التفاسير

< >
عرض

وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِيۤ أَنعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَٱتَّقِ ٱللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا ٱللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى ٱلنَّاسَ وَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِيۤ أَزْوَاجِ أَدْعِيَآئِهِمْ إِذَا قَضَوْاْ مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ ٱللَّهِ مَفْعُولاً
٣٧
-الأحزاب

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ وإذ تقول } اي واذكر اذ تقول.
{ للذي أنعم الله عليه } بالاسلام وتوفيقك لعتقه واختصاصه بالتبني وتوفيقك لان خطبت له المرأة الجميلة وزوجتها له.
{ وأنعمت عليه } بما وفقتك اليه وهو زيد بن حارثة.
{ أمسك عليك } عمل الواحد وهو امسك في ضميرين لواحد وهما الضمير المستتر والكاف لان الكاف توصل اليه ذلك العامل بعلى أو لتقدير مضاف اي على نفسك.
{ زوجك } زينب او ام كلثوم على ما مر وذلك
"ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما زوجها من زيد ومكثت عنده حينا اتى زيدا يوما لحاجة فأبصرها في درع وخمار وهي بيضاء جميلة من اتم نساء قريش فوقعت في نفسه واعجبه حسنها فقال: سبحان الله مقلب القلوب القى الله سبحانه في قلبه حبها بعد ان كان لا يحبها فلما جاء زيد ذكرت له ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ففطن لذلك والقى الله كراهتها في قلبه في الوقت فذهب الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: اني اريد ان افارق صاحبتي فقال له مالك ارابك منها شيء قال: لا والله يا رسول الله ما رأيت منها الا خيرا ولكنها تتعظم علي بشرفها وتؤذيني بلسانها. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أمسك عليك زوجك" .
{ واتق الله } فيها ولا تفارقها اولا تنسبها الى التعظيم بشرفها والاذاء بلسانها فانها مؤمنة لا يليق بها ذلك.
وقال الكلبي:
" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اتى زيدا زائرا فأبصرها قائمة فأعجبته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سبحان الله مقلب القلوب فرأى زيد ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مر بها وقال: يا رسول الله ائذن لي في طلاقها فان فيها كبر وانها لتؤذيني بلسانها.
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: امسك عليك زوجك واتق الله في أمر طلاقها فلا تطلقها ضرارا او تعللا بتكبرها فأمسكها ما شاء الله ثم طلقها فلما انقضت عدتها انزل الله نكاح رسول الله سبحانه اياها { واذ تقول للذي أنعم الله عليه } الى قوله { فلما قضى زيد منها وطرا } "
.
وان قلت: كيف رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى اعجبته؟ قلت: هي رؤية فجأة لم يتعمدها لسوء حاشاه وبتلك الرؤية الفجائية حصل في قلبه استحسانها واعجبته او رأى وجهها لا لشهوة بل كانت النساء لا تحتجبين منه فحصل له ذلك.
وروي عن علي بن الحسن: ان الله سبحانه وتعالى اوحى الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ان زيدا يطلق زينب واني ازوجكها فلما يشكي زيد للنبي صلى الله عليه وسلم خلق زينب وانها لا تطيعه واعلمه انه يريد طلاقها قال له النبي صلى الله عليه وسلم على جهة الأدب والوصية "اتق الله في قولك وامسك عليك زوجك" وهو يعلم انه سيفارقها ولم يرد ان يأمره بالطلاق لعلمه انه سيتزوجها وأمره قيل: بإمساكها قمعا للشهوة وردا للنفس عما تهوى ووجهه مع علمه انه سيتزوجها ان الله لم يأمره بتزوجه في ذلك الوقت فجاز له التأخير للقمع والرد المذكورين.
وقيل أمره بإمساكها لصعوبة تزوجها لها اذ فيه قول الناس انه تزوج امرأة ابنة بل قد يكذبون ويقولون امره بطلاقها فلما طلقها تزوجها فما كان تزوجه لها كالشيء الذي تعلم انه حلال لك وانك لا بد فاعله لكنك تؤخره لصعوبة حاله ومع امره بالامساك قد كان في قلبه حب طلاق زيد لها وحب تزوجها كما قال.
{ وتخفي في نفسك } أي تضمر.
{ ما الله مبديه } مظهره من قضاء الله بتزوجك لها ومن حبك لها وحب طلاق زيد لها والواو للعطف على تقول او للحال على تقدير المبتدأ وقد اجيز كونها للحال ولو بلا تقدير مع انها داخلة على مضارع مثبت.
{ وتخشى الناس } تستحيهم ان يقولوا تزوج امرأة ابنه او امره بطلاقها فتزوجها مع انه صلى الله عليه وسلم لم يأمره.
{ والله أحق أن تخشاه } ان كان فيهما تخشى وان لم تكن فيه ما تخشى الله فيه فكيف تخشى الناس.
وعن عائشة رضي الله عنها: لو كتم رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا من الوحي لكتم هذه الآية.
وقالت هي وعمرو وابن مسعود رضي الله عنهم: ما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم آية أشد من هذه ولم يعاتب الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم على الاخفاء وحده بل على الاخفاء مخافة من الناس وعلى اظهار ما ينافي ضماره فان مضمره حبها وحب تزوجها وطلاق زيد ومظهره امر زيد بامساكها.
وان قلت فما إذاً ينبغي ان يقوله لزيد اذ قال له اريد طلاقها لتعظمها واذائها؟
قلت: الأولى أن يصمت أو يفوض الأمر الى زيد فاذا لم يفعل ذلك عاتبه الله اذ خالف ظاهر لفظه علانيته فان الله سبحانه يريد من الانبياء تساوي الظاهر والباطن والتصلب في الأمر والاستمرار على طريقه كما قال صلى الله عليه وسلم
"ما ينبغي لنبي أَن تكون له خائنة الأعين" وفي رواية "إِن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لا تومض ظاهرهم وباطنهم واحد" وذلك حين اراد قتل عبدالله بن ابي سرح واعترض عثمان بشفاعته فلما ذهب قال "هلا قام احدكم فقتله" فقال عمر: هل رمزت الينا لقد كان عيني الى عينك هل تشير الي فاقتله؟ فقال له صلى الله عليه وسلم ما ذكر ويجوز ذلك لغيره صلى الله عليه وسلم ذكره في المواهب اعني الاشارة لمباح كقتل من حل قتله. ولما كان اظهار النبي صلى الله عليه وسلم ما في قلبه من جهة تلك المرأة جائزا لا ذنب فيه كان الأولى ان يظهره او لا ينطق بما يدل على خلافه ولا سيما ان اظهاره سلم الى حصول امر ديني يترتب عليه وهو النص على تحليل زوجة المتبني للمتبني فكيف يستحي من امر ان يجر امرا دينيا وهو ان الله جعل طلاق زيد وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بها ازالة لحرمة زوجة المتبنى مع ان تناول المباح بطريق شرعي لا عيب فيه ولا قبح وهو تزوجه صلى الله عليه وسلم بها من غير استنزال زيد عنها وهو أقرب اليه من زر قميصه مع قوة علمه بأن زيدا متجاف عنها قلبه ولو لم يكن متجافيا فانه لا يستنكر ان يطلق الرجل امرأته ليتزوجها صديقه كما فعلت الأنصار للمهاجرين وليس قوله سبحانه { والله أحق أن تخشاه } يقتضي انه صلى الله عليه وسلم لم يكن خاشيا لله عز وجل فقد قال صلى الله عليه وسلم: "أنا أخشاكم لله وأتقاكم له" .
{ فلما قضى زيد منها وطرا } حاجة ولم يبق فيها ارب وطابت عنها نفسه فطلقها وانما عبر بقضاء الوطر ليعلم ان زوجة المتبني تحل لمتبنيه ولو بعد دخوله بها وقيل قضاء الوطر كنيابة عن الطلاق فكأنه قيل ولما طلقها ولما قال لها لا حاجة لي فيك وأراد الطلاق.
{ زوجناكها } وقرىء { زوجتكها } وهي قراءة أهل البيت.
قيل لجعفر بن محمد: اليس تقري على غيرك؟ فقال: لا والذي لا اله الا هو ما قرأته على ابي الا كذلك ولا قرأها علي بن أبي طالب الا كذلك على النبي صلى الله عليه وسلم زوجه الله عز وجل اياها بلا عقد ولي ولا شهود وذلك من خصوصيته لأن الأمر لله وقد فعل له ذلك فكانت تقول لسائر نسائه: ان الله سبحانه وتعالى تولى نكاحي وانتن زوجكن اولياءكن.
وروى انها لما انقضت عدتها قال صلى الله عليه وسلم لزيد: ما اجد اوثق في نفسي منك اخطب علي زينب.
قال زيد: فانطلقت فاذا هي تخمر عجينها فلما رأيتها عظمت في صدري حتى لا استطيع ان انظر اليها حين علمت ان رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرها فوليتها ظهري وقلت لها: يا زينب ابشري فان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطبك ففرحت وقالت ما انا بصانعه شيئا حتى أوامر ربي فقامت الى مسجدها ونزل القرآن ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بلا اذن وذلك ابتلاء عظيم وشاهد بيّن على قوة ايمانه.
وروي انها قالت: لي ثلاث لم تكن لواحدة من نسائك جدي وجدك واحد وانكحنيك الله في السماء والسفير جبريل وما أولم على واحدة من نسائه ما أولم عليها ذبح شاة واطعم الناس الخبز واللحم حتى اشتد النهار وتركوه ولما اكل الناس الى نصف النهار وخرجوا قال انس: بقي اناس يتحدثون بعد الطعام - وفي رواية - بقي ثلاثة رجال فخرج صلى الله عليه وسلم وكان يتهيأ للقيام فلا يقومون فخرج لذلك واتبعته وجعل يتتبع حجر نسائه يسلم عليهن ويقلن: يا رسول الله كيف وجدت اهلك فانطلق ليدخل فاذا القوم جلوس فخرجوا فأخبرته فجاء فدخل البيت وذهبت لأدخل معه فالقى الستر بيني وبينه.
وروي انه لما نزل { وإذ تقول للذي أنعم الله عليه } الى { زوجناك } دعا زيد فقرأ عليه ذلك وقال: اخبرها فانطلق الى زينب فاستفتح الباب فقالت: من هذا؟ قال: زيد.
قالت: وما حاجة زيد لي وقد طلقني؟
فقال: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم ارسلني.
فقالت: مرحبا برسول رسول الله ففتح له فدخل عليها وهي تبكي فقال زيد: لا تبكي لا ابكى الله عينك قد كنت نعمت المرأة - أو قال - نعمت الزوجة ان كنت لتبرين قسمي وتطيعين امري وتبتغين مسرتي وقد ابدلك الله خيرا مني.
فقالت: من لا ابا لك؟
فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرت ساجدة.
وكان تزوجه بها صلى الله عليه وسلم سنة خمس وقيل ثلاث وهي اول من مات من ازواجه بعده.
قالت عائشة: لم تكن امرأة خيرا منها في الدين وأتقى لله وأصدق حديثا واوصل للرحم واعظم صدقة واشد ابتذالا لنفسها في العمل الذي يتصدق به ويتقرب به الى الله وماتت بالمدينة سنة عشرين وقيل احدى وعشرين ولها ثلاث وخمسون سنة وصلى عليها عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهي اول من جعل على جنازتها نعش واما زيد فمات في غزوة مؤته ومات ابنه اسامة الذي ولده من مولاة النبي صلى الله عليه وسلم ام ايمن واسمها بركة زوجها له حين اعتقه بالمدينة وقيل بوادي القرى سنة اربع وخمسين.
{ لكيلا يكون } متعلق بزوجناكها.
{ على المؤمنين حرج } اثم وتضييق.
{ في أزواج أدعيائهم } جمع دعي.
{ إذا قضوا } أي الأدعياء.
{ منهن وطرا } وانما الحرج في زوجة الابن الحقيقي فانها لا تحل للاب.
{ وكان أمر الله } ما يريده من تزويجك بها ونفي الحرج في ازواج الادعياء وغير ذلك.
{ مفعولا } لا محالة قال جار الله ويجوز ان يراد بأمر الله المكون لانه مفعول يكن وهو امر وفي ذلك كله رد على المشركين اذ قالوا يا محمد زعمت ان حليلة الابن لا تحل للاب وقد تزوجت حليلة ابنك.