التفاسير

< >
عرض

وَقَالُوۤاْ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ ٱكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَىٰ عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً
٥
-الفرقان

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ وَقَالُوا } اي الكفار * { أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ } اي القرآن اساطيرهم اي ما سطره المتقدمون اي كتبوه من الاخبار والاباطيل جمع اسطار او جمع اسطورة { اكتَتَبَهَا } اي كتبها لنفسه كقولهم استكب الماء واصطبه إذا سكبه وصبه لنفسه واخذه وهذا منهم كذب فانه صلى الله عليه وسلم لا يكتب ولا يقرأ الكتابة الا ان ارادوا بكتابته امره بالكتابة ويصح تفسير اكتتبها من أول مرة يطلب كتابتها.
وقرئ بالبناء للمفعول اصله (اكْتَتَبَهَا) له كاتب ثم حذفت اللام فصار مجروره منصوبا منفصلا فيقال: (اكتتبها اياه كاتب) وحذف الفاعل الذي هو (كاتب) وناب عنه المنصوب على نزع الخافض وهو (اياه) فكأن يدله ضمير رفع مستتر وكأن الفعل مبني للمفعول.
{ فَهِيَ تُمْلَى } اي تلقه * { عَلَيْهِ } من الكتاب الذي كتبت فيه إذ قد امر غيره بكتابتها وطلب كتابتها فلما كتبت كانت تلقى عليه ليحفظها لانه لا يكتب ولا يقرأ لتتم معجزته أو مرادهم تلقى عليه ليكتبها بنفسه كذبا منهم فانه لا يكتب وجملة اكتتبها مستأنفة أو حال من اساطير محكية وعلى كل حال يكون ذلك إلى (اصيلا) من كلامهم.
وقال الحسن: ان اكتتبها الخ من كلام الله فاما على انه زاد في كلامهم ما كان في قلوبهم أو ما اوجبه كلامهم واما على انه بقطع الهمزة وبفتحها على انها همزة استفهام انكاري وعلى قوله يكون الوقف على (الاولين) { بُكْرَةً } غدوة * { وَأَصِيلاً } عشيا والمراد بذكر الوقتين تعميم الاوقات أو المراد بهما خصوصهما للخلاء فيهما لان البكرة حين ينتشر الناس فيهما والاصيل حتى يأوون مساكنهم في آخره ويجتمعون في أوله ووسطه في السوق.
فصل
اخرج البخاري والنسائي واحمد في صلح الحديبية انه صلى الله عليه وسلم اخذ الكتاب وليس يحسن ان يكتب فكتب هذا ما قاضى عليه محمد بن عبدالله وادعى أبو الوليد الباجي وهو من علماء الاندلس لادعى انه صلى الله عليه وسلم كتب بيده بعد ان لم يكن يحسن الكتابة فشنع عليه علماء الاندلس في زمانهم ورموه بالشرك وان الذي قال يخالف القرآن حتى قال قائلهم:

برئت ممن شرى دنيا باخره وقال ان رسول الله قد كتبا

فجمعهم امير الاندلس فاستظهر ابو الوليد عليهم بما لديه من المعرفة فقال: هذا لا ينافي القرآن بل يؤخذ من مفهوم القرآن لانه قيد النفي بما قبل ورود القرآن.
قال الله جل وعلا
{ وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك } وبعد ان تحققت اميته وهي كونه لا يكتب ولا يقرأ الكتابة وتقررت معجزته بذلك وأمن الارتياب لا مانع من ان يعرف الكتابة بعد ذلك من غير تعليم فتكون معجزة اخرى.
وذكر ابن دحية ان شيخه ابا ذر الهروي وابا الفتح النيسابوري وجماعة من علماء افريقية وافقوا ابا الوليد واحتج بعضهم لذلك بما اخرجه ابن ابي شيبة من طريق مجالد عن عون بن عبدالله ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كتب وقرأ.
قال مجالد: فذكرته للشعبي فقال: صدقت سمعت ذلك يذكر.
وقال عياض: وردت آثار تدل على معرفته بحروف الخط وحسن تصويرها كقوله لكاتبه "ضع القلم على اذنك فانه أذكر لك اني اكتب في وقت السماع".
وقوله لمعاوية "الق الدواة - بكسر اللام - اي ادخل فيها ليقة من صوف أو قطن أو غيرها وحرف القلم وفرق السين ولا تعور الميم" إلى غير ذلك.
قال: وهذا وان لم يثبت انه كتب فلا يبعد ان يرزق علم وضع الكتابة انه أوتي علم كل شيء.
واجاب الجمهور بضعف هذه الاحاديث وعن قصة الحديبية بان القصة واحدة والكاتب فيها هو علي بن ابي طالب وقد صرح في الحديث المسور بن مخرمة بان عليا هو الذي كتب فيحمل على ان النكتة في قوله: (فاخذ الكتاب وليس يحسن ان يكتب البيان) ان قوله: (ارني اياها) انه انما احتاج إلى ان يريه موضع الكلمة التي امتنع عليّ من محوها لا لكونه كان لا يحسن الكتابة وعلى ان قوله بعد ذلك (فكتب) فيه حذف تقديره فمعناها فاعادها لعلي فكتب أو اطلق (كتب) بمعنى (امر بالكتابة) وهو كثير كقوله: (كتب إلى قيصر) و (كتب إلى كسرى) وعلى تقدير جملة على ظاهره فلا يلزم من كتابة اسمه الشريف في ذلك اليوم وهو لا يحسن الكتابة ان يصير عالما بالكتابة ويخرج عن كونه أميا فان كثيرا مما لا يحسن الكتابة يعرف صور بعض الكلمات ويحسن وضعها بيده وخصوصا الاسماء ولا يخرج بذلك عن كونه أميا ككثير من الملوك.
ويحتمل ان يكون جرت يده في الكتابة حينئذ وهو لا يحسنها فخرج المكتوب على وفق المراد فتكون معجزة اخرى في ذلك الوقت خاصة ولا يخرج بذلك عن كونه أميا.
واعترض السهيلي على ذلك بانه يناقض كونه أميا لا يكتب وهي الآية التي قامت بها الحجة فلو جاز ان يصير بعد ذلك يكتب لعادت الشبهة ولقال المعاندون: كان يحسن ان يكتب لكنه كتم.
والحق ان معنى (فكتب) (فامر عليا ان يكتب).
وفي دعوى ان كتابة اسمه الشريف فقط على هذه الصورة يستلزم مناقضة المعجزة ويثبت كونه غير امي نظر كثير والله اعلم.
قاله السهيلي: ومن عجيب ما رأيت اني رأيت نسخة بخط قليل المثل في الجودة والحسن من تفسير القرآن للامام الثعالبي من علماء المشرق وكاتبها من رجال الاندلس وذكر فيها ان امير المؤمنين ابا الوليد حبسها على المسجد الجامع بمالقه ورأيت انها نسخت منذ ستمائة عام أو سبعمائة عام فانظر كم بقي يقرأ به في الجامع ثم اخذت النصارى الاندلس بلدة بعد اخرى وكم بقي في تلك البلاد ثم تناولته الايدي إلى ان بلغ بلادنا هذه بلاد بني مصعب وكم بقي فيه إلى ان بلغ يدي مع بعد المسافة بيننا وبين تلك البلاد فسبحان الفعال لما يريد.