التفاسير

< >
عرض

وَلْيَسْتَعْفِفِ ٱلَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّىٰ يُغْنِيَهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَٱلَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُمْ مِّن مَّالِ ٱللَّهِ ٱلَّذِيۤ آتَاكُمْ وَلاَ تُكْرِهُواْ فَتَيَاتِكُمْ عَلَى ٱلْبِغَآءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِّتَبْتَغُواْ عَرَضَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَمَن يُكْرِههُنَّ فَإِنَّ ٱللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
٣٣
-النور

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ وَلْيَسْتَعْفِفِ } وليجتد في العفة وجمع الشهوة فالسين والتاء للتأكيد ويجوز كونها للطلب فان المستعفف يطلب من نفسه بالعفاف ويحملها عليه.
{ الَّذِينَ لاَ يَجُدُونَ نِكَاحاً } لعدم ما يتوصلون اليه به من مهر ونفقة ويجوز ان يراد بالنكاح ما به النكاح من المال أي وليستعففوا عن الزنا ومقدماته * { حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ } في هذا ترجية لهم تربط على قلوبهم ينتظرون الحلال من الجماع مع ما تقدم من الامر بالغض المعين على العفة { وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ } يحبون ويطلبون { الْكِتَابَ } المكاتبة وهي ان يشتروا انفسهم من مواليهم مصدر كاتب بفتح التاء كالقتال * { مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } من عبد او امة { فَكَاتِبُوهُمْ } خبر زيدت فيه الفاء لشبه مبتدأ باسم الشرط في العموم والابهام وكون الذين مفعولا محذوف على الاشتغال ولا لسلامته من الاخبار بالطلب واختار بعضهم الرفع ولو كان الخبر طلبا في مقام العموم مثل هذا والنصب في الخصوص مثل (زيدا اكرمه) ويجوز كون (الذين) مبتدأ محذوف الخبر على حذف مضاف أي ومن المندوب كتاب الذين يبتغون الكتاب فالفاء وما بعدها للاستئناف وسمي بيع السيد لعبده نفسه اعني نفس العبد كتابا بان السيد كتب وعقد على نفسه عتقه بذلك كتب العبد على نفسه الوفاء بالثمن ولانه كتب عليه الثمن والوفاء به وكتب العبد العتق أو لانه مما يكتب لتأجيله في الجملة أو لانه بنجوم يضم بعضها إلى بعض.
والكتب يطلق على الجمع والضم لكن يجوز بلا اجل واجلين وآجال وبالنقد وبالكثير والقليل بعمل معلوم كحفر بئر معلومة الطول والعرض وبناء دار كذلك وغرس اشجار ونخل كذلك ويوصف لقلة الجهالة فيه ووجب الاوسط وبغير ذلك فانه كسائر العقود.
قيل: ولا يجوز على قيمته فان اداها عتق كذا عندنا وعند الحنيفية.
وقالت الشافعية: لا يجوز الا مؤجلا منجما ولا يجوز عنده بنجم واحد لانه لا يملك شيئا فعقده حالا يمنع من حصول الغرض لانه لا يقدر على اداء البدل عاجلا والمكاتب عندنا حر.
وقال غيرنا عبد ما دام عليه درهم والكتابة عندنا ندبا هذا وهذا الامر للندب وكذا عند المالكية وهو مذهب الحسن والعامة لانه كسائر العقود ولا يجب على احد باخراج ملكه.
وقال عمر رضي الله عنه وابن سيرين وداود: الكتاب فرض ان علم فيهم خير وابتغوا الكتاب على القيمة أو أكثر وان ابتغوه على أقل لم يجب وهو قول عطا ايضا وعمر وابن دينار.
روي ان عبدالله سأل مولاه الكتاب فابى فشكاه بعض إلى عمر فدعاه فامر بالكتاب فابى فضربه بالدرة وتلا { فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرَاً } فكاتبه.
واحتج من قال: تجوز الكتابة الحالة باطلاق الآية ومدعي التقييد لا يتبع الا بدليل والاصل حمل المطلق على اطلاقه فيعم الا بدليل والكتابة مبنية على الرفق المندوب لا على رفق واجب كما امر صلى الله عليه وسلم ان يكون
"سمحا إذا باع سمحا إذا اشترى" وكما يجوز البيع العاجل ومتى شاء البائع طلب المشتري الا في حال اساره.
كذلك تجوز الكتابة العاجلة متى شاء طلبه بشيء يمكن وجوده عنده ولا يقاس على السَّلَم فانه ورد فيه النص على الآجل وحجة من قال انه عبد ما بقي عليه درهم ما زعمه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
"المكاتب عبد ما بقي عليه درهم" والصحيح انه حر ولو لم يؤد ولو حبة شعير وانما ولد بعد الكتاب حر وما ولد قبله عبد الا ان ادخله مولاه الكتاب وولاء لمكاتبه.
والمكاتبة لا توطى بل يجدد نكاحها ان شاءت والخير الصلاح في امر الدين عندنا وهو قول ابي عبيده السلماني.
وقيل: الامانة والقدرة على المال بالاحتراف وهو قول ابن عباس وكان يكره ان يكاتبه وليس عنده حرفة أو عمل وعليه الشافعي ومالك وعن ابن عمرو ومالك والثوري الخير القوة على الكسب وقيل المال.
وكان لسلمان عبد ابتغى الكتابة فقال له سلمان عندك مال؟ قال: لا قال: افتامرني ان آكل غسالة ايدي الناس ولم يكاتبه ويعني بالغسالة الزكاة.
وعن بعضهم لو اراد المال لقال ان علمتم لهم خيرا ولما شرط لانه لا يلزم من عدمه عدم الجواز.
وقيل: الخير الصدق والامانة.
وقيل: الخير البلوغ والعقل والصبي والمجنون لا تصح كتابتهما لان الابتغاء منهم لا يصح ولا عقد لهما في الشيء الكثير.
وجوز أبو حنيفة كتابة الصبي والمراهق وفي المراهق عندنا خلاف.
{ وَآتُوهم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ } الخطاب للسادة أو للسادت أو غيرهم ان يعطوا من زكاة مالهم لمن كاتبوه وهو حر ياخذ الزكاة ولو في غير متولي لتبرأ ذمته هذا مذهبنا ولكن هذا الامر للندب وقيل: للوجوب وقيل: الخطاب للسادات فقط وقيل: المراد بالمال مطلق المال لا الزكاة وان الخطاب عام قال صلى الله عليه وسلم
"ثلاثة إِعانتهم حق المكاتب والمتزوج يريد العفاف والمجاهد في سبيل الله" وان قلت: كيف يصح ان تعطي زكاة مالك لمكاتبك ثم يردها اليك؟ قلت: ذلك مثل من اعطى صدقة ماله احدا ثم رد ماله لدين له عليه وكمن اعطاها لفقير ثم اشتراها منه أو ورثها أو وهبت له كل ذلك جائز إذا انتفى السوء من القلب.
وكما قال صلى الله عليه وسلم: في حديث بريرة
"هو لها صدقة ولنا هدية"
فقال عثمان وعلي والزبير وجماعة الشافعي: الخطاب للموالي ان يعطوا من مال الكتابة شيئا وجوبا فقيل يحط الربع ورواه بعضهم مرفوعا.
وقال ابن عباس: يحط الثلث.
وقال الشافعي: عليه ان يحط ما شاء بلا حد ويجبر على ذلك.
وكذا قال مالك لكن لم يوجب الحط واستحسن على ان يوضع عنه الربع.
وقيل: يحط عنه الثلث ندبا.
وقيل: يحط العشر والحط من أول نجومه أولى عند عمرو مبالغة إلى الخير ومخافة ان لا يدرك الوسط والآخر وراء ومالك وغيره ان الوضع من آخرها اولى لانه ربما عجز عن الاداء فيرجع هو وماله للسيد فيعود إليه وضيعته ان وضع قبل الآخر واستظهروا ان لا حرج في رجوعها وقبضها وذلك بناء على انه عبد ما بقى درهم وهو غير مذهبنا كما علمت.
قال نافع: كاتب عبدالله بن عمرو غلاما له على خمسة وثلاثين ألف درهم فوضع من آخر كتابته خمسة آلاف درهم.
قال ابن جبير: كأنه لم يضع من أول نجومه مخافة ان ترجع إليه صدقته.
واختلف من قال انه عبد ما بقي درهم ان مات قبل اداء النجوم فقال اكثرهم: مات رقيقا مطلقا وهو قول عمر وابنه وزيد بن ثابت وعمر بن عبدالعزيز والزهري وقتاده والشافعي واحمد.
وقال عطاء وطاووس والنخعي والحسن ومالك والثوري واصحاب الرأي: ان ترك وفاء ما بقي عليه من مال مات حرا وما فضل لاولاده الاحرار.
وسبب نزول الآية ان غلاما لحويطب بن عبدالعزيز يسمى صبيحا سأل مولاه ان يكاتبه فابى فنزلت فكاتبه حويطب على مائة دينار واوضع عنه عشرين دينار أو ادى الباقي وقتل يوم حنين في الحرب ونسب وجوب الوضع للاكثر.
وقيل: المراد بالايتاء الانفاق عليهم بعد ان يؤدوا استحبابا.
وقيل: المراد الاسلاف لهم.
وكاتب عمر عبدا له يكنى ابا امية وهو أول مكاتب في الاسلام فاتاه باول نجم فدفعه إليه عمر فقال: استعن به على مكاتبتك فقال لو اخرته إلى آخر نجم.
فقال: اخاف ان لا ادرك ذلك.
فصل
قال في التاج: المكاتب عندنا حر حين كوتب والثمن عليه ولو ضعف بيعه وان اعطاه المكاتب شيئا قبل الاجل بطيب نفسه حل له اخذه خلافا لابن محبوب وان اعين المكاتب ففضل بيده شيء جعله في مكاتب آخر ومن اجبر مكاتبته على وطء فعليه العقر وفي الحد خلاف.
ومن كوتب على ثمن معين وخدمه سنة فان اوقع المكاتب له البيع بعد انقضائها بهما بمعنى انه إذا انقضت وقع فهو ضعيف وان اوقعه في وقته على ان يخدمه سنة ثبت البيع والاستخدام على وجه العبودية ومعناه انه لا يملك رايه في السنة.
ومن قال لعبده: بعت لك نفسك فقبل ولم يذكرا ثمنا ولا حدا.
قال ابو الحواري: يسعى له بقيمة وعتق.
ومن كاتب عبده وله ام ولد وولد ومال فهم عبيد الا ان اشترطهم والمال للمكاتب الا ان يشترطه السيد أو خفي عنه فللسيد ولا تثبت المكاتبة على وصيف غير معين الا ان يتفقا على شيء والا عتق بقيمته عليه.
وان كاتب مريض عبده أجيز له الثلث ويسعى بالباقي وان شرطت عليه الرجوع إلى الرق إذا عجز عن الاداء لم يجده.
وإذا ايسر عبد وقد عرض عليه مولاه المكاتبة لم تسعه الاقامة على العبودية الا ان اخاف الحمل على الناس وان مات وترك مالا فهو لوارثه بعد اداء ما عليه.
وقيل: مال المكاتب العتيق لمولاهما.
وقيل: الظاهر لهما ان يستثينه وعليه الاكثر ولا نحب للسيد منع المكاتبة من عبده إذا طلبها وحصل له ثمنها وبعض حثه عليها وبعض حكم عليه بها وجاز ان يعطى دراهم يشتري بها نفسه.
وان قبل المكاتبة تكون عطية له دون سيده.
وقيل: توقف إلى عتقه فتكون له.
وان اقرضه رجل دراهم فاشترى بها نفسه ادركها عليه.
وإذا قال له: بعت لك نفسك بكذا عتق وان لم يرض لانه لا يجوز له ان لا يرضى.
واختير الجواز مكاتبة الوصي لعبد اليتيم.
ومن قال لعبدة: ادلي كل شهر خمسة دراهم وانت عتيق عتق وعليه ذلك ما عاش. ويعطي من الصدقة ومن بيت المال لانه حر ولا نفقة له على مكاتبه.
ومن وطء مكاتبته على علم فانه زنى ولا عليها حد إذا لم تعلم انه زنى.
ولا تجوز المكاتبة بمحرم كخمر وقيل ان اداه عتق وعليه قيمة نفسه.
وان كاتب الذمي عبد على خمر جاز ذلك ولا يحكم للمولى الا بقيمة الخمر.
وثبتت المكاتبة من عبد صغير يعقل بشرط القيمة آجلة أو مؤجلة أو نجوما والله اعلم.
{ وَلاَ تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ } ايماءكم جمع فتاة وقول السيد فتاي وفتاتي أولى من قوله عبدي وامتي؛ وقوله صلى الله عليه وسلم:
"ليقل أَحدكم فتاي وفتاتي ولا يقل عبدي وامتي" على جهة الندب بدليل قوله تعالى { عبادكم واماءكم } { عَلَى البِغَآءِ } الزنى * { إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً } تعففا عن الزنى شرط للنهي لانه لا يلزم من عدم التحصن جواز الاكراه لارتفاع النبي بامتناع الاكراه منهم أو شرط للاكراه فان الاكراه لا يمكن الا مع ارادة التحصن.
واما التي تريد الزنى فامرها لا يسمى امره لها اكراها فالفتاة إذا ارادت التحصن تصور ان يكون السيد مكرها ويمكن ان ينهى عن الاكراه وإذا لم ترد التحصن فلا يمكن ان يقال للسيد لا تكرهها لان الاكراه لا يتصور فيها وهي تريد التحصن فلا مفهوم للشرط فلا يقال ان الآية تفيد انهن ان لم يردن التحصن جاز اكراههن لان هذا كما علمت غير ممكن عقلا لان الاكراه لا بقاء له عند عدم ارادة التحصن بل هو مضمحل.
هذا ما كان يظهر لي قبل التفكر ثم رأيته منصوصا عليه ولنا ان نسلم ان الآية تدل على انتفاء حرمة الاكراه عند انتفاء ارادة التحصن بحسب الظاهر نظرا إلى مفهوم المخالفة لكن الاجماع القاطع عارضه والنص على ان الزنى حرام مطاوعة أو اكراها يدفع بالقاطع والنص هذا وجه ثالث.
ولنا رابع هو ان لا نسلم ان التعليق بالشرط يقتضي انتفاء المعلق عند انتفائه لكن هذا انما هو على مذهب من لم يقل بالمفهوم كالحنيفية.
وان قلت انتفاء الشرط يوجب انتفاء المشروط لانه عبارة عما يتوقف عليه وجود الشيء؟ قلت: هذا في غاية السقوط لانه غلط نشأ من اشتراك اللفظ لانا لا نسلم ان الشرط النحوي هو ما يتوقف عليه وجود الشيء بل هو المذكور بعد نحو ان معلقا عليه حصول مضمون جملة اي حكم بانه يحصل مضمون تلك الجملة عند حصوله وكلاهما منقول عن معناهما اللغوي.
يقال: (شرط عليه كذا) إذا جعله علامة الا ترى ان قولنا ان كان هذا انسانا فهو حيوان شرط وجزاء مع ان كونه حيوانا لا يتوقف على كونه انسانا ولا ينتفي بانتفائه بل الامر بالعكس الا ان الشرط النحوي في الغالب ملزوم والجزاء لازم ولا يقال هذا مثال مصنوع فلا يرد نقضا لاننا نقول مثله وارد.
ووجه خامس وهو انه لا خلاف في ان التعليق بالشرط انما يقتضي انتفاء الحكم عند انتفائه إذا لم تظهر للشرط فائدة اخرى وهنا يجوز ان تكون فائدته المبالغة في النهي عن الاكراه اي إذا اردن العفة فالمولى احق بارادتها.
ووجه سادس وهو ان الآية نزلت فيمن تريد التحصن ويكرهها المولى على الزنى فيكون سببها خاصا فيجيء باللفظ طبقا له.
قال جابر: ان عبدالله بن أبيّ يقول لجاريته اذهبي فابغينا شيئا فنزلت الآية.
وفي رواية كانت له جاريتان مسيكة واميمة يكرههما على الزنى بالاجرة فشكتا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت.
وفي رواية لما جاء الاسلام وكانت معاذة ومسيكة يكرههما كذلك قالت معاذة لمسيكة ان هذا الامر الذي نحن فيه ان يك خيرا فقد اكثرنا منه وان كان شرا فقد آن لنا ان نتركه فنزلت.
وفي رواية ان احدى الجاريتين جاءت ببرد والاخرى بدينار فقال لهما: ارجعا فازنيا فقالتا: والله لا نفعل فقد جاء الاسلام وحرم الزنى فشكتاه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت.
وقيل: كانت له ست جوار يكرههن على الزنى وضرب عليهن ضرائب معاذة ومسيكة واميمة وغمرة واروى وفتيلة شكا بعضهن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت.
وكانت عادة اماء الجاهلية يزنين بالاجرة لمواليهن.
وقيل: ان قرشيا اسر ببدر فكان بيد عبدالله المذكور وكانت له جارية من جواريه يراودها القرشي عن نفسه فامتنعت لاسلامها وابن ابيّ يكرهها على ذلك ويضربها رجاء ان تحمل منه فيطلب فداء وله فنزلت.
قال الشيخ هود: فذلك الغرض الذي كان ينبغي.
وقيل: نزلت في شأن رجل يكره امته على الزنى ليكثر ولدها.
ووجه سابع وهو ان ذلك شرط لقوله: { وَأَنِكحُوا الأَيَامَى مِنكُمْ } وان الايامى النساء فقط وما بينهما فاصل.
نكت؛: قيل: ان الاماء كن يزنين بالاجرة لمواليهن برغبة وطوع وانما وجد من معاذة ومسيكة واميمة من كراهية الزنى شاذ.
وإذا قلت: ان سبب نزول الآية ليس خاصا بهن بل انما نزلت الآية ولسن سببا فيها فانما عبر بالماضي على طريقة اظهار الرغبة المتوفرة في ارادتهن التحصن حتى كأن الاماء مطلقا قد أردن التحصن والله اعلم.
{ لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَٰوةِ الدُّنْيَا } وهو ما ياتين به من اجرة الزنى أو ما يفدى به الولد أو كثرة الولد على ما مر والابتغاء الكسب متعلق بنكر هو ولا يقال يدل على جواز الاكراه لا بنية الكسب لاننا نقول: قام الدليل على تحريم الزنى مطلقا فلا يعتبر المفهوم معه ولانهم يكرهونهن للكسب فنهوا عن ذلك الاكراه.
واما الاكراه لغير الكسب فليسوا يفعلونه فلا يفهم من الآية حكمة إذ لم تنزل مطلقة حتى يتعرض فيها لحكم ما لم يفطنوا بل نزلت في مجرد ترك ما يفعلون وايضا إذا حرم الاكراه بالاجرة فاحرى ان يحرم بدونها.
{ وَمَن يُكْرِههُّنَّ } على الزنى { فَإِنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ } اي من بعد اكراهكم اياهن فحذف الضمير العائد إلى اسم الشرط من الجواب وقال الكوفيون باستتار الفاعل في المصدر.
{ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } اي لهن كما قرأ به ابن مسعود.
وقيل: يقرأ بتقديم لهن ويقول { مِن بَعْدَ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }.
وكان الحسن إذا قرأ { غَفُورٌ رَّحِيمٌ } قال: لهن والله لهن والله ويجوز ان يراد غفور رحيم له اي لمن يكرههن او له ولهن وما تقدم اولى بدليل قراءة ابن مسعود ولان الرحمة والغفران يتبادران إلى المكره بفتح الراء لا إلى المكرة بالكسر فظاهر واما في جانب المكره بكسرها وعلى كل حال فالرحمة والغفران مقيدان بالتوبة اما في جانب المكره بالفتح فلأنه بموت الانسان ولا يزني فزناهن بالاكراه ذنب يحتاج المغفرة ولا يغفر الا بالتوبة كما ان زناهن بالطوع كذلك هذا ما يناسب قاعدة المذهب.
وانما الاكراه الذي لا ذنب على من وقع عليه ان تمسك الامة مثلا فيقع عليها رجل.
فافهم كل شيء ولا زعمات جارالله والقاضي في هذا المقام إذ قال انه لا اثم عليها في الزنى إذا اكرهت عليه بالقتل أو ما تخاف منه التلف أو ذهاب العضو من ضرب عنيف أو غيره وانها تأثم ان قصرت عن هذا الحد لكن القاضي لم يصرح بكل ذلك وقال: الاكراه لا ينافي المؤاخذة بالذات ولذا حرم على المكره القتل واوجب عليه القصاص.