التفاسير

< >
عرض

وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي ٱليَمِّ وَلاَ تَخَافِي وَلاَ تَحْزَنِيۤ إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ
٧
-القصص

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى } وحي الهام وعلمت انه من الله أو ربا وقيل على لسان ملك وقيل هي نبية واسمها بوخابد من نسل لاوي بن يعقوب وقد قيل بنبوة ست نسوة حواء وسارة وهاجر وأم موسى وآسية ومريم وذكر الشواني أربعا من ذلك على خلاف والصحيح انه لم تكن امرأة نبية ورأيت في حاشية على المواهب ان بعضا يقول بنات النبي نبيات وهو قول قبيح يؤدي الى الكفر.
{ أَنْ أَرْضِعِيهِ } أن تفسيرية.
{ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ } القتل.
{ فَأَلْقِيهِ فِي اليَمِ } البحر وهو النيل روي انها أرضعته ثمانية اشهر وقيل اربعة وقيل ثلاثة وكانت ترضعه وتربيه ولا يبكي ولا يتحرك في حجرها.
{ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي } لا تخافي عليه ضيعة ولا غرقا ولا شدة ولا تحزي لفراقه الخوف غم يلحق الانسان لمتوقع والحزن غم يلحقه لواقع وهو فراقه.
{ إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ المُرْسَلِينَ } قال ابن عباس لما كثر بنوا اسرائيل بمصر استطالوا على الناس بمصر وعملوا بالمعاصي ولم يأمروا بالمعروف ولم ينهوا عن المنكر وسلط الله عليهم القبط فاستضعفوهم الى ان نجاهم الله على يد نبيه موسى، نهاها الله عن خوف القتل وخوف الغرق والضيعة عن الحزن وملأ قلبها سرورا برده اليها ويجعله من المرسلين وفي الآية بشارتان ونهيان وأمران وخبران فانظر السؤلان روي ان فرعون لعنه الله ذبح في طلب موسى تسعين الف وليد، روي انه كان يقتل الولدان فكثر الموت في بني اسرائيل ولدانهم بالتقل وكبارهم بالهرم فقالت القبط كاد العمل يقصر علينا فكان يقتل عاما ويترك عاما ولد هارون في عام الترك وموسى في عام القتل وذكر بعضهم انه أرضعته ثلاثة اشهر ثم الح في طلب المواليد والتفحص عنهم فيمكن ان يريد هذا القاتل انه ابتداء القتل بعد الثلاثة الاشهر ويحتمل انه كانت الثلاثة من العام الذي يترك وخافت عليه القتل ولو لم يولد في عام القتل والأول اوضح وروي انه قيل له: ان مولودا يولد في هذا العام يذهب ملكك فشرع في القتل فيه وهو عام ولادة موسى قال في عرائس القرآن لما مات الريان بن الوليد وهو فرعون يوسف الذي ولى يوسف أرض مصر وأسلم على يده ملك بعده قابوس بن مصعب فرعون يوسف الثاني وكان جبارا وطال ملكه ولما مات ملك أخوه أبو العباس بن الوليد بن مصعب بن الريان بن أراسه بن بروان بن عمر بن قارون بن عملاق بن لاوي بن سام بن نوح وكان أعتى من قابوس وأكثر واشتدت ايام ملكه وكثرت بنوا اسرائيل وهم تحت ايدي العمالقة وهم على بقايا دينهم دين يوسف ويعقوب وابراهيم حتى جاء فرعون موسى ولم يكن اعتى وأعظم قولا وأقسى قلبا وأطول عمرا وأسوأ مملكة لبني اسرائيل في هؤلاء الذين قبله منه استعمل بني اسرائيل في أصناف الخدمة من الحرث ونقل العذرة وتزوج منهم آسية بنت مزاحم وقيل هي آسية بنت مزاحم بن عيد بن الريان بن الوليد فرعون يوسف الأول أسلمت على يد موسى قال مقاتل: لم يسلم من أهل مصر إلا آسية وحزقيل ومريم بنت ناموسا التي دلت موسى على قبر يوسف وروي أن فرعون ملكهم أربعمائة سنة يسومهم سوء العذاب. قال السدي: أن فرعون رأى في منامه أن نارا أقبلت من بيت المقدس وأحرقت بيوت مصر والقبط وتركت بني اسرائيل فدعا الكهنة والسحرة والمعبرين والمنجمين فسألهم عن رؤياه فقالوا له يولد في بني اسرائيل غلام يسلبك ملكك من ارضك ويبدل دينك ويغلبك على سلطانك ويخرجك من أرضك وقد أضلك زمانه الذي يولد فيه وأمر بقتل كل غلام ولد في بني اسرائيل فجمع القوامل من النساء من أهل مملكته فقال لهن لا يولد على أيديك غلام من بني اسرائيل إلا قتلته ولا جارية إلا تركتها قال مجاهد: كان يأمر بالقصب فيشق حتى يجعل مثل الشفار ثم يضاف بعضه الى بعض ثم يؤتى بالحبالى من بني اسرائيل فيوقفن عليه فتجري اقدامهن حتى أن المرأة منهن تضع ولدها فيقع بين رجليها فتظل تطأه بقدميها تتقي به حر القصب عن رجليها لما يبلغ بها من الجهد وكان يقتل الغلمان الذين في وقته ويقتل من يولد منهم ويعذب الحبالى حتى يضعن ما في بطونهن وأشرع الموت في مشيخة بني اسرائيل فدخل رؤساء القبط على فرعون فقالوا له:
إن الموت قد وقع في بني اسرائيل وأنت تذبح صغارهم وتميت كبارهم فيوشك أن يقع العمل كله علينا فأمر فرعون أن تذبح الأولاد سنة وتترك سنة وولد هارون في عام ترك القتل وموسى في عام القتل ولما أرادت وضعته اشتد عمها فأوحى الله تعالى اليها { أَنْ أَرْضِعِيهِ } فاذا خفت عليه { فَأَلْقِيهِ فِي اليَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي } الخ فلما وضعته في خفية أرضعته ثم اتخذت له تابوتا قيل جعلت مفتاح التابوت من داخل وجعلت فيه قلت انما يجعل المفتاح من داخل اذا كان من يفتحه في داخل قال مقاتل: الذي صنع التابوت قيل من آل فرعون وجعلت فيه قطنا محلوجا وجعلت فيه موسى وقيرت رأسه ثم ألقته في النيل ولما توارى عنها أتاها الشيطان فوسوس اليها فقال لها ماذا صنعت بابنك لو ذبح عندك فواريته وكفنته كان أولى من أن تلقيه في البحر بيدك لدواب البحر ثم عصمها الله فانطلق الماء بموسى ترفعه موجة وتضعه اخرى حتى أدخلته بين الأشجار عند دار فرعون إلى عرصة في مستقى جواري فرعون وكان بالقرب منها نهر كبير في دار فرعون في بستانه فخرجت جواري آسية امرأة فرعون يغتسلن ويستقين فوجدن التابوت فأخذنه وظنن ان فيه مالا فحملته على حاله حتى أدخلته على آسية فلما فتحته رأت الغلام فألقى الله محبة منه فرحمته آسية وأحبته حبا شديدا فلما سمع الذباحون امره أقبلوا على آسية بشفارهم ليذبحوا الصبي فقالت لهم آسية انصرفوا فان هذا لا يرى في بني اسرائيل وأنا آت فرعون وأستوهبه منه فان وهبه لي كنتم أحسنتم وان أمر بذبحه لم ألمكم، فأتت به فرعون وقالت قرة عين لي ولك واستوهبته منه فوهبه بعد امتناع شديد من أن يهبه مخافة أن يكون من بني اسرائيل. قال ابن عباس وغيره ان أم موسى لما قربت ولادتها وكانت قابلة من القوابل التي وكلهن فرعون بحبالى بني اسرائيل مصافية لها فلما ضربها الطلق أرسلت اليها فقالت: قد نزل بي ما نزل فلينفعني حبك الآن، فقالت: نعم. فعالجت ولادتها فلما وقع موسى الى الأرض هالها نور بين عينيه حتى ارتعش كل مفصل فيها ودخل حب موسى في قلبها وقالت لها يا هذه ما جئت حين دعوتني الا وفي قلبي قتل ولدك وأخبر فرعون بذلك ولكن وجدت لابنك هذا حبا شديدا ما وجدت حب شيء مثله فاحفظي ابنك فاني أراه عدونا فما خرجت القابلة من عندها أبصرها بعض العيون فجاءوا الى بابها ليدخلوا على موسى فقالت اخته يا أماه هذا الحرس بالباب فطاش عقلها فلم تعقل ما تصنع خوفا على موسى عليه السلام فلفته في خرقة ووضعته في التنور وهو مسجور وأم موسى لم يتغير لها لون ولم يظهر لها لبن وقالوا ما أدخل عليك هذه القابلة قالت مصافية لي فدخلت علي زائرة فخرجوا من عندها ورجع اليها عقلها فقالت لاخت موسى أين الصبي قالت لا ادري سمعت بكاء الصبي في التنور فانطلقت اليه فوجدته قد جعل الله عليه النار بردا وسلاما فاحتملته. قال ابن اسحاق عن مقاتل عن الضحاك عن ابن عباس: ثم ان أم موسى لما رأت إلحاح فرعون في طلب الولدان خافت على ولدها فألقى الله في نفسها أن تتخذ له تابوتا ثم تقذفه في اليّم فانطلقت الى رجل نجار من أهل مصر من قوم فرعون فاشترت منه تابوتا صغيرا فقال لها النجار ما تصنعين بهذا التابوت فقالت أخبيء فيه ابنا لي وكرهت ان تكذب قال ولم قالت اخشى عليه كيد فرعون فلما اشترته وحملت التابوت انطلق النجار للذباحين ليخبرهم بأمرها فلما هم بالكلام أمسك الله لسانه وجعل يشير بيده ولم يدر الأمناء ما يقول فلما أعياهم أمره قال كبيرهم اضربوه فضربوه وأخرجوه فلما انتهى النجار الى موضعه رد الله تعالى عليه لسانه فانطلق أيضا يريدهم فأتاهم وأخذ الله تعالى لسانه وبصره فخر ساجدا لله وعلم أن ذلك من الله تعالى وآمن به فانطلقت أم موسى وألقته في البحر بعد ما أرضعته ثلاثة اشهر وكان لفرعون يومئذ بنت لم يكن لفرعون ولد غير وكانت أكرم الناس عليه وكان لها كل يوم ثلاث حاجات ترفعهن اليه وكان بها برص شديد وقد جمع أطباء مصر والسحرة والمنجمين فنظروا في أمرها فقالوا له أيها الملك لا تبرأ الا من قبل البحر يؤخذ منه شبه انسان ويؤخذ من ريقه ويلطخ به برصها فتبرأ وذلك يوم كذا من شهر كذا في ساعة كذا حين تشرق الشمس فلما كان ذلك اليوم غدا فرعون الى مجلس كان له على شفير النيل ومعه امرأته آسية وأقبلت بنت فرعون وجواريها حتى جلست على شاطىء النيل مع جواريها تلاعبهن وتنضح الماء على وجوههن اذ اقبل النيل بالتابوت فقال فرعون ان هذا شيء ائتوني به فابتدروه من كل جانب بالسفن فأخذوه ووضعوه بين يديه فعالجوا فتحه فلم يقدروا وعالجوا كسره فلم يقدروا عليه فدنت آسية فرأت في جوفه نورا لم يره أحد غيرها للذي أراد الله تعالى من اكرامها وهدايتها فعالجته ففتحته فاذا هي بصبي صغير في مهده واذا النور بين عينيه وقد جعل الله رزقه في ابهامه يمص منه لبنا فألقى الله تعالى محبة موسى في قلبها رضي الله عنها وأحبه فرعون وعطف عليه وأقبلت بنت فرعون فلما أخرجوا الصبي من التابوت عمدت بنت فرعون الى ما كان يسيل من ريقه فلطخت به برصها فبرأت وقيل لما نظرت الى وجهه برأت وضمته الى صدرها فقالت الغواة من قوم فرعون إنا نظن ان ذلك المولود الذي تتحرز به من بني اسرائيل هو الذي رمى به في البحر فزعا منك فاقتله فهمَّ بقتله فاستوهبته آسية فوهبه لها ثم قالت له سميه فقالت قد سميته موسى لأنه وجد بين الماء والشجر ثم قالت أم موسى لأخته مريم قصيه أي اتبعي أثره واطلبيه هل تسمعين له ذكراً أهو حي أو أهلكته دواب البحر ونسيت وعد الله تعالى فبصرت به عن جنب أي بُعد وهم لا يشعرون انها اخته وكانت آسية قد أرسلت الى من حولها من كل انثى لها لبن لتختار له مرضعة ولم يقبل عن واحدة وأشفقت آسية أن يمتنع من اللبن فيموت فأحزنها ذلك فأمرت به فأخرج الى السوق لجمع الناس لما ترجو أن تصيب له مرضعا ولم يقبل عن واحدة فذلك قوله تعالى
{ وحرمنا عليه المراضع } فقالت اخت موسى حين أعياهم أمره وأعيا المراضع هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون فقالوا ما يدريك بنصحهم فقالت لأجل رغبتهم في الارضاع للملك ورجاء منفعته فتركوها فانطلقت الى امه فأخبرتها بالخبر فجاءت فلما وضعته في حجرها ترامى على ثديها فشرب منه حتى امتلأ اجنباه فانطلق البشير الى آسية يبشرها ان قد وجدنا لابنك مرضعا فارسلت اليه فأتت به فلما رأت ما يصنع بها قالت امكثي عندي ترضعي ابني هذا فاني لم أحب شيئا مثل حبه قط فقالت لا استطيع ان ادع بيتي وأولادي فيضيعوا فان طابت نفسك ان تعطنيه فأذهب به الى بيتي فيكون معي ولا آلوه خيرا فعلته وإلا فأنا غير تاركة بيتي وذلك لأنها تذكرت ما وعد الله فتعاسرت على امرأة فرعون وأيقنت أن الله منجز وعده فرجعت بابنها الى بيتها قيل غاب عنها موسى ثلاثة ايام قالت آسية يوما لأم موسى إتيني بابني فوعدتها يوما تأتيها به فقالت لقهارمتها لا تبقى واحدة الا استقبلت ابني بهدية وانا باعثة أمينة تحصي عنك فلم تزل الهدايا تستقبله من وقت خروجه من بيت امه الى ان دخل على آسية ولما دخل عليها اكرمته وفرحت به وأعجبها ما رأت من حسن ايثارها عليه وقالت انطلق به الى فرعون ليكرمه فلما دخلت به على فرعون فوضعته في حجره فتناول موسى لحية فرعونن حتى هزها ونتف منها وكان فرعون طويل اللحية ويقال انه لطم وجهه وفي بعض الروايات انه يلعب بين يديه وبيده قضيب صغير يلعب به اذ ذهب يضرب رأس فرعون فغضب غضبا شديدا وتطير منه وقال هذا هو عدوي المطلوب فأرسل الى الذباحين ليذبحوه فبلغ ذلك امرأة فرعون فجاءت امرأة فرعون تسعى الى فرعون فقالت له ما بدا لك في هذا الصبي الذي وهبته لي فأخبرها بما فعل فقالت له انه صبي لا يعقل وانما صنع هذا من صباه واني اجعل بيني وبينك فيه امارة تعرف فيها الحق اضع له حليا من الذهب والياقوت والجوهر وطاسة فيها الجمر فان اخذ الذهب والياقوت فهو يعقل فاذبحه وان اخذ الجمر علمت انه صبي فمد يده للجوهر فحول يده جبريل للجمر فقبض على جمرة فوضعها في فيه على لسانه فأحرقته فكانت عقدة لسانه فقالت ألا ترى ما فعل فكف عن قتله والقى محبته في قلبه وقلوب الناس جميعا كل من رآه أحبه سئل ابليس هل أحببت أحد من المؤمنين قال لا إلا موسى بن عمران لأن الله ألقى محبته في القلوب فلم أتمالك أن أحبه فكانت أمه كتمت امره حين كان في بطنها ولم يظهر فيه.