التفاسير

< >
عرض

وَٱلَّذِينَ يُؤْتُونَ مَآ آتَواْ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ
٦٠
-المؤمنون

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ } اي يعطون وهو مبني للفعل وضم حرف المضارعة لكون الماضي رباعيا والاصل يؤتيون بكسر الياء نقلت اليها ضمت الياء لثقلها عليها فحذفت الياء للساكن بعدها { مَآ آتَواْ } ما اعطوا من الصدقات وابهم للتفخيم والمفعول الاول محذوف اي يؤتون الفقراء ما آتوا وحذف للعلم به أو لا يتعلق به الغرض فلا مفعول له أو لا مذكور ولا مقدر وانما له واحد وهو كقولك: (زيد يعطي الدنانير) إذا اردت مجرد اثبات اعطائه الدنانير وحذف الالف بين تاء آتوا وواوه للساكن ومعنى (آتوا) يؤتون فهما للاستمرار التجددي أو هو على مضيه.
والمعنى يداومون على مثل اعطائهم الصادر منهم.
أو المعنى ان ما اعطوه وهذا المضارع لاستمرار نيتهم في الماضي ويتم هذا بقوله * { وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ } خائفة ان لا يقبل منهم أو لا يقع على الوجه اللائق فيؤخذوا به ان كان فرضا أو حيث لا يجوز الاعطاء والواو واو الحال ويجوز كون يؤتون مبنيا للمفعول اي (يعطيهم الله ما اعطوا الفقراء) اي يرده عليهم فضلا واعد لهم ثوابا وهم خائفون ان يكون ما اعطاهم مكافأة لا ثواب بعدها.
وعلى كل حال الفعل رباعي من الايتاء والاصل على الوجه الاخير يؤتيون بفتح التاء وقطع النقل والحذف كما مر وقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وعائشة (يأتون ما آتوا) بلا مد للهمزة فالفعلان ثلاثيان من الاتيان اي يفعلون ما فعلوا من الخير.
قالت عائشة رضي الله عنها: هو الذي يزني ويسرق ويشرب الخمر ويخاف الله على ذلك؟ قال: لا يا بنت الصديق ولكن هو الذي يصلي ويصوم ويتصدق وهو يخاف ان لا يقبل منه وهذا انما يصدق على قراءته وقراءة عائشة.
واما على القراءة الاولى فان الصلاة والصوم ليسا مما يعطيها الانسان للفقير مثلا وكذا تفسيرها بالرجل يفعل ما يفعل من انواع الخير.
كما قال الحسن: معناها الذين يفعلون من البر ويخافون ان لا ينجيهم من عذاب ربهم.
وعنه المؤمن يجمع احسانا وشفقة والمنافق يجمع اساءة ولؤما.
وعنه ما عبد الله بمثل طول الحزن.
وعن سفيان انما الحزن على قدر البصيرة.
وعن عبد الاعلى التيمي: من اتى من العلم ما لا يبكيه لخليق ان لا يكون أمرتي علما ينفعه لان الله وصف العلماء بالبكاء
{ ان الذين أوتوا العلم } إلى { يبكون } ولذلك اطال الاولياء في هذه الدار حزنهم واجروا على الوجنات مدامعهم فاما التقي فخوفه من الخاتمة وتقصير لا يخلو منه واما المخالط فمنها ومن تزول العقاب لتخليطه.
وفسر بعضهم الآية بالذين فعلوا ذنوبا وخافوا.
ويرده ان الصناعة لا تقبل هذا المعنى لانه قال: (يؤتون) لا (يأتون) وان الذي يفعل ذنبا وهو خائف في حال الفعل غير ممدوح وانما الممدوح من دام خوفه بعد ذلك حتى تنصل أو حدث له خوف فدام وتنصل واما قراءة النبي وعائشة فقد فسرها صلى الله عليه وسلم بغير ذلك ويرده ايضا ان الممدوح من دام خوفه لا مجرد الخائف في حال الفعل الا ان يقال اراد (وقلوبهم وجلة بعد) او كني به عن التنصل.
{ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ } اي لانهم إلى ربهم راجعون أو من انهم إلى ربهم راجعون وهو يعلم ما يخفى عليهم واللام المقدرة أو (من) المقدرة متعلقة بوجلة