التفاسير

< >
عرض

رَّبَّنَآ إِنَّنَآ سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَٱغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ ٱلأَبْرَارِ
١٩٣
-آل عمران

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ رَّبَّنَآ إِنَّنَآ سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِى لِلإِيمَانِ }: يقدر مضاف، أى سمعنا نداء مناد وهو صوته، أو سمعنا صوت مناد، أو كلام مناد، وذلك أنه إنما تسمع الأصوات لا جسم المتكلم، ولكن حذف ذلك تأكيدا حتى كان جسم الإنسان المنادى دخل أسماعهم، كما يدخلها الصوت، وجملة ينادى نعت لمنادياً، على قول مجيز نعت الوصف أو نعت لموصوف محذوف أو حال منه، أى: إنساناً منادياً ينادى للإيمان، وهذا الجملة تكون نعتاً لنكرة أو حال من معرفة أو من نكرة مسوغة بعد لفظ "س م ع" عند الجمهور. ومفعولا ثانياً عند الفارسى، وعليه فينادى مفعول لسمع، وأكد أمر المنادى بتنكيره، كأنه قيل: منادياً عظيماً، وبوصفه بجملة ينادى وبتقيده بالإيمان بعد إطلاق، وذلك أنه يتبادر من المنادى أنه المنادى للحرب وأنه لإطفاء نار أو إغاثة لهفان مثلا فى الجملة، فإذا قيد بالإيمان، فقد رفع شأنه والمنادى رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه الذى يدعو الخلق حقيقة، قال الله جل وعلا له: { ادع إلى سبيل ربك بالحكمة } وقال: { { وداعياً إلى الله بإذنه } وذلك قول الجمهور وابن عباس وابن وابن جريج وغيره، وقال محمد بن كعب القرظى: المنادى كتاب الله وليسوا كلهم رأوا النبى صلى الله عليه وسلم وسمعوه وإسناد النداء إلى القرآن ولو كان مجازاً، لكنه من المجاز المشهور المتعارف، فشملت الآية من ذلك صفته، ممن مضى أو يأتى وعدى النداء باللام لأنها دلت على الانتهاء والاختصاص فذلك فى معنى { إلى } فلا حاجة إلى أن يقال إن اللام مستعملة بمعنى { إلى } فلذا يتعدى النداء، والدعاء والعود والإيحاء والهداية باللام، وبالى وذل أنلك إذا قلت مثلا: دعوت الناس للخير، فكأنك قلت: دعوتهم ليتناوله، وإنما يتناول الشىء من انتهى إليه، ووصل إليه.
{ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ }: أن حرف تفسير لتقدم جملة فيها معنى القول دون حروفه، وهى ينادى أو مصدرية، على إجازة دخولها على الطلب، وعليه فتقدر الباء أى بأن آمنوا.
{ فَآمَنَّا رَبَّنَا }: أى فامتثلنا يا ربنا، قال أبو الدرداء، رحم الله المؤمنين، ما زالوا يقولون ربنا ربنا حتى استجيب لهم، وكذا عن الحسن ولعله روى عنه: يجوز أن يكون قوله { ربنا } مسلطاً على قوله:
{ فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ } لأن { ربنا } جملة إذ معناه: ادعوا ربنا، لإنشاء الدعاء، فيكون من تقديم جملة أصلها التأخير للابتهال باسم الله والتلذذ به، فقس على هذا، أو مسلطاً على محذوف، أى: افعل لنا ذلك فاغفر لنا وإذا سلط على { فاغفر } إلخ فقوله:{ رَبَّنَا }.