التفاسير

< >
عرض

قُلْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْكَافِرِينَ
٣٢
-آل عمران

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ قُلْ أَطِيعُواْ اللَّهَ والرَّسُولَ }: قال عبد الله بن أبى: رأس المنافقين لأصحابه: إن محمداً يجعل طاعتهُ كطاعة الله، ويأمرنا أن نحبه كما أحبت النصارى عيسى بن مريم، فنزل قولهُ تعالى { قُلْ أَطِيعُواْ اللَّهَ والرَّسُولَ } بمعنى أن طاعة الله لا تتم بدون طاعة الرسول، وعن ابن عباس: طاعتكم لمحمد صلى الله عليه وسلم، طاعتكم لى، وإما تطيعونى، وتعصوا محمدا صلى الله عليه وسلم، فلن أقبل منكم. قال الشافعى: كل ما أمر رسول الله بهِ أو نهى عنهُ، جرى فى اللزوم مجرى ما أمر الله به، أو نهى عنه فى القرآن.
{ فإِن تَوَلَّوْاْ }: فعل ماض للغيبة، مستأنف، وهو من كلام الله تعالى أو مضارع حذفت إحدى تاءيه، والأصل تتولوا، فيكون خطاباً منهُ صلى الله عليه وسلم للكفار، من جملة المحكى من قوله { قل }، أى: فان أعرضوا، أو فإن أعرضتم عن طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
{ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ }: أى لا يفعل معهم فعل المحب لحبيبه من العفو والرضى، والثناء والإنعام، بل عكس ذلك، ووضع الظاهر موضع المضمر، إذ لم يقل لا يحبهم، أو لا يحبكم، ليدل على أن سبب عدم الحب هو الكفر أو أظهر ليعم كل كافر.
قال أبو هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"كل أمتى يدخلون الجنة، إلا من أبى قال: ومن يأبى؟. قال: من أطاعنى دخل الجنة، ومن عصانى فقد أبى" وعنهُ قال رسول صلى الله عليه وسلم: "من أطاعنى فقد أطاع الله، ومن عصانى فقد عصى الله، ومن يطع الأمير فقد أطاعنى ومن عصى الأمير فقد عصانى" . قال ابن أبى جمرة: من علامة السعادة للشخص أن يكون معتنياً بمعرفة السنة فى جميع تصرفاته، ومن كان كذلك فهو عابد فى حركاته وسكناتهِ، وكان بعضهم لا يأكل البطيخ سنين، لما لم يبلغه كيفية السنة فى أكلهِ، ومن أحب شيئاً آثره وآثر موافقته، وإلا لم يكن صادقاً فى حبه، فالصادق فى حب النبى صلى الله عليه وسلم، من تظهر علامة ذلك عليه، بأن يقتدى بسنته فى أقواله وأفعاله، ويتأدب بأدبه فى عسره أو يسره، وعن النبى صلى الله عليه وسلم: "من استمسك بحديثى وفهمه وحفظه جاء مع القرآن، ومن تهاون بالقرآن وحديثى خسر الدنيا والآخرة" . وعن أبى هريرة عنه صلى الله عليه وسلم: "من استمسك بسنتى عند فساد أمتى لهُ أجر مائة شهيد" . وقال أبى بن كعب: عليكم بالسبيل والسنة، فإنهُ ما على الأرض من عبد على السبيل والسنة، ذكر الله فى نفسهِ، فاقشعر جلده من خشية الله، كان مثلهُ كمثل شجرة قد يبس ورقها، فهى كذلك إذا أصابتها ريح شديد، تحات عنها ورقها، إلا حط عنهُ خطاياه، كما تحات عن الشجرة ورقها، ومن علامات محبته صلى الله عليه وسلم، زهد مدعيها فى الدنيا، وإيثاره الفقر، واتصافه به، ففى حديث أبى سعيد أن الفقر إلى من يحبنى منكم أسرع من السيل من أعلى الوادى أو الجبل إلى أسفل.
وفى حديث عبد الله بن معقل:
"قال رجل للنبى صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله إنى أحبك. فقال أنظر ما تقول؟. قال: والله إنى لأحبك ثلاث مرات، قال: إن كنت تحبنى فأعد للفقر اتحافاً" .