التفاسير

< >
عرض

ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِي فَٱجْلِدُواْ كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٌ مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ
٢
-النور

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي } مبتدأ ومعطوف عليه والخبر محذوف اي فيما فرض عليكم الزانية والزاني اي جلدهما أو مما يتلى عليكم الزانية والزاني اي حكمهما وذلك مذهب الخليل وسيبويه وجملة.
{ فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا } مستأنفة.
قال ابن هشام: وذلك متعين عند سيبويه لان الفاء لا تدخل عنده في الخبر إذا لم يكن المبتدأ موصولا بفعل أو ظرف.
وقال المبرد: الخبر اجلدوا دخلته الفاء لان الموصول وهو هنا (ال) فيه معنى الشرط وهو سالم من الاضمار لكن فيه الاخبار بالطلب وهو مجيز له أو يقدر الخبر (قولا) اي مقول في حقهما (اجلدوا كل واحد منهما زيادة)
وقرئ بحذف (ياء) الزاني تخفيفا.
وقرئ بنصب الزانية والزاني على الاشتغال اي (اجلدوا الزانية والزاني) فاجلدوا الخ بزيادة الفاء في المفسر وهو اولى من نصب سورة على الاشتغال للمطلب واتفق السبعة على الرفع.
قال ابن هشام: لان الفاء مانعة من الاشتغال ولأن (ال) الموصولة في الآية كاسم الشرط وما بعد الفاء كالجواب ولا يعمل الجواب في الشرط وما لا يعمل لا يفسر عاملا وقاله المبرد.
قلنا: الفاء زائدة لا تمنع الاشتغال واسماء الشرط الظرفية يعمل فيها جوابها على الاصح الا ان قيل: ان المعمول هنا غير ظرف فمنع شبه الجواب من تفسير عامل فيما قبله ويحتمل ان يريدوا ان ذلك المرفوع قام مقام اداة الشرط والفعل والجواب لا يعمل في فعل الشرط.
والاخفش يجيز زيادة الفاء في الخبر مطلقا والفراء يجيزها ان كان الخبر امرا ونهيا وقدم الزانية لان الزنا في الاغلب يكون بتعرضها للرجل وعرض نفسها عليه ومفسدته تتحقق بالاضافة إليها.
{ مِائَةَ جَلْدَةٍ } مفعول مطلق والجلد ضرب لجلد كما يقال ظهره وبطنه ورأسه اي فضرب ظهره وبطنه ورأسه وذلك في غير المحصن.
واما المحصن فحكمه الرجم كما علم من السنة وغيرها كما تراه في سورة النساء وسورة المائدة.
وعن أُبيّ بن كعب انه قال: كم تقرأون سورة الاحزاب قيل: اثنتين وسبعين آية قال: والله لقد كانت تقارب سورة البقرة وكانت فيها آية الرجم نسخ لفظها وبقي حكمها.
الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما الميتة
{ نكالا من الله والله عزيز حكيم } }. وعن عمر نزل الرجم في كتاب الله ورجم صلى الله عليه وسلم غير مرة ورجم عمر ورجم عثمان ورجم علي.
والعبد والامة يجلدان خمسين جلدة ولو تزوج بحرة وتزوجت بحر ووقع المسيس.
وقال الشافعي: في الحر الزاني غير المحصن يجلد مائة ويغرب سنة لقوله صلى الله عليه وسلم
"البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام" وليست الآية ما ينافي هذا الحديث فضلا عن ان تكون الآية ناسخة له أو ان يكون الحديث ناسخا لها.
وله في العبد ثلاثة اقوال تغريب سنة وتغريب نصفها وعدم التغريب.
وشرط الاحصان عند ابي حنيفة الاسلام العقل والحرية والبلوغ والتزوج بنكاح صحيح والدخول.
قال صلى الله عليه وسلم:
"من أَشرك بالله فليس بمحصن" ولم يشترط الشافعي الاسلام لانه صلى الله عليه وسلم رجم يهوديا ويهودية.
واما قوله:
"من أَشرك فليس بمحصن" فيحتمل ان يراد فيه بالمحصن الذي يقتص له من المسلم وقد علمت ان المراد من جنس الزاني والزانية غير المحصنين كما تقول عندي (عين) ويصح ان تريد (عين وجه) أو غير ذلك كالذهب فان العين تطلق على المورودة والمنقودة وغيرهما.
وابو حنيفة لا يرى التغريب وقال: ان حديث
"البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام" وما روي ان الصحابة جلدوا ونفوا منسوخان بالآية أو محمولان على وجه التأديب من غير وجوب وكذا عند اصحابه.
وبهذه الآية نسخ الحبس والاذى في قوله (فامسكوهن في البيوت) وقوله (فآذوهما).
ولا تجوز شهادة النساء في الجلد والرجم ولا تقبل الا شهادة الاربعة رجال احرار مسلمين وان كان احدهم زوج المرأة المدعى زناها فقيل: ترجم وان الزوج اجوزهم شهادة.
وقيل: لا؛ ويجلد الثلاثة ثمانين ثمانين ويترك على المرأة في الجلد ما يسترها من الثياب ولا يمنع الم الضرب ويكون الجلد بشرط لان كما كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا جلد ولا رجم حتى يرى الذكر في الفرج كالميل في المكحلة.
ومذهبنا كمذهب الحنفية في انه لا رجم إذا كان الزوجان مشركين أو الزوجة وانما رجم صلى الله عليه وسلم اليهودي لانهم تحاكموا إليه كذا قيل.
وكان علي يقول: إذا قامت البينة رجمت البينة ثم الامام ثم الناس وان اقر عند الامام رجم الامام ثم الناس ولا تحصن المشركة موحدا ولا المملوك الحرة.
ومن فارق زوجته بطلاق أو موت أو غيرهما وزنى ولا زوجة له فهو محصن وكذا هي وهذا قول جابر وان زنى محصن بغير محصنة أو محصنة بغير محصن رجم المحصن وجلد غيره.
وفي رواية عن ابن عباس رضي الله عنهما "لا تجلد الامة ان لم تتزوج" ولا جلد ولا رجم ان لم تتفق الشهادة في المكان والوقت ومن اقرا فلا يجدان رجعة عما أقرا به قبل اقامة أول الحد ولا رجم ولا جلد إذا كان الشبهة.
وذكر أبو زكريارحمه الله في الذي ماتت زوجته او طلقها طلاقا لا يملك رجعتها خلافا هل هو محصن أو لا؟
وذكر ان الاحصان يكون بمجرد العقد ولو لم يكن الدخول وبطل ادعاء بعضهم الاجماع على ان الدخول شرط.
وزعم ابو ثور وحده ان النكاح الفاسد يحصن.
ومذهبنا انه إذا حصلت الخلوة حكم بالدخول.
وقال ابن حجر: لا حتى تقوم البينة أو يقرا ويعلم له منها ولد قال ومن وجد رجلا مع امرأته وتحقق الزنا فالجمهور على انه من قتله لا يقتل بل يقتص منه الا ببينة أو اقرار.
وقيل: يقتل.
وقال بعض السلف: لا قتل عليه ولا اقتصاص إذا ظهرت امارة صدقه وشرطه احمد واسحاق ومن تبعهما ان يأتي بشهادتين انه قتله بسبب ذلك ووافقهم ابن القاسم وابن حبيب من المالكية ولكن زاد ان يكون المقتول محصنا.
ومذهبنا انه يقتل به الا ان كانت بينه أو اقرار مع الاحصان وله قتله فيما بينه وبين الله عند بعض ولا يقيم الحد على العبد والامة عند الامام أو مأموره.
وقيل: يجوز للسيد اقامة حد الزنا فقط.
وقيل: يجوز له حد الزنا على الامة فقط.
وقيل: يقيم السيد الحدود كلها وعن ابن عمر ان زنت امة ولا زوج لها حدها السيد وان كانت ذات زوج فأمرها إلى الامام وبه قال مالك الا ان كان زوجها عبدا للسيد فأمرها للسيد واستثنى مالك القطع وهو وجه للشافعية والوجه الآخر استثناء حد الشرب وعن بعضهم ان الطفلة تحصن البالغ وهو احوط.
ومن قال لا تحصنه فقوله غير معمول به.
وفي الديوان سن في الرجل ان يحفر للرجل إلى سرته وللمرأة إلى صدرها ويشد عليها خمارها وأول من يرمي قيل: الشهود ثم الامام ثم سائر الناس أو يرمي الامام المقر أولا ويصلي عليه وتولى اذا تاب.
وجوز للحاكم ان يحضر الرجم وان يأمر به ويغيب.
ومن اريد جلده من الرجال جلد قائما ويمسكه شأن ويضع ضربا على كتفيه ولا يفرق على جسده وتقعد البكر وترفع عنها ما فوق رأسها من ثيابها ويجلد محصن من العبيد خمسين ويعزر البكر منهم ولا يبلغ بالتعزير الحد.
وقيل: لا يحد عبد بل يعزر وبالاول نأخذ (انتهى).
ومن زنى مرات جلد جلدا واحدا ولا تجلد حامل ولا ترجم حتى تضع وان لم يستغن عنها ولدها حتى يتم رضاعه ويجدان بالاقرار.
وقيل: حتى يقر أربع مرات ويجلد ناكح بهيمة.
وقيل يرمى من شاهق كلائط.
وقيل: يقتل ناكحها بالسيف وضعف ويدرأ الحد بالشبهة فلا تحد امرأة ذات زوج تزوجت وقالت ظننت ان زوجي مات أو انه جاز للمرأة اربعة رجال وترجم ان لم تعذر بذلك وعلى كل حال لا صداق لها لخيانتها.
وتزوجت امرأة بغلامها فاراد عمر عقابها فقالت: لم لا يحل لنا ما ملكت ايماننا كما حل لكم فدرأ عنها الحد.
وعن جابر من تزوج ولم يدخل رجم.
ومن وجد مع بكر تعلقت به ودمها يسفح وتقول غلبني على نفسي فعليه صداقها وتحد لانها قذفته.
وقيل: لا ما لم تقل وطئني ولا تصدق ثيب حتى تأتي باربعة شهود فيكون لها الصداق وان لم تأت بها حدت ولا صداق لها.
وقيل: يرمى زان بمجرمته من عالي وتحد زانية وان ببهيمة ولا يحد واطئ زوجته في دبرها وتحرم عليه على الشهور ويحد واطئ جارية غيره بامره ولا يحد من زنا بحربية في دار الحرب وان زنا حربي بحربية في دار الاسلام فلا يحدان وان اربعة على زان بامرأة لا يعرفونها فلا يحد لاحتمال انها زوجته أو سريته.
ومن لم يعرف محصنا أو غيره جلد ولا يبحث عنه وان ادعى انه عبد ولم يعرفوه فلا يرجم.
ومن جلد ثم بان احصانه رجم ولا ارش لجلده الا ان لم يسأل فالارش من بيت المال ولا يلزم الحد الا بغيبوبة الحشفة.
ولا تجلد حامل إذا ادعت حملا وبان والا فلينظرها الامينات غدوة قبل اكلها وان بان لهن الحمل اخبرن به فتترك حتى تضع وان اخبرن انها غير حامل فضربت فاسقطت فلا عليهم لانهم فعلوا بالعلم ولا عليهن الا ان بان لهن فكذبن ولا تضرب ان اشتبه عليهن حالها أو اختلفن فيها أو قالت امنيتان لم تحمل وغيرهما حملت أو قالت به النساء وقالت هي لم احمل وان قالت انا حامل ثم قالت لست بحامل ضربت الا ان اتهمت به وان ادعته وزوجها عدمه أو بالعكس فلا يشتغل بقوله.
وان ضربوها ولم تخبر به فاسقطت ضمنته ان علمت به والا فلا عليها ولا عليهم وان علموا به فضربوها ولم تسقطه فليتوبوا ولا عليهم من دية الضرب.
وان تعمدوا ضرب حامل فماتت لزمتهم ديتها ودية حملها.
وقيل: دية فقط ان رجمت رجما وان سقطت ولم تمت ضمنوا دية السقط.
والمرأة كالرجل في كل ما يؤخر عنه الضرب به كمرض أو علة ومن ضرب انسانا لتعديه فضرب به الانسان في وقته اخذ حق التعدية منه وهدر دمه دون الانسان وان تراخى ضربه عن وقته فهو متعد ايضا ويؤخذ حقها كالاول وان تكلم له كلام يجري إلى القتال فرد له مثله فيؤذي.
وقيل: الاول وكذا ان بزق له او حث إليه التراب أو جمع له اصابع يده مع الكف وجعلها كالكورة إليه أو جعل انملة ابهامه متصلة بانملة سبابته وكانت منهما حلقة فرد له مثل ذلك وان بلغته يده جاز له ضربه ليردها.
ومن وجد مفسدا لماله فله ضربه في حينه الا ان هرب وترك الفساد وان ضربه كذلك فمتعد.
ومن وجب رجمه فرجم مريضا فلا عليهم ومن جلد مريضا اعيد جلده بعد صحة واعطي الارش.
وقيل: لا اعادة ولا ارش وان مات ضمنوه.
ومن اعتل موضع الضرب منه فلا يضرب حتى يبرأ ان بان اعتلاله وان لم يخبرهم وهلك ظلم نفسه وكذا ان علموا فضربوه ظلموه.
{ وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأَفَةٌ } رحمة بهمزة ساكنة وفتحها ابن كثير وقرأ بعضهم (رآفة) بمد الهمزة بوزن سحابة.
وبعضهم (ولا يأخذكم) بالمثناة التحتية * { فِي دِينِ اللَّهِ } في حكمه وطاعته واقامة حدوده بل يجب عليكم التصلب في الدين لا تعطلوا الحدود أو تتركوا منها شيئا أو تخففوا الضرب وكفى برسول الله اسوة في ذلك صلى الله عليه وسلم
"إذا قال لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها" وعن عبدالله بن عمرو "جلد جارية له زنت فقال للجلاد: اضرب ظهرها ورجليها فقال له ابنه: { ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله } فقال: يا بني ان الله لم يأمرني بقتلها وقد ضربت فاوجعت وهذا وارد في البالغة العاقلة كبيرة الزنى فلا يقيس عليها من ليس من المجتهدين من ليس ببالغ فيضربه على الرجلين مع ان افعال غير البالغ لا تكون كبائر ومع نص علمائنا رزقنا الله الاقتداء بهم على ان غير البالغ يؤدب في مقعدتيه وفي الحديث "يؤتي بوال نقص من الحد سوطا فيقول رحمة لعبادك اي تركته رحمة او تركه رحمة فيقال له انت ارحم به مني فيؤمر به إلى النار"
وعن ابي هريرة "اقامة حد بارض خير لاهلها من مطر اربعين ليلة".
وعلى الامام ان ينصب للحدود رجلا عالما بصيرا يعقل كيف يضرب.
والذي اريد جلده يجلد قائما على مجرده ليس عليه الا ازاره ضربا وسطا لا مبرحا ولا هينا مفرقا على الاعضاء كلها لا يستثنى منهما الا ثلاثة الوجه والرأس والفرج قاله جارالله من المعتزلة عن الديوان لاصحابنا رزقنا الله الاقتداء بهم انه لا يفرق.
وذكرت اصحابنا انه يضرب على الظهر أو الكتفين أو المقاعد وذكر بعض اصحابنا المشارقة ان الزاني غير المحصن والسكران والقاذف يضربون في كل موضع الا الوجه والفرج ومعنى استثناء الفرج انه لا يضرب في الكوة وما تسفل من الجوانب فلا ينافى انه يجوز ضربه في المقعدتين عرضا.
وبعد؛ فليس لغير المجتهد ان يقيس الطفل على ما ذكر جارالله لان كلامه في جلد الزاني فكيف يقاس عليه الطفل فيقال: انه يضرب في كل موضع حتى الرجلين والقياس لا يجوز الا للمجتهد وكيف يقاس افعال الصبي التي يؤدب عليها مع انها ليست كبائر على افعال البالغ التي هي كبائر وكيف يقاس مع وجود النص وقد صرح الاصوليون ان القياس في معرض النصر باطل؟ وكيف يترك ما نص عليه اصحابنا من انه يضرب في المقاعد ويقاس على كلام غيرهم؟.
واتفقت اصحابنا انه لا يعمل باقوال المخالفين الصريحة نعم لو عمل بها احد في غير ما يقطع فيه العذر كالروية لم يحكموا بهلاكه ومضى فعله الا ان لم يوجد في المذهب حكم مسألة فانه يجوز العمل بقول غير المذهب ولا يقاس ايضا على كلام ذلك المشرقي من اصحابنا لما علمت ان القياس من وظيفة المجتهد وانه انما يجوز فيما لم يكن فيه نص وغير ذلك.
وكلام جارالله اولا وآخرا في حد الزنى الا قوله: وعلى الامام ان ينصب للحدود فهام وليس كلامنا في نصب الامام رجلا عالما وكذلك لا يقاس غير الزنى والسكر والقذف عليها فلا يقال يضرب فاعل الكبيرة من البلغ حيث شاء الضارب الا الوجه والفرج.
قيل: وفي لفظ الجلد اشارة إلى انه لا ينبغي ان يتجاوز الالم إلى اللحم وعن بعضهم لا ينزع عن المرأة الا الحشو والفرج.
وقال بعضهم: ومن رأيهم ان يخفف ضرب الخمر والقذف.
وقيل: يشدد في ضرب الزنى ويخفف في القذف ويخفف في الشرب تخفيفا اكثر من التخفيف في القذف.
وقال الزهري: يشدد في الزنى والقذف ويخفف في الشرب * { إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ } يوم القيامة وذلك تلويح بان المؤمن لا تأخذه الرأفة إذا جاء حق الله ومن اخذته الرأفة فعطل الحد أو ترك بعضه أو خفف فهو هالك وفي ذلك تهيج إلى امر الله وتعظيم امر الزنى قال صلى الله عليه وسلم
"لا يزني الزاني وهو مؤمن ولا يشرب الخمر وهو مؤمن ولا يسرق وهو مؤمن ولا يقتل النفس التي حرم الله وهو مؤمن" فاذا فعل ذلك خلع ربقة الاسلام من عنقه.
وفي الآية ايضا اشارة إلى الزاني ليس مؤمنا بل منافقا اذ نزع عنه الرحمة التي جعل بين المؤمن { وَلْيَشْهَدْ } اي وليحضر { عَذَابَهُمَا } وهو الجلد وسماه عذابا قيل: للدلالة على انه عقوبة أو لانه يمنع من المعاودة كما سمي نكالا * { طَآئِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ } قيل: هذه الآية دليل ايضا ان الزاني لا يسمى مؤمنا إذا مر بحضور طائفة من المؤمنين لا من الزناة واختصاص المؤمنين بالحضور لان حضورهم افضح والفاسق بين صلحاء قومه اخجل والتفضيح قد ينكل اكثر من التعذيب ولا خلاف ان الطائفة كلما كثرت فأليق بامثتال الامر.
وعن ابن عباس: الطائفة اربعة إلى اربعين من المتصدقين بالله والامر بشهادة الطائفة المتشهر فوجب ان تكون طائفة يحصل بها التشهير والواحد والاثنان ليسوا كذلك والثلاثة ولو حصل بها التشهير لكن لا تكفي في أمر الزنى لعظمه حتى انه اشترط الله فيه اربعة فلتكن الاربعة هي التي يحصل بها التشهير سواء ان كانت هي الاربعة الشاهدة بالزاني أو غيرها.
والزنى كبيرة مقرونة بالشرك وقتل النفس وعنه صلى الله عليه وسلم
"يا معشر الناس اتقوا الزنى فان فيه ست خصال ثلاث في الدنيا يذهب البهاء ويورث الفقر وينقص بركة العمر وثلاث في الآخرة يوجب السخط وسوء الحساب والخلود في النار" ولذلك وفى الله فيه عقد المائة بكلامه بخلاف القذف والشرب وشرع فيه القتلة الشنعاء وهي الرجم ونهى عن الرأفة وامر بشهادة الطائفة للتشهير.
وقيل لا بد ان يكون الطائفة غير شهود الزنى.
وقيل: الطائفة التي يمكن ان يكن حلقة واقلها ثلاثة أو اربعة قد يؤخذ منه حكم حقوق المجلس من التدوير وغيره فاذا كانوا ثلاثة استداروا وسدوا الخلل والذي نسمع نقلا انه يجب التدوير وسد الخلل إذا كانوا خمسة ولم نجد النص.
والطائفة صفة (تغلب) عليها الاسمية كأنها الجماعة الحافة حول الشيء.
وعن الحسن: الطائفة عشرة.
وعن قتادة: ثلاثة فصاعدا.
وعن عكرمة: رجلان فصاعدا.
وعن مجاهد: الواحد فصاعدا.
وعلى قولهما التاء للنقل من الوصفية للاسمية.
ويحتمل على قول عكرمة انها تاء التأنيث مستصحبة بناء على ان (الاثنان) جماعة حقيقة أو مجاز.
ويحتمل على قول مجاهد ان تكون كذلك على ان الاصل نفس طائفة يقال (طاف زيد حول الشيء) فهو طائف ونفس اي ذات طائفة.
وقول الزهري: الطائفة ثلاثة فصاعدا.
وقول لعطاء ومالك: انها اثنان فصاعدا.
وها هنا فصول من الديوان وغيره الاول إذا اراد المسلمون ضرب من لزمه الضرب لزنى أو غيره أمروه ان يشد ازاره على غير الموضع الذي يضرب فيه بكرزية أو غيرها ويبرك على ركبته ولا يلبس طوقا ولا يترك معه حديد ويجبر إن امتنع ولو بضرب بما وجد وفي اي موضع من جسده حتى يذعن وان عصاهم فلهم ان يوثقوه ويمسكوا بيديه ورجليه ويربط على سارية ويضربه الحاكم اولا ما قدر أو حتى يتم وله ان يأمر غيره ولو من أهل الجملة ان لم يخف ان يطلب فيه حسيفة او يحن عليه ولا يامر اعمى ولا طفلا ولا مجنونا ولا مشركا ولا امرأة ولا عبدا الا باذن ربه ولا قليل البصر ويؤمر ممسك العدد بالجهرية حذرا من الغلط.
ويختلف الرجال على الضرب حتى يتم ما وجب عليه.
وقيل: انما يضربه في جلد مائة اثنان لكل خمسون.
وقيل: خمسة لكل (عشرون).
وقيل: عشرة لكل (عشرة) وليكونوا حيث يمكن الضرب ويتمكن منه وليحذروا مجاوزة كتفيه إلى جوانبه بالضرب أو إلى بطنه وتحت ضلعيه أو إلى رأسه أو اذنيه فمن جاوز منهم إلى ذلك ضمن الا ان تعرض ولم يستقم لهم فليضربوه حيث وجدوا ولو في البطن وفي ضمانات الديوان ما نصه ومن اخرج الحق من رجل فجاوز في العدد فهو ضامن وكذلك ان جاوز الموضع الذي يضرب فيه في البدن أو ضربه في الرأس وفي غير موضع الضرب الا ان اصابه الضرب من قبل تحركه.
وان رأوا ضاربه خفف عليه أو بضربه بطرف السوط ويخطفه أو يضرب ثيابه او الارض أو قد ضعف امروه بالكف وامروا غيره بالضرب.
ولا يضرب الجالد السوط في الارض ليأخذ به حصى يتاذى منه المجلود ولا يجعلوا ترابا على كتفيه وليرفع يده ما استطاع وليذكر اسم الله عند ابتدائه ويقصد بذلك ما عند الله وليكن الابتداء على الكتف الايمن ثم الايسر ثم كذلك حتى يتم وليتحول مقابل كل ولا يضربه على عرضهما ولا كلا من ناحية الآخر ولا يعجل بالضرب حتى لا يستقيم العدد لممسكه ولا يتباطأ به ولا يلق السوط من يده إذا ترك بل يدفعه لآخر يضرب به وان انقطع منه شيء عند الضرب فليضرب بباق منه ما وجد فيه ما يضرب به ولا يضرب بالسوط ان انعقد عند ضربه حتى يحله وكذا ان انطع ما تحت العقد لا يضرب به حتى يحله ولا يضربه اثنان في مرة ولا واحد بسوطين أو اكثر ولو امسك الكل بيديه معا فإن فعل فانه يحسب كل ما بلغ جسده من الاسواط وليضربوا من استحق الضرب واحدا بعد واحد ولا يضربوهم معا الثاني ان امرهم ان يضربوه على كتف واحدة فلا ينصتوا إليه الا ان اعلت الاخرى أو خرج عظمها وان لم يوجد فيه ما يضرب فيه ضرب على مقاعده بعد سترها بخرقة فان انقطعت قبل الاتمام سترت باخرى ولو تغير الموضع بالضرب حتى لا يعزر إذ لا بد من ستر العورة.
وقيل: انه يضرب على المقعدة ولو امكن ضربه على الكتفين ان شاءوا وان اشتبه عليهم بلوغ عدد ما لزم من الضربات في الادب وغيره فليكفوا وان اشتبه عليهم ما اتفقوا عليه من ضربه في الادب والنكال فلهم ما ارادوا من ضربه وان بان انهم ضربوه اكثر ضمنوا الزيادة وان اتفقوا على أقل من تسعة عشر في الادب فبلغوا لم يضمنوا وان لزمه النكال فاتفقوا ان يضربوه كذا فرأوا ان يزيدوا أو ينقصوا جاز وان اشتبه ما ضربوه وما اتفقوا عليه فليتمادوا على ضربه ان شاءوا أو يكفوا.
وقيل: لا يشتغل بالعدد في النكال بل يضرب حتى تتغير اكتافه وان اخذوا في الضرب وقد اختلف رأيهم في العدد فليضربه من رايه اقل ولا يجاوز ان لم يرجع إلى رأيهم ولا يجلدوا ليلا من الغروب للطلوع الا ان اخذوا في جلده قبله فغابت قبل اتمامه فليتموا ما لم يمنعهم الظلام ولا يقصدوا من ارادوا ضربه كثيرا إذا حان الغروب.
ولا يقام حد ولا ادب ليلا الا لضوء نار.
وقيل: لا مطلقا ولا بعد اذان الجمعة حتى يفرغ من الصلاة ولا في مسجد ولا في الحرم وليهجر ان التجا إليه ولا يطعم ولا يسقى حتى يخرج فيقام عليه ما لزمه ويقال عليه فيه ما جنى فيه وان تعمد الحاسب غلطا في العدد فزاد على المضروب ضمن الزائد على المتفق عليه هو لا ضاربه.
وقيل: بالعكس وان لم يتعمد ضمن الضارب ومن تعمد الزيادة فخرج التمام أو النقص فليتب إلى الله الثالث ان ضرب الحاكم أو الجماعة من ظنوا انه استوجب الضرب فبان لهم عدمه ضمنوا ديته من بيت المال ان كان والا فمن اموالهم وان اتهموه فحبسوه فاقر فضربوه فخرج انه لم يستحق الضرب فلا ضمان عليهم وان شهد عليه بتعديه فضرب ثم نزع الشهود قولهم فيها أو خرجوا عبيدا أو مشركين أو مجانين أو نساء ضمنوه لا ضار به وضمن ان خرجوا اطفالا وان كرهوه حتى اقر أو أقر من لا يجوز اقراره على نفسه فضربوه به ضمنوه أو من ضربوه على فعل فاذا هو لم يفعله ثم بان انه قد فعل موجب الضرب قبل من غير ما ضربوه عليه فلا عليهم الرابع من شهر بافعال السوء ينكل فاذا وجب الحق على مسلم بزلة فلا يخرجوه منه ولينهروه بكلام إذ لا يعود لمثلها ولهم ضربه ان رأوه.
ومن وجب عليه حق لتعديه جاز للحاكم أو الجماعة ضربه أو تركه بحسب نظرهم لان حق التعدية مرجعه إليهم لا إلى صاحبه ولا ينصت إليه ان قال تركته أو اعطوه لي.
وان كان لضعيف على اقوى حق اخذوه له وان بلا اذنه ان لم يخافوا ضره منه.
ومن وجب عليه الحق فضربه الاشرار ولو قدره فان بان للجماعة اعادة الضرب جازت ويؤدبون الاشرار على ذلك وكذا ان ضربه عبيد أو نساء أو اطفال.
والخامس من وجد قوما يضربون احدا في موضع يخرج فيه الحق فلا يغير عليهم ولا يقعد إليهم حتى يسألهم عن موجب فان اخبره امينان انه فعل كذا مما يوجب ضربه قعد ان شاء ولا يقعد ان لم يكن فيهم الامناء أو لم يخبروه وجوز له ان يقعد ان كانوا فيهم بلا سؤال أو جوز له ايضا ان كانوا من أهل الجملة ولا يبرأ منه احد به ومن امروه ان يجلد احدا فلا يفعل ان لم يعلم موجبه الا ان امره الامام ولا يبراء من المضروب ولو بلغ في ضربه قدر موجب النكال.
وكذا من لم يعلم من الحاضرين موجبه لا يبرأ منه وليطع الامام من امره بضرب احد ولا يبحث عن موجبه وليبحث عنه في امر القاضي لانه ليس كالامام في ذلك ولا يشتغل به ان قال لهم قد وجب عليهم الحق عندي ولو امينا وليقتد بعض الجماعة ببعض في هذا ان كانوا امناء اذ لا يقتد الا بأمينين.
وان ارادوا ضرب احد على فعل وقد علم احدهم انه لا يوجبه فليخبرهم فان انصتوا إليه فذاك والا قام عنهم إذا اخذوا في ضربه ولا يبرأ منهم إذا علم غلطهم في ذلك وكذا ان فعل موجب ضرب فرأى بعضهم جلده وبعضهم ترك لا يحضر هذا الضربة ومن أخذه الجماعة ليخرجوا منه الحق ولم يجبروه عن موجبه فليطاوعهم ان كان من أهل السوء والا فله ان يمتنع لهم كما مر حتى يخبروه بفعله فان كان يوجب ضربا طاوعهم عليه ولو لم يعلم ذلك والا آخذه أهل الجملة أو الخلاف امتنع ان قدر ومن فعل موجب قتل جاز قتله للجماعة وان يضرب بسوط بلا عدد حتى يموت ودمه نجس.
وقيل: دم من اخرج منه الحق طاهر ولا يزال من اخرج منه الحق ولا يؤوى ولا يذاوي الا ان ثاب وضمنوا دية ما ضربوه بعد موته ان فعلوا.
وان غشي عليه بالضرب او زال عقله خفوا عنه حتى يفيق ويجلد العبد على الاكتاف كالحر وجاز على مقاعده ايضا.
السادس ان ارادوا ضرب امرأة رشوا كفة بماء وامروها ان تقعد فيها وتخرج يديها من عراها ان أوجدوها والا فغرارة وان لم يجدوها فوعاء سترها ويرش موضع تقعد فيه بماء ويشترى الوعاء من بيت المال ان كان والا فمن الموقوف على اخراج الحق وتضرب على الكتف وكالحرائر الموحدات الاماء والمشركات ويجوز ضرب الامة على المقعدين وتضرب الخنثى على كتفها بلا كشف عنها في وعاء كالمرأة.
وان قالت لهم: دعوني اقعد بلا وعاء اجبرت على الدخول فيه فتلبس اوسط لا رقيقا ولا غليظا ولا ترادف ثابا وتستر جسدها ويأمرون ذا محرم منها بفتشها فان وجد غير ما ذكر فلينزعه وان لم يوجد محرم منها امروا امينة ان وجدت والا فامينا وان اخذوا في ضربها بلا تفتيش فبان انها ردفت نزعوه وتجبر ان امتنعت ويبنى على الضرب الاول والمرأة والخنثى في ذلك كله سواء.
وان انقطع ما على الاكتاف كفوا حتى تستر.
وقيل: يتمادون على الضرب ان تغير لون جسدها به وان لم يكن لها ثوب تستر به فيخرقه من بيت المال ولا يجب ستر اكتاف الاماء ان ضربن فيها وان امتنعت امرأة فليمسك يديها محرمها ان وجد والا فالمسلمون من فوق ثوبها وان تعرضت حين الضرب حتى انكشف رأسها أو بعض جسدها فليضربوها كذلك ولم ان يربطوها إلى سارية وتضرب قاعدة في حد أو غيره وقيل قائمة.
السابع من وجب عليه ادب او تعزير أو حد اقيم عليه ذلك وان وجب عليه نكال اجتهد الصلحاء فيه بنظرهم واختاروا منهم ثلاثة أو ما رأوه فينظروا في الفاعل وما يتحمله جسده من الضرب وفي جرمه ويخبرهم كل بما رأى فان اتفقوا فحسن والا ارتفع النازل ونزل المرتفع فيجتمعوا على الاوسط ويأمرون بضربه فيمسكون العدد ولا يحيفوا ولا يشاركوا من يخبرهم بسرهم أو من يحن أو ببغض ولا أهل الجملة واجيزوا ان كانوا لا يخرجون عن رأيهم وليدعوا التنازع وان لم يكن الا رجلان متاهلان اتفقا أو واحد نظر وعمل برأيه ولا يشارك طفل أو امرأة أو عبد.
الثامن لا حد للنكال ولكنه على قدر النظر في الفاعل فلهم يغلظوا عليه بالكلام في مجمع أو يربطوا له الازار أو يحبسوه أو يضربوه أو نحو ذلك.
وقيل: النكال ما دون خمسين جلدة وموجبه كالتعزير للكبيرة فمن جعل يده في عيره بتعديه أو ضربه بها او غصب ماله أو سرقه أو زنى أو شرب خمرا في الكتمان أو أكل دما أو ميتة أو لحم خنزير أو آدمي او بوله أو عذرته فانه ينكل وأهل الفتنة ينكلون ان اخذ بعضهم السلاح إلى بعض وان لم يتلاقوا أو لم يتراءوا.
وينكل مانع الحق كالطاعن في الذين ان لم يقدر على قتله.
وينكل آبق وهاربة من زوجها إلى رجل وهارب بامرأة مطلقا أو بصبي اراد به سوءا الا من هرب بها باتفاقها على ان يتزوجها أو لم يرد بها سوءا ولكنهما يؤدبان.
وينكل متعد في افساد آدمي بعد موته أو مال أو خارج إلى قطع الطرق وان لم يأخذ أو لم يقتل وبائع حر ومشتريه أو مال اخذ بلا اذنه أو حراما او ريبة واكل ذلك ومن ياوى اليه وحاكم به لغير مالكه ومتزوج ذات زوج أو في عدة أو زوجة ابنه وان سفل أو ابيه او ان علا أو محرمته وان برضاع أو صهرا واكثر من اربع أو امرأة واختها أو مجوسية أو وثنية وكذا المرأة ومزوجها وشاهد مع علم بذلك وتعمده.
وينكل متعر للناس عمدا ومنجس آدمي أو ثيابه أو انائه او طعامه او شرابه أو دابته أو بيته أو مسجد ومفسد فيه أو في مائه أو مال الاجر وسارقه أو مال مقبرة أو مصباح وحافر في طريق وناصب فيه خشبة أو حجرا فتلف به مال أو نفس وقاعدة فيه أو في سوق لا ضرار متفق مع من يدفعه على أحد فدفعه فوقع الهلاك وجاعل لآخر صقفلة فبلغت جسده أو ثوبه وبازق له وان بماء او دهن ان بلغه أو لباسه وحاث له ترابا أو رمادا أو كناسا أو ماء أو غير ذلك فبلغه ايضا فانه ينكل ان تعمده.
وينكل مقر بفعل موجب نكالا بتعديه لا ان لم يذكرها وان فعل موجب ادب ثم موجب تعزير او نكال أو حد أو قتل أو فعل أو لا موجب قتل أو حد أو تعزير أو نكال ثم موجب ادب فانه يؤخذ منه الاول فيترك حتى يبرأ ان جرح ثم يؤخذ منه تاليه إلى آخرها ويؤخر القتل ويضرب مترتبا بلا تراخ ان لم يجرح.
وقيل: يضرب في اماكن من جسده بلا تراخ وان جرح.
وقيل: تؤخذ منه في وقت ويفرق بينها بحيث لا يوصل ضرب كل منها بالآخر.
وقيل: يؤخذ منه في مكان بلا تفرق بينها.
وقيل: يؤخذ منه الاكثر كالقتل ويترك ما سواه لانه يأتي عليه وحق الله وحق العباد يؤخذان منه جميعا ان امكن والا أخذ حقهم.
وقيل: حقه لانه اولى من حقهم وينكل من ركن إلى من ظلم أو في اخراج الحق وان رأوا حبسه حبسوه لانه قيل يهلك الراكن قبل الفاعل.
ومن تكلم في موضع يخرج فيه الحق أو في خروجه بما يعارضه به او يضره أو قال اضربوني بدل المضروب أو لا يضرب حتى يضرب فلان أو انما تقدرون علينا لا على بني فلان أو قال للجماعة تحاميتم علينا في فلان أو انما اتبعتم فينا قول فلان وهو عدونا لرجل صالح أو اخذتمونا بالجور أو بالظلم أو بنحوهما أو والله ما طلبتم الينا الحق أو لا نعطيه حتى يعطيه فلان أو بنو فلان أو اراد ان يمنع من وجب عليه أو من اراد ان يخرجه منه أو جعل ثوبه على المضروب او مسك السوط للضارب أو قال لا يضربني هذا أو فلان فانه ينكل في ذلك ونحوه ان اراد به معارضته الحق.
التاسع من جاء إلى غيره وفي يده ما يضربه به كعصا أو حجر أو حديد فانه يعزر وان ملل به ولم يبلغه فانه ينكل.
وقيل: يعزر ومن وجد مع امرأة غيره أو سريته في لحاف عزر ان لم يكن بينهما ثوب ويعزر من مثل بقاتل وليه بعد قتله وانما يجب على كبيرة وهو ما دون اربعين جلدة ولو في الكتمان ولا يبالغ ولا يتجاوز.
وقيل: يبلغ به إلى سبعين.
وقيل: هو كالنكال.
العاشر يجب الادب لمن يلعب بكل لهو وكسر الحجر عليه والتلفظ بالقبيح بسوء القذف ففيه الحد في الظهور والادب في الكتمان.
وقيل: كل ما وصل إليه من احكام الظهور في الكتمان جاز فعله يجب الادب بالتغني والنياحة وما يؤدي إلى مقاتلة من قول أو فعل كتلقيب احد بغير اسمه أو بما ينقصه وبالبزاق وحث التراب ان لم يبلغا والا فالنكال وبدخول بيت الغير بتعديه.
ومن فعل موجب الادب مرة او اكثر فامره إلى الجماعة في تركه أو تأديبه بكل أو بعض ومن استوجبته امرأته فيما بينهما فليأخذ بها إلى الحاكم أو الجماعة فينظروا فيها فان صح أدبوها ولا يؤدبها بنفسه وجوز له ان عرف الادب ولم يخش الفتنة وتؤدب على عصيان في الفراش وللرجل ان يؤدب عبيده ان عرف والا رفعهم إلى الحاكم أو الجماعة ويؤدب اطفاله أو يأمر بهم من يؤدبهم ان عرف ولا تؤدبهم الا باذن الاب وان لم يكن لهم اب ادبتهم ان عرفت ولمن عنده يتيم ان يؤدبه ولمن مر على اطفال يفعلون موجبة ان يؤدبهم ان عرف ولم يخف شرا.
ومن اتى بهم إلى الحاكم أو الجماعة فلا يشتغل به الا بالبيان ولو كان ابا وكذا سيد مع عبده وجاز تأديب الطفل ولو ليلا ولا يؤدب اعمى اطفاله وجوز ان كان يحسن الادب ويؤدب مجنون على فعل سوء وطفل على غضب واستقلال ما يعطي وكثرة الضحك والبكاء وعلى النميمة وترك ما أمر به وشتم ومقاتلة وضرب وافساد وكثرة الكلام والزيادة فيه واللعب والنطق بالفحش وفعله وامتناع من سير إلى المعلم والهرب منه وتضييع لوحه وتضييع درس ما حفظ والاخذ في البطالة وجميع الاخلاق السوء كالتعري ان كان مراهقا أو إلى النار أو في حر او برد وتضييع شغله وترك القيلولة وكثرة النوم على البيات في غير بيت والده وعلى كثرة المشي في غير حاجة وعصيان ابويه وعلى شتمهما أو تسميتهما باسمائهما ورد الكلام لاكبر منه والاستهزاء بكلام غيره والسخرياء والهمزة والغمز واللمز والمزاح ورمي الطعام واهراق الماء واللبن ونحو ذلك وعلى افساد ذلك وكثرة دخول الماء واللعب فيه وقطع ثيابه وبلها ودخول المسجد والطلوع عليه وتنجيس حواليه أو حوالي بيوت الناس وطرقهم ومقاعدهم واللعب بالملاهي وان بالكورة والنرد والتغني وغير ذلك وخطف الطعام من غيره وعلى التعبث والنفار وسائر التصعب واخذ ما تخفيه امه بلا اذنها ودخول بيوت الناس بلا اذنهم وعلى اطلاعه عليهم فيها واصغائه إليهم وعلى الدخول على ابويه في الاوقات المذكورة في القرآن وهي ثلاث العورات بعد التقدم ان لا يدخل عليهما بلا اذن وعلى أكل الانجاس والحرم والريبة وشرب المحرم.
وكذا العبد والمجنون يؤدبان على مما يؤدب عليه الطفل ويؤدب الكبير ان ذهب إلى الكبير ولم يكن في يده ما يضربه ما دون عشرين ولو في الظهور ولا تبلغ فيه ولم يزد عليها ويؤدب ايضا بحبس وبانتهار من كلام وبهجران ويربط الازار قدر النظر.
وبقي في حفظي ان الادب في الظهور تسع عشرة ضربة وفي الكتمان ثماني عشرة.
وان بعضا قال انه عشرون في الظهور وتسع عشرة في الكتمان.
الحادي عشرة وانما يؤدب الطفل بالدرة لا بشراكها الا ان عزل منها واحد وبمنطقة من ناحية سليمة منها وبالشراك الطائفي وبنعل لا رقائع فيه وبقرق وخف ويمسك الخف من عقب ويضرب بنعله أو من نعله ويضرب بجلده ويضرب الاطفال ان وجدوا يلعبون بطرف كسائي الضارب أو طرف ازاره أو بكمه من وجدهم يلعبون بطرف كساء او ازاره أو بكمه أو بقصبة او سبطة على رأسه نقرا خفيفا أو على يده ان مدها إلى فساد وبضربه بطرف جريدة مع سعفها أورتم او طرفها مع ورقها ونحو ذلك ويفتل اذنه ويجيذها خفيفا ولا يحكها ولا يؤدبه بسوط وجوز ان كان من غير الخنزير وكان ممن يحتمله ويؤدبه مقاعد بالدرة وبالنعل ويحمله غيره ولا باس بضربه على كتفيه ولا بضربه بيد ولا بعصى ولا بجريدة لا سعف فيها ولا بشماريخ وكذا امرأته وعبده ولا يضربهم جزافا ولا ضربا مبرحا ولا يؤدب اطفاله ومجانينه وعبيده وقت غضبه.
قال الشيخ موسى والاطفال انما يضربون على افعالهم كلها إذا كانت قبيحة وانما يضربون فيه اكثر ولكن بالدرة أو بالنعال أو باللوح أو بالمنطقة ولا تكون هذه الدرة من جلد جمل ولا حمار ولا فرس ولا تكون الا من جلد ثور أو بقرة مدبوغ وان كان النعل الذي يضرب به الطفل فيه طاقتان فليعد الذي اراد ضربه في الضربة اثنتين ولا يضرب الا في مقعدتيه ويكشف عن مقعدتيه الا ان كان مراهقا وجاز للانسان في طفله وعبده وامرأته ويتاماه ونحوهم ما لم يجز لغيره وان يضرب ليلا أو بما لا يضرب به بلا قصد لكسر او زوال عضو أو مثله.
الثاني عشر قد علمت ان موضع ضرب الطفل المقعدتان أو الكتفان الا مأمر في نحو طفله فيجوز له فيه ما لا يجوز في غيره.
لكن تأمله امرتك بالتأمل ثم اطلعت في حاشيه التبيين للشيخ محمد بن يوسف الجربي منزلا على انه قيل لعل في قوله النبيين ويجوز له فيهم ما لا يجوز له في غيرهم تحريفا والاصل اسقاط لا وان من جاوز موضع الضرب ضامن فنتج من الشكل الاول ان ضاربه في الرجلين ضامن وكذا الرجل الا القاذف والشارب والزاني غير المحصن فيضربون في اي موضع اراد الضارب الا الوجه والفرج وكذا لا يضرب احدا الا بما اجاز العلماء الضرب به رزقنا الله الاقتداء بهم.
وأما قوله في القناطر: ان عمر رضي الله عنه كان يضرب قدميه بالدرة إذا جنه الليل ويقول لنفسه ماذا عملت اليوم؟ فلا دليل فيه لهؤلاء الذين يضربون الاطفال على ارجلهم لان عمر بالغ فلا يقاس عليه الطفل ولان عمر يضرب بالدرة وهم يضربون الطفل بعصا بل بجريدة بعد نزع السعف ولان ضرب عمر نفسه انما هو على جهة التنبيه كما كان ابو بكر رضي الله عنه يمسك لسانه ويقول لها قولي خيرا او اسكتي لا على جهة الادب إذ ليس لاحد ان يخرج حق الادب أو غيره من نفسه بنفسه ولان الادب وغيره ضربه موجع ولا يشك عاقل ان عمر يوجع نفسه ضربا وكذلك لا يقاس عليه غير الطفل.
واما قول صاحب النيل في النيل اكرمه الله ويقلد العالم الامين في قول وعمل وفتيا وحكم فقال لي شيخنا ان المراد فيه بتقليده في العمل ان يامرك بالعمل فتعمل لا ان تراه يعمل فتعمل كما عمل واسم الاشارة في كلام التبيين يدل على ذلك.
قال الشيخ احمد الجربي: مراد صاحب التبيين العالم المعروف بالعلم والورع والصيانة المطمئنة النفس لفتواه ونقله ان كان من شأنه النقل فليس لقائل ان يقول وجدنا الناس يضربون بباطن القدم فنحن نقلدهم وان سلمنا انه على ظاهره من انك تراه يعمل فتعمل كعمله فلسنا نسلم انه يجوز هذا التقليد مع وجود النص ان موضع الضرب في المقعدتين والكتفين خاص.
ومذهبنا ان العمل بالخاص إذا وجد لا بالعام كما نص عليه الشيخ أحمد في الاصول.
وعن بعض العمانيين ان العمل بالعام مع وجود الخاص كجعل الامام تابعا للمأموم.
وقد نص صاحب النيل في كتاب سماه (الورد البسام) ان موضع الضرب المقعدتان أو الكتفان فليحمل على خصوصية عموم النيل.
وفي السؤالات في السؤال التاسع القول اشد من الفعل لان القول يعد والقائل اي يقلد فيه والفعل لا يعدوه إلى غيره.
قال الخطاب في شرح الورقات انما يقلده في الفتوى ولا يقلده في الافعال فلو راى الجاهل العالم يفعل فعلا لم يجز له تقليده فيه حتى يسأله إذ لعله فعله لامر لم يظهر للمقلد.
واما ما في الكشاف من لفظ الجلد بال بعد الكلام على جلد الزنى فلا دليل فيه لان الصحيح كما قال الشيخ احمد في الاصول لان (ال) تحمل على العهد قال في الجلد في كلام الكشاف للعهد وجعل قول من قال تحمل على الجنس الماهي مرجوحا.
واما ما ذكر بعضهم من ان الصبيان بعمان يتغالبون بالكتابة وبضرب الغالب المغلوب على رجله ويسمى ذلك بالمصع فلا دليل فيه على جواز ضرب الادب أو الحد على الرجلين لان تضاربهم على ذلك لا يجوز فلا يتركون إليه بل يجب نهيهم إذ لم يصدر من المغلوب شيء مما ذكر في الكتب انه يوجب الادب ولم نر في كتاب موافق ولا مخالف ان التفاوت بحسن الكتابة يوجب تادب المفوت بل ذلك شبيه بالتجسس وذريعة إلى البغضاء والتحاقد لمكان الضرب على شيء كلف عليه على نحو التعنت وبحث عنه بينا طفل في امنه دعى النضال بالكتابة على شرطة ان يضرب ان غلب فذلك لا يجوز ولو كان الضرب على الكتف أو المقعدتين.
ومن اجاز ذلك فقد سها سهولا لا يتبع عليه وإذا لم يجز لم يصح القياس عليه بل لو جاز ذلك وثبت انه تأجيب فلاحظ للصبي في التأديب لغيره ولم أجد النص في ما بيدي من كتب المذهب على جواز الضرب في الرجل أو القدم.
ووجدته في الفوائد الجميلة على الآيات الجليلة الشوكاني وهو مالكي وانما ذكرته لك تتميما لقولي اني لم اجده في كتب المذهب لا لتعمل به.
ومن ترك العمل بقول اصحابنا وعمل بقول المخالفين حشره الله معهم ان كان ذلك منهم اهانة باصحابنا أو لغرض دنيوي كالانتصار للنفس ونص الشوتاني ان صفة الضرب للطفل لا خفيف ولا شديد وان بعضا صحح انه يختلف بحال الصبي فصبي لا يمتثل الا بالشديد وبعض يمتثل بالخفيف وبعض بالزجر والشتم فلا يضرب ويضرب على ترك الصلاة بسوط رطب لين عريض فوق الظهر أو باطن القدمين مجردين قال وهل غير الصلاة كذلك فانظره وانه يضرب على الصلاة واللوح والشتم والكذب والهرب من المكتب وعقوق الوالدين ومخالطة أقران السوء وغير ذلك من المظالم وان زمان الضرب عند ابن القاسم عشر سنين وعند اشهب سبع وهذا في الصلاة وانه لا حد للضرب بل موكول لاجتهاد المعلم.
وقال الزناتي: يحد بثلاث ضربات في الصلاة.
وقال الفاسي: ان جاوز ثلاث ضربات في ظاهر القدمين اقتص منه.
ويضرب على الوجه خمس ضربات وعلى الشتم سبعا وعلى الهروب من المكتب عشرا.
وقال ابن ابي زيد: يجوز للمعلم ضربه عشرا على البطالة وعلى القراءة ثلاثا وان جاوز ضمن وان جاوز الزوج في ضرب زوجته عن عشر ضمن.
وقال اشهب يقتص على السب بسبع وعلى الهروب بعشر وعلى الحفظ بثلاث ولا يكون الضرب الا اسفل القدمين لا في الظهر ولا في البطن ولا شيء فيما تولد عن الضرب الجائز وفي غير الجائز الضمان والله اعلم.
ومذهبنا انه لا ضمان في تسع عشرة ضربة وما دونها في الادب على ما مر الا ان ضرب بما لا يجوز به الضرب أو في غير موضع الضرب وان الصبي يؤدب إذا تمت له ست سنين ويضرب على الصلاة إذ بلغ ثلاث عشرة وفيه غير ذلك ومن لم يسكن بضرب وجب عليه ضرب في بدنه مطلقا بلا تخصيص موضع دون اخر حتى ينقاد الا ان ارادوا ضربه في الرجلين ونحوهما مما لا يجوز الضرب فيه ولم يكن فان ضربه في الرجلين يضمن ومن ضربه ليسكن يضمن وذلك لان ضربه في الرجلين معصية لا يعان عليها او كذبا غير الرجلين مما لا يجوز الضرب فيه حكمه حكم الرجلين.
الثالث عشر يعمل الحاكم أو الجماعة السوط ونحوه من جلد الثور وهو رطب ويصلح وطوله على ما يرون وعرضه قدر ثلاثة اصابع وقيل اربعة ويدور ولا تجمع اطرافه بل يترك كذلك حتى يدار ولا يقطع فيصير شراكا مفترقة ثم يجمع بينهما ويعملون من السياط ما يصلح لهم وتنشر في الشمس حتى تجف ولا يحرقون رؤوسها ويشترون ذلك من بيت المال ان كان والا فمن موقوف على اخراج الحق والا فمن اموالهم وان لم يشتروا ولم يكن عند الحاكم فليكلف به من وجب عليه الحق وان عدم ما يضرب برسن مفتول على ثلاثة اشراك والا فيجعل مثلث من الحلفاء المنقوعة المدقوقة وان لم توجد فبجريد فسيل لا رطب ولا يابس وان لم يوجد فبجريد نخل ويقطع غليظه ورقيقه وينزع سعفه ويمسكه الضارب من جهة غلظه.
وقيل: يضرب بغليظه على المقعدتين ورقيقه على الكتفين ولا يضرب بسوط الجنزير ولا برسن مثنى أو مربع أو ذي شراك واحد ولا بمعمول من ليف أو شعر أو صوف ولا بمعقود رأس ولا بشماريخ أو عراجين ولا بقضيب ولا قصب ولا بعصا.
وفي الاثر يعمل السوط من جلد بقر طوله ذراع وشبر وعرضه ثلاثة اصابع.
وقيل: يعمل من جلد الجمل إذا دبغ وان لم يوجد الجلد عمل من جريدة النخل تقطع من الوسط لا من فوق ولا من اسفل ويعمل منها مثل السوط طولا وعرضا ويضرب بها على الاكتاف كالسوط وان ارادوا الضرب بها على المقعدتين قطعوها خضراء من الغلظة التي تكون فوق اصل الجريدة. على نحو ما تقدم طولا وعرضا.
ولقد هممت ان اصنف كتابا في الحدود ومواضع الضرب وما به الضرب واسمه رد شبه اللصوص إلى واضحات النصوص.
الرابع عشر في الديوان ان البكر إذا تمسكت برجل ودمها يسيل وقالت انه غلبني فعليه صداقها وتحد لقذفها اياه.
وقيل: لا ما لم تقل وطئني ولا تصدق ثيب حتى تأتي باربعة شهود والا جلدت حد القذف ولم يكن لها صدق وان اتت بهم فلها.
وإذا ادعت امرأة ليست من أهل التهم ان رجلا جعل فيها يده بسوء ضرب النكال وحبس الا ان كانت من أهل الريب.
وان ادعى طفل جميل راهق البلوغ او جاوزه مثل ذلك حبس الرجل.