التفاسير

< >
عرض

مَّا كَانَ ٱللَّهُ لِيَذَرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَآ أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ ٱلْخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيِّبِ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى ٱلْغَيْبِ وَلَكِنَّ ٱللَّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَآءُ فَآمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ
١٧٩
-آل عمران

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ مَّا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَآ أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ } كلكم من إيمان وكفر.
{ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِى مِن رُّسُلِهِ مَنْ يَشَآءُ }: فيطلعه على ما شاء من غيبه لا على كله، وبعد أن يطلعه لا يخبر إلا بما أمره أن يخبر به، فهو عالم بمن يؤمن، ومن يكفر ولم يخبركم، وقد كان قبل ذلك لم يعلم.
وروى
"أنه لما بلغه مقال المنافقين، قام على المنبر فحمد وأثنى عليه، ثم قال: ما بال أقوام طعنوا فى علمى، لا تسألونى عن شىء فيما بينكم وبين الساعة إلا نبأتكم به فقام عبد الله بن حذافة السهمى فقال: من أبى يا رسول الله؟ فقال: أبوك حذافة. فقام عمر فقال: يا رسول الله رضينا بالله ربا، وبالإسلام ديناً، وبالقرآن إماماً، وبك نبيا، فاعف عنا عفا الله عنك. فقال النبى صلى الله عليه وسلم: فهل أنتم منتهون؟" ثم نزل عن المنبر، فأنزل الله هذه الآية. وقال الكلبى: قالت قريش: يا محمد تزعم أن من خالفك فهو فى النار والله عليه غضبان، وإن من أطاعك وتبعك على دينك فهو فى الجنة والله عليه راض، فأخبرنا بمن يؤمن بك وبمن لا يؤمن بك؟ فأنزل الله هذه الآية، وقيل: نزلت فى قوم من المنافقين ادّعوْا أن إيمانهم كإيمان المؤمنين، واختلفوا فى التمييز تم كان، فقيل: بالوحى بأن هؤلاء المشركين يؤمنون، هؤلاء لا يؤمنون، وهؤلاء المنافقين لا يكونون مؤمنين، وهؤلاء إيمانهم غير خالص، وكما مر أنه عرضت عليه صور أمته كما عرضت على آدم، وقيل: بالتكليف الشاق، كالقتال وبذل المال، وتحريم ما رغبوا فيه، وإيجاب الهجرة، فالمؤمن يمتثل، والمنافق لا يمتثل، وكذا المشرك لا يفعل ذلك، وقد تميز المنافقون يوم أحد بالرجوع، كما مر عن أبى، وبعدم خروج بعض من المدينة إلى أحد، وقول من قال: لو كان رسولا لكان كذا، أو لفعل كذا، والخطاب للمؤمنين والمنافقين والمشركين أو للمؤمنين والمنافقين، أى ما كان الله ليترك المؤمنين مختلطين بالمنافقين لا يعرف مخلصكم من منافقكم، أو ما كان الله ليترك ذلك، ولا ليترك بيان من يموت مشركاً، وقيل: الخطاب للمؤمنين، أى: ما كان الله ليذر المؤمنين على ما هم عليه من الاختلاط، ووضع المضمر الخطابى موضع المضمر الغيبى على طريق الالتفات، وقيل: الخطاب للمنافقين، أى على ما أنتم عليه من الاختلاط بهم، أعنى بالمؤمنين، ويحتمل أن يكون أيضاً للمشركين، أو لهم وللمشركين، وقيل المعنى ما كان الله ليترك المؤمنين فى أصلاب المشركين وأرحام المشركات، ولا بد أن تتم الكلمة بالولادة، وإثابة المسلم بالجنة، والمشرك بالنار، واللام فى { ليذر } لام الجحود والنصب بعدها بأن محذوفة وجوباً، ولا الجحود فيها، وجاز أحدهما الزيادة وهى للتأكيد المحض، والمصدر من الفعل بعدها خبر الكون، فيقدر بالوصف أو يقدر مضاف قبله، أو قبل اسم الكون، أى ترك، أى تاركاً أو ذا ترك أو ما كان أمر الله تركاً، والثانى أنها لام التقوية، تقوى خبرا يقدر للكون، أى مريداً لتركهم، وكذا أى ليطيلعكم ونحوه، قال الكوفيون: اللام زائدة للتأكيد ناصبة للفعل، ولا يقدرون أن، والخبيث: المنافق أو المشرك أو هما، والطيب: المؤمن، ويجتبى: يختار، و{ من } فى قوله { من رسله } للبيان مقدماً على ما يبين به، وهو من يشاء لا للتبعيض، لأن الرسل كلهم شاء الله اختيارهم للغيب نعم يجوز التبعيض باعتبار ما الكلام فيه، وهو الإخبار بمن يؤمن ومن لا يؤمن، كما أن الكلام فى هذا المعنى، فإنه لم يخبر الرسل بذلك كلهم، بل بعضاً كآدم وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
{ فَآمِنُواْ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ }: مخلصين فى الإيمان، لا تخلطوا فيه شركاً أو نفاقاً، ومقرين لذى الحق بحقه، لا زائدة ولا ناقصة، وحق الله لا يبلغ حده، فالإيمان بالله أن يعتقدوا أنه علام الغيوب، ولا يعلم غيره منها إلا ما علمه الله إياه، والإيمان برسله أن تعتقدوا أنهم لا يعلمون منها إلا ما أوحى إليهم، ولا يفتعلون من أنفسهم، وجمع الرسول لأن إثبات النبوة للرسل كلهم بطريق واحد وهو المعجزات، فمن لم يؤمن بواحد كفر بهم كلهم ومن آمن بواحد تحقيقاً فقد آمن بهم.
{ وَإِنْ تُؤْمِنُواْ }: بالله ورسوله حق الإيمان، أو إن تؤمنوا برسالة محمد صلى الله عليه وسلم وأنه يعلم من الغيب ما أعلمه إياه.
{ وَتَتَّقُواْ }: تجتنبون النفاق والشرك، أو تتقوا الله فيما أمركم به أو نهاكم عنه.
{ فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ }: لم تره عين، ولا سمعت به أذن، ولا خطر فى قلب.