التفاسير

< >
عرض

فَإنْ حَآجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ للَّهِ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِ وَقُلْ لِّلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ ٱهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ ٱلْبَلَٰغُ وَٱللَّهُ بَصِيرٌ بِٱلْعِبَادِ
٢٠
-آل عمران

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ فإنْ حَاجُّوكَ }: خاصمك اليهود والنصارى نجران للكلام المزور، والمغالطة فى الدين، بعدما أقمت عليهم الحجج.
{ فَقُلْ أسْلَمتُ }: دفعت.
{ وَجْهِىَ }: وسكن الباء غير نافع، وابن عامر، وحفص.
{ لِلهِ }: لا أشرك كما أشركتم فى محاجتكم، بل أخلص نفسى، وجملتى لله تعالى إخلاصاً هو دين الله القويم، الذى جاءت به الرسل، والكتب من قبلى، وعبر عن الكل بالوجه، لأنه أشرف الأعضاء الظاهرة، وفيه الحواس وتظهر فيه القوى الباطنية، فإذا خضع الوجه فقد خضع الجسد كله، ومعنى إخلاص الوجه والأعضاء لله تعالى، استعمالها فى أمره، ومنعها عما نهى عنه.
{ وَمَنِ اتّبَعَنِ }: عطف على التاء فى { أسْلَمت }، وهى ضمير رفع متصل لوجود الفعل، أو مفعول معه، والمعنى: أسلمت وجهى لله، وأسلموا وجوهكم لله، أو أسلمت وجهى لله، مع إسلامهم وجوههم لله، وإلا فليسوا يسلمون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل وجوههم.
قالت اليهود والنصارى ليسنا على ما سميتنا به يا محمد، إنما اليهودية والنصرانية نسب، والدين هوالإسلام، ونحن عليهِ فأمره الله أن يكذبهم فى ادعائهم كونهم على الإسلام.
{ وقُل لِلَّذينَ أوتُوا الْكِتَابَ }: اليهود والنصارى.
{ والأمِّيِّينَ }: مشركى العرب، منهم ولا كتاب لهم والكلام فى الأمى أو الأميين، فى غير هذا الموضع، وفيه أوجه منها: أن العرب يومئذ لا يعرفون الكتاب والحساب، كمن ولد من أمه إلا قليلا.
{ أأسْلَمْتُمْ }: حين أوضحت لكم الحجة؟ أم بقيتم بعد على كفركم؟ والاستفهام للتقرير، أو للتوبيخ على بقائهم فى الكفر، كما قال الزجاج: إنه تهديد، قيل: وهو حسن، أو بمعنى الأمر أى أسلموا، وعليه فإنما عبر بالاستفهام عن الأمر نداءً عليهم بالبلادة، والبعد عن الإسلام بالعناد بعد بيان الحجة وتلخيصها، كنا تجتهد فى البيان لبليد أو معاند، ثم تقول له: هل فهمت؟ تريد: افهم، فهل زالت بلادتك؟ أو عنادك؟
{ فإنْ أسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا }: من ضلالتهم، إلى ما هو رشد لهم، وصلاح لهم، دنيا وأخرى. فالإسلام نفع لهم،
"وقرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم الآية فقال أهل الكتاب: أسلمنا. فقال صلى الله عليه وسلم لليهود أتشهدون أن عيسى كلمة الله وعبده ورسوله فقالوا: معاذ الله، وقال للنصارى: أتشهدون أن عيسى عبد الله ورسوله فقالوا لهُ: معاذ الله أن يكون عيسى عبداً" ، فقال الله عز وجل:
{ وإنْ تَولَّوا فإنّما عَلَيْكَ الْبَلاَغُ }: أى وإن أعرضوا عن قولك لم يضرك ضلالهم وتوليهم، لأنه ليس عليك إلا التبليغ، وقد بلغت لهم، فأقام العلة، مقام الجواب، والبلاغ اسم مصدر، ومعناه التبليغ، أو مصدر لبلغ بتخفيف اللام، أى: فإنما عليك أن تبلغهم قولك.
{ واللهُ بَصِيرٌ بالعِبَادِ }: عالم بمن يُؤمن، ومن لا يؤمن، فيجازيهم بالجنة والنار، وهذا وعد ووعيد، والذى عندى: أنه لا نسخ فى قوله { وإنْ تَولَّوا فإنما عَلَيْكَ الْبَلاَغُ } لأن معناه: تصبير رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إذ كان يتألم بكفرهم وعدولهم، لأن التوفيق بيد الله تعالى لا بيده صلى الله عليه وسلم. وبذلك قالت طائفة، وقالت طائفة أخرى: إنه منسوخ بآية السيف.