التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱلَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ ٱللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلَـٰئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ ٱللَّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
٧٧
-آل عمران

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً }: يستبدلون بما عاهدوا الله عليه من الإيمان بالرسول والوفاء بالأمانات، وبما كلفوا به من قولهم: والله لنؤمنن به، ولننصرنه، ثمناً قليلا هو متاع الدنيا وإن كثر عندهم وعظم، وعن ابن عباس: إذا رأيتم الرجل يريد أن يحلف فى يمين، وجبت عليه، فاقرءوا عليه هذه الآية: { إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلا... } إلخ الآية.
{ أُوْلَـئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِى الآخِرَةِ }: لا نصيب لهم فى الآخرة.
{ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ }: بكلام ينفعهم فلا ينافى قوله تعالى:
{ { فوربك لنسألنهم أجمعين } وقوله { { ولنسألن الذين أرسل إليهم } ولا يكلمهم بخلق كلام بلا واسطة ملك، كما يفعل مع بعض أوليائه، بل بواسطة الملائكة بتعنيف وقطع عذر أولا ينتفعون بكلمات الله وآياته المنزلة فى الدنيا من باب نفى الشىء بمعنى نفى الانتفاع به، أو كناية عن غضبه عليهم، لأن من لازم العصيان فى الجملة أن لا يكلم المغضوب عليه، ويدل له قوله:
{ وَلاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ }: أى لا يرحمهم، فإن الغضبان فى الجملة كما لا يكلم المغضوب عليه، لا ينظر إليه بعينه، والله جل جلاله، منزه عن صفات المخلوق فيحمل نظره على رحمته فيكون نفى الكلام والنظر معاً من باب واحد وهو أنه مغضوب عليهم، غير مرحومين، ضد المرضى عنه فى الجملة، فإن الراضى يتكلم له، وينظر إليه كثيراً.
{ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ } ولا يذكرهم بخير فى الدنيا والآخرة، كما يذكر أولياءه به فيهما، كقوله تعالى:
{ { والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم } وقوله تعالى: { سلام قولا من رب رحيم } وقوله تعالى: { التائبون العابدون.. } الآية ولا يطهرهم من الذنوب فى الآخرة أى لا يغفرها لهم، أو فى الدنيا أى لا يوفقهم للتوبة.
{ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }: عذاب شديد حتى كأنه فى نفسه متألم، أو فعيل بمعنى مفعل أى مؤلم وذلك على ما فعلوه، قال عكرمة: نزلت الآية فى أحبار اليهود ورؤسائهم كأبى رافع وابن أبى الحقيق وابن الأشرف وابن أخطب، كتموا ما عهد الله عز وجل إليهم فى التوراة من أمر سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وكتبوا بأيديهم غيره، وحلفوا أنه من عند الله، لئلا تفوتهم الرشاء التى كانت لهم من أتباعهم، وقالوا أيضاً: إن جواز الخيانة فى أمانة من خالفهم بالدين مذكور فى التوراة، وهم كاذبون عالمون بكذبهم وأخذوا على ذلك رشوة، وقال مجاهد عن عبد الله بن أبى أوفى: نزلت فى رجل حلف يميناً فاجرة فى تنفيق سلعته فى السوق، لقد اشتراها بكذا وكذا وهو اشتراها بأقل،
"وعن الأشعث: كان بينى وبين رجل من اليهود أرض فجحدنى، فقدمته إلى النبى صلى الله عليه وسلم، قال: ألك بينة قلت: لا. فقال لليهودى: احلف. فقلت: يا رسول الله إذا يحلف فيذهب ما لى. فنزلت الآية { إنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ.. }" إلخ. وفى رواية قال النبى، صلى الله عليه وسلم: "بينتك أو يمينه. قلت: إذا يحلف يا رسول الله صلى الله عليك وسلم، ولا يبالى. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من حلف على يمين صبر يقتطع بها مال امرىء مسلم فهو فيها فاجر لقى الله وهو عليه غضبان" . فنزلت الآية. وفى رواية، قال ابن مسعود رضى الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من حلف على يمين صبر يقطع بها مال امرىء مسلم لقى الله وهو عليه غضبان" فأنزل الله تصديق ذلك: { إنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ } إلخ الآية. "فدخل الأشعث، فقال: ما يحدثكم أبو عبد الرحمن بن حقيق؟ قلنا: كذا وكذا. قال: صدق فى نزلت، كان بينى وبين رجل خصومة فى بئر، فاختصمنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: شاهداك أو يمينه قلت: إذا يحلف ولا يبالى. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من حلف على يمين صبر، يقطع بها مال امرىء مسلم هو فيها فاجر لقى الله وهو عليه غضبان" ونزلت الآية. وإنما قال ولا يبالى، لأن خصمه يهودى يعتقد أن أخذ مال العرب حلال، وفى رواية فى هذه الرواية الآخرة: كانت لى بئر فى أرض ابن عم لى فجحدنى، والذى للقاضى أن الخصم فى البئر أو الأرض اليهودى، ومعنى الآية معتبر على العموم، فى كل عهد صحيح، وكل من عاهد، ولو مما أزم الرجل نفسه، وحلف كاذباً، ولو كان بسبب النزول، ومن نزلت فيه خاصين، قال أبو هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: رجل حلف على سلعة لقد أعطى بما أكثر مما أعطى وهو كاذب، ورجل حلف يميناً كاذبة بعد العصر، ليقتطع بها مال امرىء مسلم، ورجل منع فضل ماء فيقول الله له اليوم أمنعك فضلى كما منعت فضل ما لم تعمل يداك" ،. وعن أبى ذر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات قلت: خابوا وخسروا. قالوا: من هم يا رسول الله قال: المسبل، والمنان، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب" وفى رواية: "المنان بما أعطى، والمسبل إزاره، والمنفق سلعته بالحرام الكاذب" . وعن أبى أمامة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من اقتطع حق امرىء مسلم بيمينه، حرم عليه الجنة، وأوجب له النار قالوا: يا رسول الله وإن كان شيئاً يسيراً؟ قال: إن كان قضيباً من أراك" .