التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّىٰ تَسْتَأْنِسُواْ وَتُسَلِّمُواْ عَلَىٰ أَهْلِهَا ذٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ
٢٧
-النور

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتاً } وقرئ بكسر الباء لاجل الياء بعدها وكذا فيما ياتي
{ غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا } اما من الاستئناس الذي هو خلاف الاستيحاش لان من يطرق باب غيره لا يدري ايؤذن له ام لا فاذا اذن له استأنس فكأنه قيل: حتى يحصل لكم الاستئناس بان اذن لكم وما لم يؤذن لك فانت في وحشة أو غير باللازم الذي هو الاستئناس عن الملزوم الذي له الاذن وايضا الاستئناس مسبب والاذن سبب واما من استئناس الذي هو الاستعدام والاستكشاف من آنس الشيء إذا ابصره ظاهرا مكشوفا اي حتى تستكشفوا هل يراد دخولكم ام لا واما من الانس ضد الجد اي حتى تتعرفوا هل ثم انسان وهذا ضعيف لانه لا يصدق بما إذا عرف ان في البيت انسانا ولا يستفاد منه حكم هذا ولان ظاهره انه إذا عرف ان فيه انسانا دخل وعلى كل حال فتستأنسوا بوزن تستفعلوا والفه بدل من فاء الكلمة وهي الهمزة ونونه عين الكلمة وسينه لام الكلمة وذلك واضح.
وزعم عياض ان تصريف الفعل يابى ان يكون من انس.
وقرأ ابن عباس وابيّ { حَتَّى تَسْتَأَنِسُوا }.
وعن ابن عباس وابن جبير انما هي حتى تستأذنوا فاخطأ الكاتب فكتب حتى تستانسوا وليس قولهما في الخطأ بشيء وهو باطل لا يعول عليه.
وعن الطبري حتى تستأنسوا حتى تؤنسوا أهل البيت بانفسكم بالتنحنح والاستئذان ونحوه وتؤنسوا نفوسكم بان تعلموا بان قد شعر بكم.
عن ابي ايوب الانصاري قلنا يا رسول الله ما الاستئناس قال: ان يتكلم الرجل بالتسبيحة والتكبيرة والتحميدة أو يتنحنح وإذا اذن له تأنى قدر ما يستحفظ منه.
وعن ابن عباس حتى تتحنحوا أو تنتخموا ولا بد مع ذلك كله من الاذن والا لم يدخل.
وبيت الانسان هو الذي لا احد معه فيه سواء ان كان ملكا له ام لا أو البيت الذي فيه زوجته او امته وما عدا ذلك فهو غير بيته ولا يدخل الاجير والمعين الا باذن.
وقيل: ان تكرر الدخول استأذنوا مرة واحدة.
{ وَتُسِلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا } هذه الواو عطف السابق على اللاحق فان التسليم متقدم على الاستئذان سواء ان كان الاستئذان ان يضرب الباب أو بالتكلم ويدل على تقدمه احاديث تأتي ان شاء الله وهو الصحيح وظاهر كلام الشيخ هود ان تقدمه قول لبعضهم.
واعلم ان التسليم في البيوت واجب كما نصت الآية على ان الدخول حرام حتى يكون الاستئذان والتسليم جميعا وعند الملاقاة سنة مستحبة وقيل واجبه قولان ذكرهما في التاج.
من انكر الاستئذان أو التسليم في البيوت اشرك.
وفي التاج من ترك السلام في البيوت تهاونا هلك وفيه وفيه.
ويروى لا تأذنوا لمن لم يسلم وعصى داخل بلا تسليم ولولا وجوبه ما حكم على تاركه بالعصيان وهو ظاهر الآية فان النهي في التحريم على الصحيح وهو مذهبنا ما لم تصرفة قرينة وقول صاحب التسهيل في الآية انه لا ينتهي إلى الوجوب باطل لا يجوز الاخذ به لمخالفته ظاهر الآية والاحاديث بلا دليل ولعله اراد لا ينتهي إلى الوجوب الذي انتهى إليه الاستئذان بل إلى وجوب دون وجوبه.
ومن دخل باستئذان دون تسليم وجب رده ونهيه رواه أبو داود الترمذي عن كلدة بن حنبل الغساني انه قال
" بعثني صفوان بن أُمية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بلبن وجداية وضغايس والنبي صلى الله عليه وسلم بأعلى مكة ودخلت ولم أسلم فقال: ارجع وقل السلام عليكم" وذلك بعد ما اسلم صفوان والضغايس صغار القثاء والجداية الصغير من الظبا ذكرا كان أو انثى ويستحب السلام في بيت نفسه ثم رأيت ان الاكثرين يقولون بتقديم السلام على الاستئذان.
وقال بعض متأخر عنه يقول ادخل السلام عليكم والصحيح الاول يقول السلام عليكم أو ادخلوا.
وفي التاج لا يدخل حتى يسلم ويردوا له الجواب ثم يطلب الدخول.
واعلم انه يسلم مرة ويقول ادخل ثلاث مرات.
قيل: بين كل واحدة والأخرى قدر ما يتوضأ ويصلي ركعتين وقيل قدر ما يصليهما.
اتى ابو موسى الاشعري باب عمر رضي الله عنه وقال السلام عليكم ادخل قالها ثلاثا ثم رجع وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"الاستئذان ثلاث وان لم يؤذن له رجع"
وروي انه لما رجع ارسل إليه عمر فجاء فذكر الحديث فقال له عمر: والله لتاتيني على ذلك بينة والا عاقبتك فجاء مجلسا للانصار كأنه مدعو فجاء بطلحة فشهد له.
وقيل: قال له ابيّ: فوالله لا يقوم معك الا اصغر القوم وكنت اصغرهم فقمت واخبرت عمر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك الاول اعلام والثاني مؤامرة والثالث اذن أو رجوع وكذا.
قال الحسن: الاول الملام، والثاني مؤامرة، والثالث إذن أو رجوع.
وقيل: يعيد السلام في الثانية والثالثة ايضا ودخل أحمد بن حنبل على النبي صلى الله عليه وسلم ولم يستأذن فقال له:
"ارجع وقل السلام عليكم أدخل"
"واستأذن رجل من بني عامر على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ألجو فقال لامرأة يقال لها روضة قومي إلى هذا فعلميه انه لا يحسن أن يستأذن قولي له: يقول السلام عليكم ادخل وسمع الرجل قوله لها فقال: ذلك فقال. له: أدخل" .
وفي رواية قال لخادمه: "اخرج إلى هذا فعلمه الاستئذان" .
فقال ابن مسعود: حتى نسلم على أهلها ونستاذنه وكذا كتبه في مصحف.
وجاء زيد بن اسلم إلى ابن عم له فقال: أألج؟ عليكم قال ما الج قل السلام عليكم أادخل؟
وقيل: إذا وقع بصره على انسان قدم السلام والاّ قدم الاستئذان.
قال بعضهم: كنا ونحن نطلب الحديث إذا جئنا إلى باب الفقه فاستأذن رجل منا مرتين فلم يؤذن له تقدم آخر فاستأذن مرتين مخافة ان يستئذن الرجل منا ثلاثا فلا يؤذن له ثم يؤذن لغيره فلا يستطيع الدخول لانه لم يؤذن له وقد اذن لغيره.
وعنه صلى الله عليه وسلم:
"لا تأذن المرأة في بيت زوجها وهو شاهد إِلا باذنه"
وقال الرجل: " يا رسول الله استئذن على أبي فسكت ثم قال: استئذن على امي فسكت ثم عاد عليه فقال أَتحب أَن تراها عريانة؟ قال لا: قال فاستئذن عليها" .
ويستأذن الرجل على اخواته وعلى كل امرأة الا امرأته.
واستأذن عمر على قوم فاذنوا له فقال: ومن معي قيل ومن معك فدخلوا.
والاستئناس في دار فيها بيوت مسكونة واما الحوانيت فاذا اوضع اهلها امتعتهم وفتحوا الباب وقالوا للناس هلموا فلا اذن فيها.
وعن ابن عمر إذا استاذن في بيوت النجار فقيل ادخل بسلام لم يدخل لقولهم ادخل بسلام وكان صلى الله عليه وسلم إذا اتى باب قوم لم يستقبله قيل يقف من الجانب الايمن أو الايسر ويقول: السلام عليكم وذلك ان الدور لم يكن عليها يومئذ ابواب ساتره.
وفي موطأ مالك يستأذن الرجل على امه ولو كان معها في البيت رواه حديثا وكانت الجاهلية إذا دخلوا بيتا غير بيوتهم قالوا حييتم صباحا وحييتم مساء ثم يدخل فربما اصاب الرجل مع امرأته في لحاف واحد.
وروى الطبري ان امرأة من الانصار قالت: يا رسول الله اني اكون في منزلي على حال لا احب ان يراني عليها لا والد ولا ولد وانه لا يزال يدخل عليّ رجل من أهلي وانا على تلك الحال فنزلت الآية.
قال جارالله: كم من باب من ابواب الدين هو عند الناس والشريعة منسوخة قد تركوا العمل به وباب الاسئتذان من ذلك فبينما انت في بيتك اذ وعت عليك الباب بواحد من غير استئذان ولا تحية من تحيات الاسلام ولا جاهلية وهو سمع ما انزل الله فيه وما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن اين الاذن الواعية.
واقول ان من ذلك مجاوزة التبين.
قيل: الاذن وفي الوقوف بينهما قيل الاذن خلاف.
"وقال رجل يا رسول الله استأذن على أُمي قال: نعم قال: لا خادم لها غيري استأذن عليها كلما دخلت قال اتحب ان تراها عريانة قال لا. قال: فاستأذن فاستأذن" { ذَلِكُم } المذكور من الاستئناس والتسليم * { خَيْرٌ لَّكُمْ } من الدخول بغتة أو بتحية الجاهلية ومعنى كون ذلك خيرا من الدخول بغتة أو بتحية الجاهلية انه الحق بالطبع واستر فالمعنى ان ذلك المفروض عليكم من الاستئناس والتسليم خير مما كنتم عليه أو المعنى ذلك خير بفتح الخاء وتشديد الياء مكسورة وغيره شيء لكم فعلى هذا الثاني يكون خيرا خارجا عن معنى التفضيل ويجوز ان يكون خبرا غير وصف اصلا فالمعنى ان ذلكم منفعة لكم فغيره مضرة.
ويسمى الدخول بغير اذن الدمور من الدمار وهو الهلاك كأن صاحبه دامر لعظم ما ارتكب.
وفي الحديث
"من سبقت عينه استئذانه فقد دمر" أي هلك.
وقد عد بعضهم الدخول بغير اذن كبيرة وعده بعضهم صغيرة وهذا منه بناء على جواز ظهور الصغيرة.
ومشهور المذهب عندنا انه ذنب لا يدري صغيرة أو كبيرة وإذا دخل احد بلا اذن وجب نهيه فان اصر تبين لنا انه فعل كبيرة وهي اصراره وكذا عند من قال انه صغيرة ومن في بيته متجردات يتحدثن مع اهله فله ان يدخل بلا اذن لان البيت والمرأة له والمأمور به ان يسلم أو يذكر الله أو يفعل شيئا يعرفن به حضوره ويتأنى قدر ما يستترن وتدخل بيوت أهل الذمة بعد استئناس الاسلام.
وفي التاج ان للسيد ان يدخل بيت عبده ان كان فيه وحده بلا اذن لا ان كانت له زوجة فيه ولا على امته إذا كان لها زوج ولا يدخل على امته حينئذ حتى يكون ما يعرفان دخوله به.
ومن ترك الاستئذان تهاونا كفر وان لم يكن تهاونا فلا يكفر الا ان اصر.
وقيل: لا يسعه تركه ولو جهلا وان كان في دار المساكن استأذن على عليها وباب الذي يريد دخوله فان كان على المساكن ستور فله المرور بابها بلا اذن ويجوز دخول خانات الطرق لحر أو برد أو غيرهما.
قال الخراساني: الدخول بغير اذن ليس بكبيرة ولا صغيرة فان كان وليا وقف عنه حتى يستتاب فان مات قيل ولو فيما دخله وقف عنه لعله ندم حين دخل قلت وذلك مذهب المشارقة في الاثبات الانتقال من الولاية إلى الوقوف ومذهب المغاربة مع ذلك فهو عندهم باق على ولايته.
قال: ومن دخل على غير محرمته بلا اذن ولم يتب بعد استتابة فلا ولاية له وهدر قيل دم من دخل بدونه عمدا وقيل لا يضرب حتى يعلم حاله ولعله ملتجئ أو سكران أو غيرهما.
وجاز قيل ضربه إذا علم انه متعد ويندب لمن سكن مع محارمه ان يفعل ما يعرف به ويدخل بيت ان سرق أو احترق أو هدم أو غرق أو فيه منكر بعلم أو تحققت تهمتهم أو مصيبة وبيت الحاكم والمستغيث بلا استئناس وعلى امرأة يضربها زوجها ان استغاثت بالله وبالمسلمين لان صرخت بغير استغاثة والعرس والمأثم.
{ لَعَلَّكُمْ تَذَكَرُونَ } اي انزل عيلكم هذا وقيل: لكم هذا لتتعظوا وتعلموا الاصلح لكم.