التفاسير

< >
عرض

وَتَوَكَّلْ عَلَىٰ ٱللَّهِ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلاً
٣
مَّا جَعَلَ ٱللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ ٱللاَّئِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَآءَكُمْ أَبْنَآءَكُمْ ذَٰلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ وَٱللَّهُ يَقُولُ ٱلْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي ٱلسَّبِيلَ
٤
ٱدْعُوهُمْ لآبَآئِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ ٱللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوۤاْ آبَاءَهُمْ فَإِخوَانُكُمْ فِي ٱلدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَآ أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَـٰكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً
٥
ٱلنَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُوْلُواْ ٱلأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ ٱللَّهِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُهَاجِرِينَ إِلاَّ أَن تَفْعَلُوۤاْ إِلَىٰ أَوْلِيَآئِكُمْ مَّعْرُوفاً كَانَ ذَلِكَ فِي ٱلْكِتَابِ مَسْطُوراً
٦
-الأحزاب

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ وتوكل على الله } في كل أمورك.
{ وكفى بالله } الباء صلة والله فاعل كفى هذا مذهب سيبويه وقيل فاعل كفى مستتر وجوبا لانه فعل امر على صورة الماضي والباء متعلقة به اي اكتف بالله.
{ وكيلا } موكولا اليه الأمر وهو حال ويجوز كونه تمييزا على ضعف لاشتقاقه وقيل الوكيل الحفيظ لك وقيل الكافل برزقك وامته تبع له في ذلك وكانت العرب تعتقد ان للانسان قلبا يأمره وقلبا ينهاه لما رآه ومن تضاد الخواطر فنزل:
{ ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه } باطنه الحالي وقيل سبب نزول ذلك ان بعض العرب يقول: لي قلبان كل منهما يعقل افضل من عقل محمد وهو ابو معمر حميد بن معمر المصري وكان لبيبا حافظا. وقالت قريش له قلبان لشدة حفظه وقيل جميل بن اسد.
وذلك ان القلب معدن الروح التي تعلقت النفس بها وانه منيع القوى بأسرها وكون القلب معدنا للروح ومنبعا للقوى يمنع التعدد لئلا يلزم التناقض وهو ان كلا من القلبين اصل لجميع القوى وغير اصل لها ولو كان قلبان فاما ان يفعل بأحدهما ما يفعل بالآخر من أفعال القلب، فأحدهما فضله غير محتاج اليه واما ان يفعل بأحدهما غير ما يفعل بالآخر فذلك يؤدي الى اتصاف الجملة بكونه مريدا كارها عالما ظانا موقنا شاكا في حالة واحدة ومعنى قول لقمان لابنه كن ذا قلبين كن ذا نورين في قلبك فسمى الحالين باسم محلهما.
وان قلت فقد قيل القلب قلبان قلب يقبل به العبد على ربه وقلب يدبر به أمر دنياه لقوله صلى الله عليه وسلم:
"سبحان مقلب القلوب" ، والعبد ما دام مشتغلا بسيده فانه محجوب عن نفسه وما دام مشغولا بها فمحجوب عن سيده. كما ان للعقلين طبعين طبع للدنيا مؤتلف بالنفس الشهوانية وطبع للأخرة مؤتلف بالملكات الروحانية؟
قلت: انما ذلك متوجه للطيفة الربانية وغيرها لا للبضعة الجسمانية ويح حميد بن معمر لو كان له قلبان كما ادعى وادعي له ما مشى بفعل واخرى في يده اذ هزم مع المشركين يوم بدر ولم ينتبه لذلك حتى لقيه ابو سفيان فقال له: يا ابا معمر ما حال الناس؟ فقال: انهزموا. فقال له: فما بال نعليك واحدة في رجلك واخرى في يدك؟ فقال: ما شعرت الا انهما في رجلي. فلو كان له قلبان يحفظ بواحد ما انفلت عن الآخر لعلم بذلك.
وقال عياض: الآية نفي لأشياء كانت العرب تعتقدها في ذلك الوقت واعلام بحقيقة الامر، فمنها ان العرب كانت تقول للانسان قلبان قلب يأمره وقلب ينهاه، وتعتقد ان الزوجة التي ظوهر منها كالأم وتعتقد المتبنى ابنا فنفى الله بقوله عز وجل:
{ ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون } الخ. وعن ابن عباس انه يقول المنافقون: لمحمد قلبان فكذبهم الله وقيل سهى في صلاته، فقالت اليهود: له قلبان قلب مع اصحابه وقلب معكم وفي رواية عن ابن عباس رضي الله عنهما قام نبي الله صلى الله عليه وسلم يوما يصلي فحصلت له وسوسة في قلبه فقال المنافقون الذين يصلون معه له قلب معكم وقلب معهم فنزلت الآية.
وقال الحسن: نزلت في ان الواحد يقول نفس تأمرني ونفس تنهاني وقيل لما امره الله عز وجل بالتقوى ومن حقها ان لا يكون في القلب تقوى غير الله قال:
{ ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه } أي لأن المرء ليس له قلبان يتقي بأحدهما الله وبالآخرة غيره وقيل ذلك مثل ضربه الله للمظاهر والمتبنى يريد كما لم يجمع قلبين في جوف لم يجعل المرأة الواحدة اما لرجل زوجا له لان الأم مخدومة مخفوض لها جناح الذل والزوجة مستخدمة متصرف فيها بالافتراش وغيره كالمملوكة ولم يجعل ولدا واحدا ابنا لرجلين كيف يكون الولد دعيا لرجل ابنا له والبنوة أصالة في النسب عراقة فيه والدعوة الصاق عارض بالتسمية فإن من ادعاه يسميه ابنا له ولا يجتمع في الشيء الواحد ان يكون اصيلا غير اصيل وعلى كل تفسير فتنكير رجل وادخال تأكيد ان وذكر الجوف مع انه معلوم ان القلب في الجوف زيادة في التصور فإن السامع إذا سمع به صور لنفسه جوفا يشتمل على قلبين فذلك اسرع له في الانكار.
{ وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم } كان الرجل في الجاهلية يطلق امرأته بأن يقول لها انت عليّ كظهر امي فيراها حراما عليه كأمه ابدا وان ما يجب بذلك الكفارة والمس بعدها قبل مضي اربعة اشهر. كما تأتي في المجادلة ان شاء الله وان فاته ذلك فليخطبها ان شاء الله في الخاطبين فنسخ الله فعلهم أعني أبطله وذكر انهن لسن كأمهاتكم في الحرمة وان ذلك منكر وزور منكم قرأ قالون وقنبل (للاهنا) وفي المجادلة والطلاق بالهمزة من غير ياء وورش بياء مختلسة الكسرة خلفا من الهمزة واذا وقف صيرها ياء ساكنة والبزي وابو عمرو بياء ساكنة بدلا من الهمزة في الحالين والباقون بالهمزة في الحالين وحمزة اذا وقف جعل الهمزة بين بين على اصله ومن لم يهمز اشبع التمكين للالف في الحالين الا ورشاً فان المد والقصر جائزان في مذهبه، وأصل تظاهرون يتظاهرون ابدلت التاء الثانية طاء وادغمت في الظاء وقرأ ابن عامر { تظاهرون } بتشديد الظاء كذلك وبعدها الف وبعد الالف هاء مفتوحة وقرأ حمزة والكسائى بالحذف للتاء الثانية فتبقى الظاء غير مشددة وبعدها الف فهاء مفتوحة وقرأ عاصم { تظاهرون } بضم التاء وتخفيف الظاء وكسر الهاء وقريء تظهرون بضم التاء وفتح الظاء وكسر الهاء مشددة من ظهر بالتشديد بمعنى ظاهر وكل ذلك من معنى الظهار وقريء يظهرون بفتح الياء واسكان الظاء وفتح الهاء من الظهور بمعنى الخلاص منهم ومرادهم بالظهر الكناية عن البطن كنوا به لئلا يذكروا البطن الذي يقارب الفرج ويقارن ذكره ذكر الفرج واختاروا الكناية بالظهر لأنه عمود البطن او ذكروا الظهر لأن جماع المرأة وظهرها الى السماء حرام عندهم قال اهل المدينة يجيء به الولد أحول فكانوا يغلظون به طلاقهم وشددوا التغليظ بجعله ظهر الأم وعدي الظهار بمن لتضمنه معنى المجانبة او التباعد او التحرز او الوحشة او الخوض وكانت العرب تغادر في الجاهلية وتسابا فسبي زيد بن حارثة من شراحبيل وهو رجل من كلب سبي صغيرا فاشتراه حكيم من حزام لمعته خديجة فلما تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهبته له وطلبه ابوه وعمه فخير فاختار رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعتقه وكانوا يقولون زيد بن محمد وآخى بينه وبين حمزة رضي الله عنه فأنزل الله في تحريم التبني.
{ وما جعل أدعياءكم أبناءكم } وكانوا في الجاهلية يتبنون من عجبهم وجهه او شجاعته او خصلة منه ويرث كواحد من اولاد من تبناه ويرثه هو ونسخ ذلك بهذه وقيل نزلت في شأن تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش وكانت تحت زيد بن حارثة وقول المنافقين تزوج محمد امرأة ابنه وهو ينهي عن ذلك الناس فأبطل الله التبني وبين انه ليس حكم المتبني حكم الولد الحقيقي، كما قال { ذلكم قولكم } الخ وادعياء جمع دعي فعيل بمعنى مفعول وانما جمع على افعلاء مع ان افعلاء جمع لفعيل بمعنى فاعل كتقي وأتقياء وولي وأولياء للمشابهة اللفظية وهو شاذ غير مقيس اما اعتلال اللام فموجود وهو شرط.
{ ذلكم قولكم بأفواهكم } كالهذيان لا حقيقة له فان المدعو ليس بابن حقيقة والزوج ليست بأم حقيقة.
{ والله يقول الحق } في ذلك.
{ وهو يهدي السبيل } سبيل الحق أي يرشد اليه وذكر بعض ما هو الحق وسبيل الحق بقوله:
{ ادعوهم لآبائهم } انسبوهم لآبائهم مثل زيد بن حارثة افادت انه لا يجوز نسبة من له اب الى امه لأن الآية ولو كانت في النهي عن نسبة احد الى من يتبناه لكن لفظها عام في مفهوم النهي عن نسبته الى غير ابيه مطلقا بالتبني او بغير التبني والى امه ولا فرق في ذلك بين ان يكون منسوبا بالنداء او بغير النداء بحضرة احد او بغيره ففيها الرد على اصحاب حساب المريض وبعض الفلكيين وغيرهم في النسبة الى الأم غير اني رأيت في المواهب عن الحميدي
"ان فاطمة رضي الله عنها اتت رسول الله صلى الله عليه وسلم تشكوا ما تلقى من ضربان الضرس فادخل سبابته اليمنى فوضعها على السن الذي يألم فقال بسم الله وبالله اسألك بعزك وجلالك وقدر قدرتك على كل شيء فإن مريم لم تلد غير عيسى من روحك وكلمتك ان تشفي ما تلقى فاطمة بنت خديجة من الضر كله" فسكن ما به ولعل هذا عمدة من ينسب الانسان الى امه عند معالجة مرضه او جنونه ولا سيما من لا يذكره مضافا لأمه بل يقتصر على حساب اسمه واسم امه.
{ هو أقسط عند الله } الضمير للدعاء الذي يدل عليه ادعوهم وأقسط بمعنى اعدل وهو اسم تفضيل قصد به مطلق الزيادة والمبالغة في العدل لا تفضيل على شيء مخصوص مثل دعائهم لمن تبناهم فانه ليس قسطا فضلا عن ان يكون دعاء وهم لآبائهم أقسط منه أو لما كانت نسبتهم الى من تبناهم قسطا عند الناس كر الله ان هذا أقسط عند الله من ذلك لو كان قسطا تحقيقا وأقسط خارج عن معنى التفضيل اي هو قسط وغيره جور.
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ان زيدا بن حارثة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كنا ندعوه إلا زيد بن محمد حتى نزل { ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله } الآية فكنا نقول زيد بن حارثة.
{ فإن لم تعلموا آبائهم فإخوانكم في الدين } اي فهم اخوانكم في الدين.
{ ومواليكم } اي اوليائكم في الدين فيقول الرجل هذا اخي او جاء او يا اخي ونحو ذلك عانيا الاخوة في الدين او هذا مولاي او جاء مولاي او يا مولاي او يا مولاي وهو يعني ولاية الدين وظاهر كلام بعضهم الى المولى بمعنى المملوك وكانوا بعد نزول ذلك يقولون سالم مولى ابي حذيفة يعنون مملوكه او وليه في الدين والذي يظهر لي ان الآية من المجاز المركب فان تركيبها وضع للأخبار بان من لم يعلم ابوه فهو اخ ومولى في الدين لكن استعمل في الآية بتسميته أخا ومولى يه وقيل معنى المولى المعتق اي هم محرورن ليسوا بنيكم فسموهم بأسماء اخوانكم في الدين وقيل ابن العم.
{ وليس عليكم جناح } اثم.
{ فِيما أخطأتم به } حالفتم به طريق الحق من قولكم لولد غيركم يا ابني ونسبتكم لولد غيركم الى غير ابيه وقولكم مواليكم يا ابنائنا ونسبتكم لهم لغير آبائهم قبل نزول النهي على العمد وبعده على طريق النسيان وسبق اللسان فالمراد بالأخطاء مخالفة الحق عمدا او نسيانا او غلطا على ما ذكرت.
{ ولكن ما تعمدت قلوبكم } اي ولكن الجناح فيما تعمدتم بعد النهي فحذف المبتدأ وحرف الجر لذكر مثلهما او ما مبتدأ والخبر محذوف اي فيه جناح وقال جار الله: ما معطوف يعني الواو على ما اخطأتم يعني ولفظ لكن لمجرد الاستدراك داخلة على المفرد وذلك غير مقبول على المشهور ويجوز ان يريد بالآية العفو عن الخطأ دون العمد على طريق العموم كقوله صلى الله عليه وسلم:
"ما اخشى عليكم الخطأ ولكن اخشى عليكم العمد" ، وقوله: "وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما اكرهوا عليه" ودخل في ذلك العمد فيما نحن فيه بعد النهي والخطأ، فمن تعمد فله النار وعن سعيد بن ابي وقاص وابي بكر من ادعى الى غير ابيه وهو يعلم انه غير ابيه فالجنة عيله حرام ودخل في الخطأ من انتسب لغير ابيه يعتقد انه ابوه.
وان قلت فما الحكم في من قال لمملوكه انت ابني او يا ابني او نحو ذلك؟ قلت: الحكم فيه عندنا معشر الأباضية ان مملوكه خرج حرا.
وان قال اردت انه كأبني في الرحمة لم يصدق وقيل يدان وان قال ذلك لحر يمكن ان يلده ولا قرينة تكذبه التحق به نسبه وتوارثا ان صدقه الولد وكذا عند ابي حنيفة والمالكية ولا عبرة بالتبني عند الشافعية.
{ وكان الله غفورا رحيما } لمن تاب والتحقيق عندي في مثل هذا الماضي ان يفسر بمعنى ثبت له كذا وكذا والاصل فيما ثبت دوامه فالمعنى ان الله سبحانه يثبت له صفة الغفران والرحمة وهو بمعنى قول طلبة فعل الدوام والاستمرار.
فائدة قال السهيلي: جبر الله وحشة زيد وشرفه بانزال اسمه في القرآن { فلما قضى زيد منها وطرا } يتلى في المساجد والمحاريب وغيرها وفي الجنة اذا قرأ اهل الجنة جعل الله له ذلك عوضا من الفخر بأبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وزاده غاية الاحسان اذ قال { وإذ تقول للذي أنعم الله عليه } الخ فدل انه عند الله من أهل الجنة انتهى، ووري أنه صلى الله عليه وسلم اراد غزوة تبوك فأمر الناس بالاستعداد والخروج فقال ناس نستأذن آبائنا وامهاتنا فنزل { النبى أولى بالمؤمنين من أنفسهم } فهم كالملك له لا يستأذنون في نحو ذلك احدا بل عليهم فعل ما امروا به نعم من له عذر من والد او والدة فليخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يخرج احد لقتال غني عنه الا باذن ابويه ويجوز أن يكون المعنى انه صلى الله عليه وسلم ارحم واشفق عليهم من انفسهم لانه يحب لهم مصالحهم الدنيوية من حيث لا ينتبهون لها والأخروية كدخول الجنة والنجاة من النار حتى انه معهم ومع غيرهم كرجل مع من اراد القاء نفسه في بئر وحريق كلما هم بالالقاء مسكه ومعه والواجب عليهم ان يحبوه اكثر من ما يحبون انفسهم ويقوه المعاطب بأنفسهم ولا يمتنعون عن امر اراد هز وعنه صلى الله عليه وسلم:
"ما من مؤمن إلا وأنا أولى به في الدنيا والآخرة اقرءوا ان شئتم { النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم } فأيما مؤمن ترك مالا فلورثته وعصبته ما كانوا فان ترك دينا او ضياعا فعلي فأما مولاه" رواه ابو هريرة والضياع مصدر سمي به العيال او جمع ضائع كقائم وقيام.
وروي قال عياض قال بعض العارفين: هو صلى الله عليه وسلم اولى بالمؤمنين من انفسهم لان انفسهم تدعوهم الى الهلاك وهو يدعوهم الى النجاة قال عياض ويؤيد مقولة صلى الله عيله وسلم:
"فأنا آخذ بحجركم عن النار وأَنتم تقتحمون فيها اقتحام الفراش" والحجر جمع حجرة وتبعه ابي بعد ان كان يقرأ { وأزواجه أمهاتهم } وهو اب لهم وكذا في مصحفه ثم تبع ابن عباس وقيل عن ابن مسعود ازواجه امهاتهم وهو اب قال مجاهد كل نبي فهو ابو امته ولذلك صار المؤمنون اخوة لان النبي صلى الله عليه وسلم ابوهم في الدين وهو اصل فيما فيه الحياة الطيبة الابدية.
{ وأزواجه أمهاتهم } وهو أبوهم كما مر آنفا والمراد انهن امهاتهم في التعظيم والمبرة وحرمة نكاحهن وهذا اوجه الشبه المراد في الكلام ومن في غير ذلك بمنزلة الاجنبيات.
قالت عائشة رضي الله عنها: لسنا أمهات النساء تعني انهن امهات الرجال لكونهن محرمات عليهم كتحريم امهاتهم.
قال جار الله: والدليل على ذلك ان هذا التحريم لم يتعد الى بناتهن وكذلك لم يثبت لهن سائر احكام الامهات فالخلوة بهن والنظر اليهن لا يجوز ولا يقال لبناتهن اخوات المؤمنين ولا لاخواتهن خالاتهم وتزوج الزبير اسماء بنت أبي بكر اخت عائشة ولم يقل خالة المؤمنين وقيل ازواجه امهات المؤمنين والمؤمنات ويرده ما مر عن عائشة وفي رواية عن مسروق ان امرأة قالت لعائشة يا اماه. فقالت لست لك بأم انما انا ام رجالكم فمعنى الامومة تحريك نكاحهن.
{ وأولو الأرحام } اصحاب القرابة.
{ بعضهم أولى ببعض } في الميراث هذا ناسخ للارث بالهجرة كان صلى الله عليه وسلم يؤاخي بين الرجلين فاذا مات احدهما ورثه الآخر دون عصبته واقاربه الذين اسملوا ولم يهاجروا حتى نزل ذلك بل كانت المؤاخاة على ان كلا من المتآخين يرث الآخر ولو حضر وارثه مسلما لم يرث وآخا صلى الله عليه وسلم بين ابي بكر وعمر قبل الهجرة وآخا بعدها بين ابي بكر وخارجة وبين ابي عبيدة بن الجراح وسعد بن معاذ يؤاخي بين مهاجر وانصاري قال الخازن وقيل في معنى الآية لا توارث بين المسلم والكافر ولا بين المهاجر وغير المهاجر.
قال الزهري: مات ابو طالب عن طالب وجعفر وعلي وعقيل وورثه طالب وعقيل دون جعفر وعلي لانهما ليسا بمشركين يوم مات وذلك في مكة قبل الهجرة.
{ في كتاب الله } القرآن واللوح المحفوظ أو ما فرض وحكم به الله وما انزل وهو هذه الآية وآية المواريث.
{ من المؤمنين والمهاجرين } الذي يظهر لي انه بيان لأولي الأرحام فهو حال من الضمير في أولى ببعض فان كلا منهم أولى بقريبه فكلهم اولى ثم رأيت القاضي ذكر بعض ذلك او من هي من التفضيلية متعلقة باولى اي اولى لحق القرابة للميراث من المؤمنين بحق الدين والمهاجرين بحق الهجرة ومن التفضيلية للابتداء في بعض الأقوال والمراد بالمؤمنين المؤمنون الذين آخا رسول الله صلى عليه وسلم بينهم.
{ إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا } الاستثناء متصل والمستثنى منه ما تدل عليه الأولية في قوله { أولى ببعض } من النفع والاحسان كأنه قيل القريب أولى من الأجنبي في النفع كميراث وهبة وهدية وصدقة إلا في الوصية وهي المراد بالمعروف في الآية فانه لا وصية لوراث ويجوز كون الاستثناء منقطعا لكي أن تفعلوا الى اوليائكم معروفا بوصية فجائز واولى من ذلك ان تجعل المعروف بمعنى الهدية والاحسان في الحياة والوصية عند الموت وقيل المعروف النصر وحفظ الحرمة بحق الايمان والهجرة وقيل الا ان توصوا الى قرابتكم بشيء وان كانوا من غير اهل الايمان والهجرة وقد اختلفوا في ثبوت الوصية للمشركين والذي اختاره ثبوتها وعدي تفعلوا بالي لتضمنه معنى الانهاء والايصال.
{ كان ذلك } أي نسخ الارث بالايمان والهجرة بارث القرابة او كون الارحام بعضهم اولى ببعض والمعنى واحد والمراد ما ذكر وكونه صلى الله عليه وسلم اولى بالمؤمنين من انفسهم وكون ازوجه امهاتهم.
{ في الكتاب } القرآن او اللوح المحفوظ وقيل التوراة.
{ مسطورا } مكتوبا وكتابته في القرآن أو التوراة تستلزم كتابته في اللوح المحفوظ والجملة مستأنفة مقررة لما ذكر وكالخاتمة له ومثل ذلك يسمى في البديع النذيل.