ماذا صنعت وقد تلوت على الناس ما لم آتك به فحزن حزنا شديدا وخاف من الله خوفا كبيرا فانزل الله الرؤوف الرحيم
{ وما أَرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إِلا } الخ تعزية له وايناسا.
ولما سمع المسلمون الذين بارض الحبشة عند النجاشي ان أهل مكة امنوا فرجعوا إلى عشائرهم فقالوا هم احب إلينا ولما دنوا من مكة علموا ان ذلك لم يكن فلم يدخلها الا مستخف وكان ما القاه الشيطان على لسانه قد القاه ايضا على لسان كل مشرك فنطقوا هم والنبي به مرة فازدادوا شرا واشتد الامر على من اسلم وزاد المنافقون شكا وازداد المؤمنون بعد نزول (وما ارسلنا) الخ يقينا ولله ان يمتحن عباده بما شاء ليزيد في ثواب الثابتين وفي عقاب المذبذبين وذلك غير صحيح لضعف رواته وما رواه الا الكلبي عن ابن عباس والا المؤرخون المولعون بكل غريب والكلبي على ما ذكر قومنا كذاب وان سلمنا انه صحيح فلله الاختبار بما اراد ويستحيل ان يتعمد صلى الله عليه وسلم ويمتنع ان يقهر الشيطان احدا على النطق بذلك أو يلقيه جبرا على لسانه فما هو الا غلط أو لما اشتهر إلى (ومناة الثالثة) سكت فنطق به الشيطان.
وحكى محمد بن عقبة ان ذلك لم يقع الا في اسماع المشركين وليس هذا رافعا للاشكال.
والآية دلت على جواز السهو والوسوسة على الانبياء ولكن اثبت تلك القصة البزاز والطبراني بسند صحيح عندهم وطرق كثيرة تدل على صحتها واطنب في صحتها ابن حجر وليست صحتها ببعيدة لامكان ان يقول صلى الله عليه وسلم ذلك ويريد الملائكة.
واما القول بان ابليس قاله على صوته حين سكت صلى الله عليه وسلم رافعا صوته والقول بانه لعنة الله قاله بحيث يسمعه من دنى إليه فظنها من قول النبي صلى الله عليه وسلم واشاعها فغير رافعين للاشكال.
وذكر بعضهم عن البزاز تضعيف ذلك وذكر بعضهم ان الأمة اجمعت على عصمة الانبياء عن مثل ذلك السهو وتلك الوسوسة المسموعة.
وقد ضعف بعضهم ذلك باضطراب رواته وانقطاع سنده واختلاف الفاظه ووقته.
فقائل يقول: انه صلى الله عليه وسلم قال ذلك في الصلاة.
وقائل قاله: في نادي قومه.
وقائل بقوله قاله: وقد اخذته سنة.
وآخر يقول: حدثت نفسه فجرى على لسانه.
وقائل: ابليس.
وقائل قاله: على لسانه وعرضه على جبريل فقال ما هكذا اقرأتك.
وقائل قال: كان ذلك أول ما نزلت سورة النجم.
وقائل: نزلت قبل ذلك ثم قرأها في الحرم وان المؤمنين لا يضرهم ذلك لتحققهم من السورة وعلمهم بالزيادة وبذم النبي صلى الله عليه وسلم الاوثان وليس بدافع للاشكال وقال انه تمنى ان ينزل عليه مدح اله غير الله لعنة الله من قائل زنديق.
عن عياض ان المعنى انه يسهو في قراءته من آية لاخرى أو لغير آية فينتبه فيرجع.
وذكروا عن ابن مسعود انهم سجدوا غير شيخ من قريش اخذ كفا من حصباء وتراب فرفعه إلى جبهته قال فلقد رأيته بعد؛ قتل كافرا وهو الوليد.
وعن ابن الاثير (الغرانيق) الاصنام واصلها طير الماء والمفرد غرنوق وغرنيق يسمى به لبياضه يزعمون ان الاصنام تقربهم إلى الله فيشبهونها بالطيور التي تعلو إلى السماء.