التفاسير

< >
عرض

قُلْ لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ ذٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ
٣٠
-النور

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ قُلْ لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُم } الجمهور على ان الجزم في الآية في جواب (قل) بشرط مقدر بعد الطلب.
وقال الخليل وسيبويه بنفس فعل الامر.
وقال السيرافي: بفعل الامر نائبا مناب الشرط مقدر.
وقال الكسائي: مجزوم بلام الامر محذوفة.
وقال المبرد: مجزوم في جواب أمر محذوف اي قل لهم غضوا يغضوا.
وقيل: مبني.
وعنه صلى الله عليه وسلم
"إذا لم يشن امروء إِلا بما عمل فقد سعد" { ذَلِكَ أَزْكَى لَهُم } اطهر وانفع لما فيه من البعد عن الريبة والاشارة إلى ما ذكر من غض البصر وحفظ الفرج * { إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ } بالابصار والفروج وغيرها من حركة وسكون واعتقاد فيجازيهم (ويظل الله الرجل الذي دعته امراة حسناء فقال: اني اخاف الله في ظل العرش يوم لا ظل الا ظله) وكذا المرأة التي دعاها رجل كذلك فقالت: ذلك.
وكان فتى من الزهاد في الكوفة يخرج إلى المسجد فهوته جارية من العرب ولما اشتد ما بها رصدته فقالت: يا فتى سالتك بمن ترجو انشدتك الا توقفت عليّ قليلا وسمعت كلامي فارتعد وقيل: نكلي وامضي فهذا موقف التهمة ويحك ما كلام النساء للرجال الذي ليسوا لهن بمحارم.
فقالت: والله ما حملني على ذلك جرأة تقدمت مني على كلام الرجال غير ان المقادير تسوق العباد إلى مثل هذا وحملني على لقائك بنفس انكم معاشر النساك امثال القوارير يرى أدنى شيء يعيبه وجملة ما اكلمك به اني قد اصبحت وقلبي فارغ من احوال الدنيا كلها الا منك الله في امري واني اسال الذي بيده مفاتيح قلبك ان يسهل ما عسر من امرك والسلام.
فلما سمع كلامها تغير واطلق ثم قال: اف لشيطان علمك هذا الكلام والله لأكيدنه فيك ثم انصرف إلى مسجده فقدم إليه فطوره فقال: لا حاجة لي فيه وعرضت له وساوس من امرها فدعا صبحه بدواة وقرطاس وكتب بسم الله الرحمن الرحيم اما بعد يا جارية انك تدعينني إلى المعاصي كانما لي ولك جُنة من عذاب الله تعالى اعلمي ان الله تعالى إذا عصي ستر وحلم فاذا عاد العبد إلى المعصية عاد الله في ستره وحلمه فاذا اتخذها شعارا وجعلها دثارا غضب الله عليه غضبا لا يقوم لغضبه السماوات والارضون وما فيهن وما عليهن.
يا جارية ان يكن ما ذكرت باطلا فاني احذرك يوم الطامة والصاخة والواقعة يوم تكون السماء كالمهل وتجثوا الملائكة على الركب لصولة الجبار.
وتصير الكتب بالايمان والشمائل فالسعيد يومئذ من قدم عملا يكون انسا له في وحدته واخا مساعدا له في وحشته وان يكن ما ذكرت حقا فاني ادلك على الطبيب الشفيق الرفيق الذي يداوي مثلك فعليك بصدق المسألة وحقيقة الاستكانة لعله يكشف عنك ما ذكرت فاني متشاغل عنك بقوله تعالى
{ وانذرهم يوم الآزفة } الآية ثم طوى الكتاب وخرج فاذا هي جالسة فرماه في حجرها فاخذته مسرورة به ورجع هو إلى منزله فاقام فيه اياما لا يخرج إلى مسجده فقال بعد ايام والله لاخرجن فلعلها قد انقطعت فنظر إليها جالسة فهم بالرجوع فنادته يا فتى سألتك بالله الا ما وقفت عليّ اكلمك فهذا آخر يوم اكلمك الا بين يدي الله تعالى وقالت قد فهمت ما خوفتني به والله اني لكذلك واعلم يا فتى انه كلما طالت المدة عظم البلاء، فعظني فوالله لاقطعن حنجرة طمعي فيك باليأس ولأنفضن كفي منك بالافلاس فقال لها: يا جارية احذرك من نفسك لنفسك وفكيها من حبسك ثم ذهب ليولي فتعلقت به فقال لها: ما وراءك؟ فقالت: تحفظ عني هذه الابيات.

* لا أنس ما أنس منه يوم موقفة اذ جئت انبئه جهدي وبلواي*
وقد نشرت له صحفي فغض لها منه الجفون ولم ينصت لشكواي*
*وطرفه خاشع من خوف سيده يا حسنه خاشعا من حسن مولاي*
*لألبسنّ لهذا الدهر مدرعة واهجرن هواي خوف عقباي*
*ولا ابوح بما قد كنت تكرهه ولا اذعت وان حققت مغناي*

فانصرفت إلى منزلها راكعة ساجدة صائمة قائمة وإذا غلبها امره دعت بكتابه ووضعته على عينيها فقال لها وما يغني عنك هذا وتقول هل دواء غيره.
وكانت إذا جن عليها الليل نادت.

يا وارث الارض هب لي منك مغفرة قد كدت افعل فعل الماجن الزاني
وانظر إلى قلقي يا مشتكي حزني بنظرة منك تجلو كل احزاني

ولم تزل كذلك حتى فارقت الدنيا فبلغ الفتى وفاتها فحزن عليها واخبر والدته وقالت: يا بني هلا اخبرتني باول حديثها فازوجك بها فقال اليك عني يا أماه والله لقد وهبتها لله تعالى عند أول نظرة نظرت اليها فكنت استحي ان ارجع في شيء وهبته له فلبث الفتى كذلك مدة والجارية ما تختلج بقلبه ثم انه رآها في المنام وعليها ثياب بيض قال:
ما فعل الله بك؟ قالت: غفر لي بثلاث دعوات كنت اقولهن دبر كل صلاة وهي اللهم اني اعوذ بك من دنيا تمنع خير الآخرة واعوذ بك من علم يمنع خير العمل واعوذ بك من حياة تمنع خير الممات فقال لها هل تذكرينني قالت والله اني لكثيرة الذكر لك وقد سألت ربي عز وجل ان يجمع بيني وبينك في الآخرة فما لبث الا اياما حتى لحقها.
واحب فتى من المتعبدين جارية في حبه فبعث إليها يا هذه انك وقعت من قلبي موقعا شغلتني به عن كثير مما كنت احبه من طاعة الله عز وجل وذكر الآخرة فكيف السبيل إلى الاتصال بك؟ فارسلت إليه اما كان في طاعة الله تعالى وذكر الآخرة ما يشغلك عن التمسك بحبائل النساء فاستحيى حياء شديدا وقال المعذرة إلى الله فيما صنعت وندم.