التفاسير

< >
عرض

إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُواْ مَعَهُ عَلَىٰ أَمْرٍ جَامِعٍ لَّمْ يَذْهَبُواْ حَتَّىٰ يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا ٱسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ وَٱسْتَغْفِرْ لَهُمُ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
٦٢
-النور

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ } اي الكاملون في الايمان * { الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ } من صميم قلوبهم ولهذا صح الاخبار بالذين آمنوا بالله ورسوله عن المؤمنين وافاد بل يصح وتفيد ولو لم تقدر ذلك لتقييد ذلك الخبر بالعطف على صلته في قوله * { وَإذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرِ جَامِعٍ } امر بجمعهم كالخطبة وخطبة الجمعة وحرب وعيد ومشاورة في امر ونحو ذلك مما يجب فيه الاستئذان من امام الامارة في الانصراف عنه أو يندب ومن ذلك حفر الخندق حول المدينة والاجتماع لارهاب العدو واسناد الجميع الامر تجوز في الحكم ومبالغة والجامع حقيقة الامام أو غيره.
وقرئ جميع * { لَّمْ يَذْهَبُوا } عنه لعذر * { حَتَّى يَسْتَأذِنُوهُ } وياذن لهم لانه إذا جمعهم فلا جليل احتاجهم فيه فمفارقته بلا اذنه يشق عليه ويشعب رأيه فلذلك شدد فيه وجعل الاستئذان ثالث الايمان بالله ورسوله وجعله يكمل الايمان به لانه كالمصداق لصحته والمميز للمخلص فيه والمنافق الذي من عادته التسلل.
وجعل الجملة مصدرة بانما واوقع المؤمنين مبتدأ مخبرا عنه بموصول احاطت صلته بالايمانين ثم عقبه بما يزيده توكيدا وتشديدا حيث اعادة على اسلوب آخر وهو قوله.
{ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأذِنُونَكَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ } فانه يفيد ان المستأذن مؤمن والذاهب بغير اذن منافق.
وقيل: ان الآية نزلت في وقت حفر الخندق فكان المؤمنون يستأذنون والمنافقون يذهبون بلا اذن وكان الرجل إذا اراد الخروج من المسجد لحاجة أو عذر والنبي صلى الله عليه وسلم على المنبر يوم الجمعة لم يخرج حتى يقوم بحيال رسول الله صلى الله عليه وسلم بحيث يراه فيعرف انه انما قام ليستأذن فيأذن له ان شاء.
قال مجاهد: اذن الامام يوم الجمعة ان يشير بيده والظاهر انه لا بد من الاستئذان ولو كان الشيء مما لا بد ان يأذن له فيه فانه يخبر الامام ان لم تكن خطبة فياذن له وان كانت فعل ما يعلم به انه يريد الخروج وان حاضت امرأة في المسجد او اجنب رجل أو يعرض له مرض اخبره بنطق او بما يعلم به ولا ينطق في الخطبة.
وقيل: لا يحتاج هؤلاء إلى الاستئذان.
{ فَإِذَا اسْتَأذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ } امرهم وفي التعبير ببعض مبالغة وتضييق كأنه قيل لا تتعرضوا للاذن الا لبعض ما اهمكم * { فَأذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ } في الانصراف وهو الذي اضطره ما لا بد منه كالبول والغائط والذي الجأه مهم وقد علم صفاءه وان شئت فلا تأذن لهذا الذي لم يضطر وكذا كل من لم يضطر.
قال بعضهم: إذا اضطره غائط أو بول قام حيال الامام وامسك انفه.
وقيل: المراد ببعض شأنهم الكناية عن البول والغائظ ولو كان كذلك لم يقيد الاذن بالمشيئة كذا قيل.
قلت: ذلك قول الشيخ هود وهو صحيح والجواب من جانبه ان المشيئة تابعة لعلمه بصدق المستأذن عن بعضهم ان ذلك تفويض للامر إلى رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم واستدل بعض ان بعض الاحكام مفوضة إليه صلى الله عليه وسلم والمانع يقيد المشيئة بان تتبع علمه بصدق المستأذن اي (فأذن لمن له عذر) فيكون قد اوجب الله على الامام والنبي قبله ان ياذن لذي العذر * { وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ } والمراد استغفر لجميع المؤمنين.
وقيل: المعنى استغفر لمن اذنت لهم لان الاستئذان ولو كان لعذر قصور لانه تقديم لامر الدنيا على الدين الا عذرا لا يحتمل التأخير فلا قصور في الاستئذان له وفي الاستغفار تأسيس للمؤمنين ورحمة ورأفة بهم والاحسن الافضل ان لا يحدثوا انفسهم بالذهاب ولا يستأذنوا وكذلك ينبغي ان يكون الناس مع ائمتهم ومقدميهم في الدين والعلم ينصرونهم ولا يخذلونهم في نازلة ولا يتفرقون عنهم.
{ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ } لفرطات العباد { رَّحِيمٌ } بالتيسير عليهم.