التفاسير

< >
عرض

وَٱلَّذِينَ يَرْمُونَ ٱلْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُواْ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ فَٱجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلاَ تَقْبَلُواْ لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ
٤
إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
٥
-النور

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ } بالزنى { المُحْصَنَاتِ } اللاتي احصن انفسهن بالعفاف عن الزنى.
وان قلت ما الدليل على ان المراد بالزنى؟ قلت: الدليل عليه لفظ المحصنات عقب الزواني واشتراط اربعة شهود بان القذف بغير زنى يكفي فيه شاهدان وذكر قذف النساء لاهم وابشع واكثر ولانه سبب النزول وقذف الرجل داخل في حكم الآية بالمعنى والاجماع واما قذف الرجل بانه انثى في دبره فابشع من قذف المرأة فلم يذكر لقلته ولنزول الاية بسبب الذين يقذفون نساء لسن بازواجهم وحكم قذفه مقيس على قذفهن والقذف بالزنى ان يقول الحر البالغ العاقل المحصن أو محصنة يا زاني أو يا زانية أو يا ابن الزاني أو يا ابن الزانية أو يا بنت الزاني أو يا بنت الزانية أو يا ولد الزاني لست لابيك لرشده ويحد قائل ولجماعة يا بني الزواني لكل منهم على المختار.
وقيل: حدا واحدا.
ولا يحد قائل لرجل يا زانية وان قال لامرأة يا زاني فالمختار ان يحد وان قال لها زنى بك فلان فعليه حدان ويحد الوالد ان قذف والده وان قذف الوالد ولده حد.
وقيل: لا؛ واختاره بعضهم.
ولا يحد قاذف غائب حتى يحضر هو أو خليفته ولا قاذف ميت حتى يطلبه وارثه ولا حد زنا في الكناية مثل يا فاسق أو يا فاجر أو يا خبيث أو يا مؤاجر أو يا من لا يرد يد لامس أو امرأتي لا ترد يد لامس إلا ان اقر بارادة الزنا واما التعريض مثل ان يقول اما انا فما زنيت أو ليست امرأتي زانية فليس بقذف على الصحيح وهو قول الشافعي وابي حنيفة.
وقال مالك: يجب الحد.
وقال احمد: يجب ان قال ذلك في حال الغضب والقذف بغير الزنى كالزنى لكن قاذف الزنى لا يبريه الا اربعة وقاذف غيره يبريه اثنان.
وتحد امرأة شهد عليها ثلاثة وزوجها فيما زعم بعض واختير ان يلاعنها ولا تحد وفي حد الثلاثة قولان.
ويحد قاذف اعجم او اصم ان لم بات بمخرج وشروط احصان القذف (الحرية) والبلوغ والعقل والاسلام والعفة.
ولا يحد من قذف محددا وقل يعزر.
واختاروا ان لا حد عليه ولو تاب المحدود عما حد فيه واصلح ولو فعله مرة واحدة في عمره الا ان قذف بغير ما حد فيه.
ولا حد على قاذف المملوك والمدبر أو الذمي.
ولا حد على مملوك قذف حرا أو مملوكا.
وان قذف اليهودي والنصاراني المسلم حد ثمانين عند بعض.
وقيل: لا وان قذف احدا مرارا لشيء واحد فحد واحد وان حد القاذف في قذف المحدود في قذفه فلا حد عليه الا الاول.
وقيل: ان كان عبد جلد اربعين وان كان المقذوف غير محصن فعلى القاذف التعزير.
وفي قاذف طفل أو مجنون قولان من قال لحر يا مولى أو يا ابن الأسردين أو يا كلب أو يا خنزير أو يا منافق أو يا فاجر او يا عدو الله أو لعنة الله أو اخزاه فليعزره الامام على ما يرى من جهل القائل.
وقيل: خمسة اسواط.
وقيل: ذلك من له الامر واكثر التعزير أقل من أقل الحدود ومن مات من عزره الامام فديته من بيت المال وهل يعتق منه أو من ماله قولان وقيل لا دية ولا عتق إذا لم يجاوز ما جاز له.
وعن بعض ومن القذف بغير الزنى أن يقول يا آكل الربى يا شارب الخمر يا يهودي يا مجوسي يا فاسق يا خبيث يا ماص بطن امه وذكر بعض ان من قال ذلك عزر ولا يبلغ به ادنى حد العبيد وهو اربعين بل ينقص منه.
وقال أبو يوسف تجوز ان يبلغ به تسعة وسبعون وقال للامام ان يعزر إلى المائة { ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ } يرون الذكر في الفرج كالميل في المكحلة ولا يكون الزوج واحد من الاربعة عند الشافعي ويكون عند ابي حنيفة وسواء شهدوا مفترقين أو مجتمعين.
وقال أبو حنيفة: ان شهدوا مفترقين فهم قذفة (وشهدا؟) مضاف إليه ممنوع الصرف لألف التأنيث وقرئ بتنوين (اربعة) فيكون شهداء نعته ويكفي اقرار الانسان على نفسه بالزنى ولا يحد الرجوع.
وقيل: يحده عالم شرع في حده.
وقيل: لا يكفي حتى يقر اربع مرات وان شهد عليه اثنان أو ثلاثة بالاقرار فلا يحد.
وقيل: يحد.
وان قال اثنان أو ثلاثة انه زنى يرى منهم وحدوا دونه ولا يحد ولا يبرأ.
وزعم بعض انه يبرأ منه ولا يحد ولا يقبل في الحدود الا أهل الولاية { فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً } قال تاج العلماء الشيخ هود يجلدون بالسوط ضربا بين الضربين ولا يرفع الجلاد يده حتى يرى بياض ابطه ويجلد في ثوبه الذي قذف فيها.
ولا ينزع من ثيابه الا الحشو والفرو.
وروي عن بعض ان اشد الضرب ضرب التعزير ثم ضرب الزاني ثم ضرب شرب الخمر ثم ضرب القاذف لان سبب عقوبته محتمل للصدق والكذب الا انه عوقب صيانة للاعراض وردعا عن هتكها.
وعن بعض ان المقذوف ان كان معروفا بما قذف به فلا حد ولا تعزير وان لم يعرف به عزر وان اضطرب احد الشهود الاربعة جلد الثلاثة.
وذكر بعضهم ان ضرب القذف اخف من ضرب الزنى لضعف سببه واحتماله ولذلك نقص عدده.
وعن بعضهم ان المراد بالمحصنات ازواج الرامين وان الامة منسوخة بآية اللعان الآتية والصحيح غير ذلك فلا نسخ { وَلاَ تَقْبَلُوا لَهُمْ } متعلق بتقبلوا أو بمحذوف حال من قوله { شَهَادَةً } في الزاني ولا في غيره وكذا القذف بغير الزنى * { أَبَداً } ومعنى الابديه الدوام على عدم التوبة فاذا تاب قبلت توبته جلدا ولم يجلد وذلك كما تقول: (لا شهادة الكافر على المسلم ابدا) تريد ما دام كافرا.
وقيل: تقبل اذا تاب وذلك قولنا قول علي بن ابي طالب ومجاهد وابن جبير وابن عباس.
وقال النخعي والشعبي وابن المسيب لا تقبل شهادة القاذف ولو تاب وقال عمر للذين شهدوا على المغيره بن شعبه حين جلدهم من رجع منكم عن شهادته اجزنا شهادته ثم تلا
{ إلا الذين تابوا } }. قيل: بمعنى ان رجوعهم عن الشهادة هو توبتهم.
وقيل: يقوم على رؤوس الناس فيكذب نفسه.
وعن عكرمة عن ابن عباس لم تقبل لابي بكرة شهادة ان لم يرجع عن شهادته.
وقال أبو حنيفة ما شهد به قبل الشروع في حده أو قبل تمام حده بقبل واما بعد التمام فلا تقبل شهادته ولو كان القذف من الابرار الاتقياء وذلك انه جعل جزاء الشرط الذي هو الرمي الجلد ورد الشهادة عقب الجلد على التابيد فكان مردود الشهادة مدة حياته وجعل قوله * { وَأُوْلَئِكَ هُمُ الفْاسِقُونَ } اي الفاعلون لكبير نفاق عظيمة كلاما مستأنفا اخبارا لحال الرامين عند الله وجعل قوله * { إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا } عن القذف * { مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَاصْلَحُوا } عملهم بان استحلوا المقذوف استثناء من الفاسقين اي فان التائبين غير فاسقين ويدل له قوله * { فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } فان المتبادر ان الغفران والرحمة انما هما من الفسق الصادر منهم لا قبول لشهادتهم.
والذي يطابق مذهبنا وهو ايضا مذهب الشافعي ان قوله: (لا تقبلوا لهم شهادة ابدا) وقوله: (وأولئك هم الفاسقون) داخلان في حيز جزاء الشرط وان الابدية مظروفة إلى مدة كونه قاذفا وهي تنتهي بالتوبة.
قيل: الظاهر ان الاستثناء رجع للجمل الثلاث اي اجمعوا لهم الجلد والرد للشهادة والتفسيق الا ان تابوا فلا جلد ولا رد ولا تفسيق وهو صريح في انه ان تاب قبل الجلد لم يجلد وهذا قول ضعيف فإنه لا يجوز للامام أو المقذوف أن يعفو عن القاذف إلا قبل إقامة الشهادة واثبات الحد إلا أن اراد صاحب هذا القول ان من تمام التوبة الاستسلام للحد والاستحلال للمقذوف فلا يلزم اسقاط الحد حينئذ.
وقيل: ان تاب قبل اثبات الحد سقط عنه وينبغي للمقذوف ان لا يراجع القاذف ولا يطالبه بالحد ويحسن من الامام ان يحمل المقذوف على كظم الغيظ ويقول له اعرض عن هذا ودعه لوجه الله فاذا ثبت لم يكن لواحد منهما العفو لانه خالص حق الله ولهذا لم يصح ان يصالح عنه بمال وكذا انواع الحد والادب والتعزير والنكال.
واجاز بعض المالكية المصالحة بمال يعطى لبيت المال ولذلك ايضا لا يورث مع قوله صلى الله عليه وسلم
"الحد لا يورث" وبه قال ابو حنيفة ويورث عند الشافعي.
وان قلت: شهادة الكافر تقبل إذا تاب بعد القذف باتفاق وشهادة القاذف الموحد لا تقبل عند ابي حنيفة ابدا؟ قلت: المسلمون لا يعبأون بسب الكفار لانهم شهروا بعداوتهم والطعن فيهم.
وجعل الشافعي الاستثناء راجعا للجملة الثانية ومحل المستثنى عنده جرّ إبدالا من هاء لهم ويجوز كونه نصبا على الاستثناء.
واما على مذهب ابي حنيفة فالمحل النصب لا غير لانه من موجب وهو الفاسقون.
ومن ارجع الاستثناء الا جلودهم بالمحل النصب لا غير.
وقيل: استثناء منقطع متصل بما بعده.
ورد مذهب أبي حنيفة بان الامر بالحد والنهي عن القبول سيان في وقوعهما جوابا للشرط لا ترتيب بينهما فيترتبان عليه دفعه ولا سيما ان حاله قبل الحد اتمام لسواء مما بعده.
واعلم ان لفظ التوبة شامل للاستسلام للحد وجملة { فان الله غفور رحيم } مستأنفة أو تعليل للاستثناء.
وعن بعضهم: ان الآية نزلت في حسان حين تاب مما قال في عائشة رضي الله عنها.
تنبيه؛ قال الشيخ احمد -رحمه الله - الاستثناء بعد جمل عطف بعضها على بعض بالواو قال بعض يرجع إلى الاخيرة لقوله تعالى (الا الذين تابوا).
وحكى بعضهم عدم رجوعه إلى الجميع اتفاقا.
وحكى المصنف يعني الشيخ يوسف بن ابراهيمرحمه الله عن الشعبي اجازته واسقط الحد.
قال بعضهم: يرجع إلى الجميع لانه صالح له وتخصيصه بالبعض تحكم وايضا لو استثنى عقب كل جملة لعد عيبا واستهجانا من الكلام وهو الصحيح الا ان منعته قرينة ولذا قال الجمهور يجوز شهادة القاذف إذا تاب.
ذكر سعيد بن مسيب ان عمر رضي الله عنه قال: للذين شهدوا على المغيرة حين جلدهم من رجع منكم اجزنا شهادته ثم تلا الآية.
وحكاه عكرمة عن ابن عباس وهو قول ابي عبيدة والعامة من فقهائنا.
وقيل: بالوقف لان التخصيص والتعميم باطلان لان كل واحد تحكم.
وقال: الشريف مشترك بينهن فيوقف إلى ظهور القرينة.
وقال ابو الحسن البصري: ان تبين الاضراب عن الاول فللاخيرة وظهور الاضراب ان يختلفا نوعا نحو (اكرم بني تميم) والنحاة هم العراقيون (الا زيدا) أو اسما نحو (اكرم بني تميم وربيعة الا زيدا) وشرطه ان لا يكون في الاسم الثاني ضمير الاول نحو (اكرم بني تميم وعلماءهم) أو يختلفا حكما نحو (اكرم بني تميم واستأجرهم) وشرطه ان لا يشتركا في عرض نحو (اكرم بني تميم واخلع عليهم) فان الجملتين مشتركتان في التعظيم وعليه (فاجلدوهم ثمانين جلدة) إلخ. لان الغرض الاهانة والانتقام.
وقيل: ان ظهر الانقطاع من الاخيرة عما قبلها فمختص بها وان ظهر الاتصال فللجميع والا فالوقف ولا خلاف في رجوعه إلى الاخيرة ولا إلى الجميع مع القرينة والشرط والغاية والصفة مثل الاستثناء.
وزعم بعضهم ان الاستثناء راجع في الآية إلى الجلد اتفاقا نعم يرجع إلى الفسق اتفاقا عند بعض لكن الجمهور قالوا انه راجع إلى رد الشهادة وتوبته ان يكذب نفسه.
وقال مالك ان يصلح ويحسن حاله وان لم يرجع عن قوله بتكذيب.
واختلف المالكية من تسقط شهادته.
وقال ابن الماجشون: بنفس القذف.
وقال ابن القاسم بتمام الجلد.
وقيل: انما ترد شهادة القاذف في النوع الذي قذف به وولد الزنى لا تقبل شهادته في الزنى باتفاق فيما قال الثعلبي والحق انه كغيره.