التفاسير

< >
عرض

كَيْفَ يَهْدِي ٱللَّهُ قَوْماً كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوۤاْ أَنَّ ٱلرَّسُولَ حَقٌّ وَجَآءَهُمُ ٱلْبَيِّنَاتُ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ
٨٦
-آل عمران

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ كَيْفَ يَهْدِى اللَّهُ قَوْماً كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُواْ أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَآءهُمُ الْبَيِّنَاتُ }: الاستفهام للاستبعاد، والهداية هنا بمعنى التوفيق لا بمعنى البيان، استبعد الله أن يوفقهم الهدى والحال أنه معاندون مكابرون، وإنما يوفق الله الكافر إذا خضع، لأن يرى الحق ما هو ويجوز أن يكون الاستفهام للنفى بهذا المعنى، وإما أن يكون للنفى بمعنى أنه لا تقبل توبة المرتد أصلا، فلا يجوز لاتفاق الأمة على قبولها، وشهدوا: مقدر بحرف المصدر، أى وإن شهدوا - بفتح الهمزة - فيأول الفعل بمصدر معطوف على إيمانهم، أى بعد إيمانهم وشهادتهم، ويجوز أن يكون من العطف على المعنى المسمى فى غير القرآن عطف توهم، وذلك أن المعنى بعد أن آمنوا وشهدوا، كقوله { فأصدق وأكن } }. سأل سيبويه الخليل فقال: جزم أكن لأن أصدق يجزم لو سقط الفاء قبله، ويجوز أن يكون شهدوا حالا من واو كفروا، أو من منع قرن لجملة الماضوية بواو الحال، قدر قد، فتكون قد وما بعدها حالا، والآية دليل لبعض أصحابنا، ولجمهور الأشعرية على أن الإيمان تصديق القلب، وأما الإقرار فللعبادة، والإعلام بما فى القلب وللأحكام، وذلك أن الشهادة باللسان، وقد ذكرت بعد الإيمان ولجمهور أصحابنا، وبعض الأشعرية: أن يقولوا ذكر الشهادة بعد الإيمان ذكر للجزء بعد ذكر الكل، الحكمة فى ذلك لجزء، وهو الإقرار من حيث إنه المشاهد، دون ما فى قلوبهم، وذلك أن جمهورنا وبعض الأشعرية، يقولون: إن الإيمان التصديق والإقرار معاً فى الشرع، وإنه لا يخرج من الشرك إن اقتصر على التصديق دون الإقرار، والرسول سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، والبينات: المعجزات، وآيات القرآن. قال ابن عباس والحسن: نزلت الآية فى اليهود والنصارى، شهدوا ببعث النبى صلى الله عليه وسلم، وآمنوا به، لنعته فى كتبهم، فلما جاء من العرب حسدوه، وكفروا به، مع أنه قد جاءهم بالبينات، ورجح الطبرى هذا، وفى رواية عن ابن عباس نزلت فى الحار ابن سويد الأنصارى كان مسلماً ثم أرتد، ولحق بمكة ثم سأل هل لهُ توبة، فنزلت الآية إلى قوله { إلا الذين تابوا } وقال النقاش: نزلت فى طعيمة بن أبيرق، وقال مجاهد: فى رجل من بنى عمرو بن عوف كفر بعد إيمانه، ولعله عنى به الحارث بن سويد، ويشمل ذلك كله غير ما رويت عن ابن عباس، أولا ما قيل أنها نزلت فى اثنى عشر رجلا ارتدوا ولحقوا بمكة، منهم الحارث وطعيمة المذكوران، ووجوج بن الأسلت.
{ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِى الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ }: أى لا يهديهم، فوضع الظاهر موضع المضمر، ليصفهم بالظلم، أى والله لا يهدى هؤلاء الكاملين فى الظلم فهذا تأكيد لقوله { كيف يهدى الله. . } إلخ، ويجوز أن يفسر القوم الظالمون بالعموم، فيشتمل القوم فى قوله { كَيفَ يَهدِى الله قَوماً.. } إلخ، وغيرهم من كل ظالم، والظالم من نقض خط نفسه بالكفر، ووضع الشىء فى غير موضعه، إذ وضعوا الكفر موضع الإيمان، أو قصر فى النظر، والمصدق واحد، ويجوز أن يراد غير القوم المذكورين أولا، فيكون هذا كالحجة على الكلام السابق، فإنه إذا كان الظالم الذى هو مشرك باق على شركه، لا يهدى ما دام فى رغبته فى الظلم، فكيف يهدى من آمن وجاءه الحق مقرراً بما آمن به، ثم أعرض وكفر.