التفاسير

< >
عرض

لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُواْ ٱللَّهَ وَٱلْيَوْمَ ٱلآخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيراً
٢١
وَلَمَّا رَأَى ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلأَحْزَابَ قَالُواْ هَـٰذَا مَا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَاناً وَتَسْلِيماً
٢٢
-الأحزاب

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة } وضم عاصم همزة أسوة هنا وفي الموضعين فى الممتحنة وهو لغة والأسوة بالكسرة والضم الخصلة يقتدى بها كثباته صلى الله عليه وسلم في الحرب وتحمله المشاق والشدائد وهو في نفسه قدوة بحسن التأسي به فالظرفية مجازية كقولك هذا الطعام عشرون مدا اي هو في نفسه عشرون مدا لا زيادة فيه فهو صلى الله عليه وسلم فيه تلك الاسوة وهي غيره وهي شأنه في الحرب وتحمل الاذى ككسر رباعيته وقتل عمه حمزة رضي الله عنه فاستنوا بسنته ووازروه وأنصروه ولا تخالفوه.
{ لمن كان يرجو الله واليوم الآخر } لمن بدل من لكم بدل بعض بناء على ان الخطاب في لكم للمؤمنين وغيرهم فانما أبدل الظاهر مع اللام من الضمير مع اللام لأن الظاهر بعض من ذلك الضمير ولك ان تقول الخطاب في لكم للمؤمنين ويبدل لمن من لكم ملاحظة لعلموم من واحاطتها كأن قيل لكم يا مؤمنون لجميع من يرجو الله ويراد بجميع من يرجو الله المؤمنون المحاطون وعلى هذا فهو من بدل الشيء من الشيء واجاز الاخفش والكوفيون ابدال الظاهر من الضمير الحاصر بدل شيء من شيء ولو يكن البدل للاحاطة وعبارة القاضي الاكثر من ضمير المخاطب لا ببدل منه وأجاز تعليق لمن بحسنة أو بمحذوف وقعت لحسنة ومعنى يرجو الله يرجو ثوابه او نعيمه الدائم او لقاءه على رضى لا سخط وايامه هي ايام النصر وان قلت فما معنى رجاء اليوم الآخر قلت رجاءه بنفسه لوقوع الخير فيه التشريف ويجوز كون المراد لمن كان يرجو اليوم الآخر وذكر الله تلذذا كقولك اعجبني زيد وفضله ولم ترد ايقاع الاعجاب الا على فضله ويجوز كون الرجاء بمعنى الخوف كذا ظهر والحمد لله.
{ وذكر الله كثيرا } في جميع الاماكن والاحوال لا في السراء وحدها شرط للرجاء كثرة الذكر باللسان مع القلب فان ذلك هي حالة رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحواله التي يقتدى بها فمقارنة الرجاء والذكر الكثير يتصل الانسان ملازمة الطاعات ويحتمل ان يكون المراد بذكر الله احضاره في القلب فينهض للطاعة وعند طلب النفس المعصية فيتزجر عنها.
وعن جابر بن عبدالله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"أيها الناس إِن لله سرايا من الملائكة تحل وتقف على مجالس الذكر في الأرض فارتعوا في رياض الجنة قالوا: وما رياض الجنة يا رسول الله؟ قال: مجالس الذكر في الارض فاغدوا وروحوا في ذكر الله وذكروا انفسكم من كان يحب ان يعلم منزلته عند الله فلينظر كيف منزلة الله عنده فان الله ينزل العبد منه حيث انزله من نفسه" .
وعن ابي الدرداء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عن الله سبحانه انا مع عبدي اذا هو ذكرني وتحركت بي شفتاه" .
وعن معاذ بن جبل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أحب الأعمال الى الله أن تموت ولسانك رطب من ذكر الله" .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لأصحابه ان الاحزاب سائرون اليكم تسعا او عشرا" اي في آخر تسع ليال او عشر فلما رآهم قد اقبلوا للأجل قالوا: ما حكى الله عنهم بقوله: { ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله } وقيل وعدهم ان الاحزاب تأتي وتحصرهم ويلاقون منها شدة وان العاقبة لهم عليها ولما رأوهم جاءوا قالوا صدق الله ورسوله لما رأوا الصدق في محبتهم قالوا كما كان الصدق في المجيء كان في نصرنا عليهم فسننصر عليهم قطعا وان قلت الواعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف نسب صدق الوعد الى الله سبحانه كما نسبه لرسوله قلت لا يخفى والحمد لله انما اخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغيب انما هو عن الله وقيل وعدهم الله على لسان رسوله ان يزلزلوا حتى يستغيثوا في قوله.
{ أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم } ولما جاء الاحزاب قالوا اي مجيئ الاحزاب وهو بلاء.
{ هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله } ويجوز ان يكون مرادهم النصر على الاحزاب واين هذا من قول المنافقين.
{ ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا } قال عياض ويحتمل انهم أرادوا صدق ما وعدهم بآية البقرة وصدق الوعد بالنصر على الاحزاب وهم عالمون ان الله ورسوله صادقان في كل حال لكن اخبروا بصدقهما استبشارا وتسلية وردا على من يقول بغير ذلك او المراد قد ظهر صدقه الذي نعتقده واقاموا الظاهر موضع المضمر تعظيما لله ورسوله صلى الله عليه وسلم وتلذذا بذكرهما وتأنيسا.
وقرأ حمزة وابو بكر في رواية عنه بإمالة فتحة راء رأى واخلاص فتحة همزته وصلا.
وروي عنه انه يميل فتحتها ايضا والوقف أولى بإمالة الهمزة لثبوت الالف بعدها فيه.
{ وما زادهم } ما رأوه من الخطب والبلاء من الاحزاب.
{ إلا إيمانا } تصديقا بالله ومواعده.
{ وتسليما } لقضائه، وذكر الكلبى أن الأحزاب لما خرجوا من مكة امر رسوله الله صلى الله عليه وسلم بالخندق ان يحفروه فقالوا: يا رسول الله وهل اتاك من خبر؟ فقال: نعم، فلما حفر الخندق وفرغ منه أتاهم الأحزاب فقالوا: { هذا ما وعدنا الله } الاية وأثنى الله عليهم بزيادة الايمان والتسليم لقضائه.