التفاسير

< >
عرض

قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِيۤ أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ ٱلْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلاَ يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ ٱلْمُجْرِمُونَ
٧٨
-القصص

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ قَالَ } قارون { إِنَّمَا أُوتِيتُهُ } أوتيت المال.
{ عَلَى عِلْمٍ عِندِي } في مقابلته وكان كما مر اعلم بني اسرائيل بالتوراة بعد موسى وهارون فظن انه استوجب به التفوق على الناس والفضل عليهم بالمال والجاه وعلى متعلق بأوتيته او بمحذوف حال وهي للتعليل وعندي نعت لعلم وقيل علم الكيمياء وهو قول سعيد بن المسيب قال: كان موسى يعلم علم الكيمياء فعلمه اخته وعلمته اخته قارون وقيل علم موسى عليه السلام يوشع بن نون ثلث ذلك العلم وعلم كالب بن توفيا ثلثه وعلم قارون ثلثه فخدعهما قارون حتى اضاف علمهما الى علمه وكان يصنع من الرصاص فضة ومن النحاس ذهبا وكان ذلك سبب اجتماع ماله والقول في علم الكيمياء تحريم صنعته لانها غش وعن ابن يتمة انها اشد تحريما من الربا وانها تخييل ولو كانت حقا لوجبت فيها الزكاة ولم يوجبها فيها عالم وقيل العلم علمه بأنواع التجارة والدهقنة والمزارع وسائر المكاسب وهو قول ابي سليمان الدراني وقيل علمه بكنوز يوسف وعن ابي سليمان الدراني: ظهر ابليس لقارون كان قد اقام في جبل اربعين سنة حتى غلب بني اسرائيل في العبادة وبعث اليه ابليس شياطينه ولم يقدروا عليه فتقدم اليه ابليس وتعبد معه وقهر قارون بالعبادة وفاته فيها فخضع له قارون فقال له ابليس يا قارون قد رضيت ان تكون هكذا كلاً على بني اسرائيل فقال له في اي شيء الرأي عندك؟ قال: تكسب يوم الجمعة وتتعبد بقية الايام فكانا يكسبان يوم الجمعة ويتعبدان بقية الايام واقاما على ذلك زمانا فقال ابليس قد رضيت ان تكون هكذا قال قارون فما الرأي؟ قال نكسب يوما ونتعبد يوما فنتصدق ونعطي، فلما كسبا يوما وتعبدا يوما حسد ابليس فتركه ففتحت على قارون ابواب الدنيا فبلغ ماله ما اخبر به ابن ميمون عن المسيب بن شريك ان مفاتحه اربع مائة الف وقيل العلم علمه باسم الله الأعظم ورده ابن كثير بأن قارون كافر والاسم الأعظم لا يتأثر لكافر وقيل معنى عندي في ظني فيتعلق بأوتيته.
{ أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ القُرُونِ } الأمم.
{ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً } للمال يعني ان قارون قد علم ذلك قرأه في التوراة وأخبره به موسى عليه السلام وسمعه من حفاظ التواريخ كأنه قيل قد علم ذلك فلم اغتر بقوته وماله والمراد اثبات العلم الذي ادعاه تهكما به ونفي هذا العلم عنه فكأنه قيل اعلم ذلك العلم الذي استوجب له المال ولم يعلم العلم الذي يقيه المهلكة العظيمة وهو ان يعلم بهلاك من هو أشد واكثر جمعا ويجوز ان يكون المعنى واكثر جماعة وذلك تعجيب وتوبيخ.
{ وَلا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهُِ المُجْرِمُونَ } سؤال استعلام بل تقريع لعلمه تعالى بها والظاهر ان هذا كناية عن كونهم يعذبون بها بغتة لا يتركون ولو قدر ما يحاسب انسان انسانا وذلك تهديد لكل مجرم فلا يتوهم مجرم ان ذلك خاص بقارون او لا يسألون سؤال استرضاء واستعتاب او يسألون في موطن ولا يسألون في أجر ويوم القيامة مواطن او ذلك كناية عن كثرة ذنوبهم كأنها لا يضبطها حساب فضلا عن ان يسألوا عنها ولا يسألون عن فروع الايمان والهاء للمجرمين بعدها لأن النائب في نية التقديم وقيل الهاء عائدة الى المهلكين وان المعنى لا يسأل المجرمون عن ذنوب هؤلاء وانه انما يسأل كل مكلف عن ذنوبه وقيل لا تسأل الملائكة المجرمين عن ذنوبهم لأنها مكتوبة ومعلومة لله سبحانه وقيل المعنى انهم معروفة بسيماهم سواء الوجوه وزرقة العيون وان أثر ذنوبهم ظاهر.