التفاسير

< >
عرض

يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَآءُ مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَٱلْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ ٱعْمَلُوۤاْ آلَ دَاوُودَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ ٱلشَّكُورُ
١٣
-سبأ

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل } قصور حصينة ومساكن شريفة يصعد اليها بدرج والمجالس الشريفة المصونة عن الابتذال وسمي ذلك محاريب لانها يحامى عليها ويذب عنها ويحارب عليها.
وعن مجاهد: المحاريب القصور وقال الحسن: المساجد وقال الكلبي: المساجد والقصور بناء بيت المقدس.
من عرائس القرآن قال صلى الله عليه وسلم:
"صخرة بيت المقدس على نخلة من نخيل الجنة وتلك النخلة على نهر من انهار الجنة على ذلك النهر آسية بنت مزاحم ومريم بنت عمران ينظمان حلي اهل الجنة الى يوم القيامة" ، قال: بارك الله في نسل ابراهيم حتى جعلهم في الكثرة غاية لا يحصون ولبث داود عليه السلام مدة مديدة بأرض فلسطين وهم يزدادون في كل يوم كثرة فأعجب داود عليه السلام بكثرتهم وأراد ان يعلم عدد بني اسرائيل فأمر بعدهم وبعث لذلك عرفاء نقباء وأمرهم ان يخبروه بمبلغ عددهم وعدوا زمانا فعجزوا وأوحى الله سبحانه (يا داود قد علمت اني قد وعدت اباك ابراهيم حين امرته بذبح ولده فصدقني وائتمر بأمري ان ابارك له في ذريته حتى يصيروا اكثر من عدد نجوم السماء واجعلهم بحيث لا يحصى عددهم واني قد اقسمت اني ابتليتهم ببلية يقل منها عددهم ويقل عنك اعجابك بكثرتهم فاختاروا ان ابتليكم بالجوع والقحط ثلاث سنين او اسلط عليكم العدو ثلاثة اشهر او الموت ثلاث ايام) فجمع داود بني اسرائيل واخبرهم بما اوحى الله اليه وخيره فيه وقالوا له انت اعلم بما هو ايسر لنا وانت نبينا فانظر لنا غير ان الجوع لا صبر لنا عليه وتسليط العدو امر فاضح فان كان ولا بد فالموت بيده لا بيد غيره فأمرهم داود عليه السلام ان يتجهزوا للموت فاغتسلوا وتحنطوا ولبسوا الاكفان وبرزوا الى صعيد بيت المقدس من قبل بناء بيت المقدس بالدارين والاهلين وامرهم ان يضجوا الى الله ويتضرعوا اليه لعله يرحمهم فأرسل الله عليهم الطاعون في يوم وليلة فأهلك الله منهم ألوفا كثيرة لا يدري عدد الموتى الا الله ولم يفزغوا من دفنهم الا بعد شهرين فلما اصبحوا من اليوم الثاني خر داود عليه السلام ساجدا وقال: يا رب انا اكل الحماض ويضرس بنوا اسرائيل فاستجاب الله دعاءه فكشف عنهم الطاعون ورفع عنهم الموت فرأى داود عليه السلام الملائكة سالين سيوفهم يغمدونها ويرقون في سلم من ذهب من الصخرة الى السماء فقال داود عليه السلام: ان الله هون عليكم ورحمكم فجددوا له ذكرا قالوا وكيف تأمرنا قال آمركم ان تبنوا من هذا الصعيد الذي رحمكم الله فيه مسجدا لا يزال فيه الذكر والعبادة الى يوم القيامة فأخذ داود عليه السلام في امر بنائه فلما أرادوا ان يبتدأوا البناء جاء رجل صالح فقير يختبرهم ليعلم كيف اخلاصهم في توبتهم فقال لبني اسرائيل: ان لي فيه موضعا وانا محتاج اليه ولا يحل لكم ان تخرجوني عن حقي فقالوا: يا هذا ما احد من بني اسرائيل الا وله في هذا الصعيد مثل حقك فلا تكن من ابخل الناس ولا تضايقنا فيه فقال: انا اعرف حقي وانت لا تعرفون حقوقكم قالوا: اما ان ترضى وتطيب نفسا والا اخذناه كرها؟ قال: او تجدون ذلك في كتاب الله فقال داود عليه السلام: خذوه بحقه فقالوا: بكم تأخذوه منه يا نبي الله؟ فقال: بستمائة شاة فقال الرجل: زدني فقال: داود مائة بقرة قال: زدني قال: مائة بعير قال: زدني فانما تشتريه لله عز وجل ما زال يستزيده حتى قال نبني حوله جدارا مشرفا ثم يملأه ذهبا وان شئت وزقا قال داود: هو هيّن قال: لئن يغفر الله لي ذنبا واحدا احب الي من كل شيء وهبته لله ولكني اختبرتكم فأخذ في بناء بيت المقدس لاحدى عشرة خلت من ملكه وكان ينقل الحجارة على عنقه عليه السلام وكذا الأحبار حتى رفعوه قامة رجل فأوحى الله سبحانه وتعالى الى داود عليه السلام (هذا بيت مقدس وان رجلا في قومك سقاك فلست ببانيه ولكن ابن لك املكه بعدك اسمه سليمان اسلمه من سفك الدماء واقضي تمامه على يده ويكون اجره وذكره لك دائما) ولما مات واستخلف سليمان امره الله سبحانه وتعالى باتمامه فجمع الجن والانس والشياطين وقسم عليهم الأعمال وارسل الجن والشياطين في تحصيل الرخام الأبيض الصافي وأمر ببناء المدينة بالرخام والصفائح وجعلها اثنى عشر ربطا لكل سبط من الاسباط الاثنا عشر ربط ولما فرغوا منها ابتدؤا في بناء المسجد فوجه الشياطين فريقا لاستخراج الذهب والفضة واليواقيت وفريقا يغوصون في البحر للدرر وفريقا يتبعون الجواهر والحجارة فأتوا بما لا يحصيه الا الله من ذلك ثم احضر الصناع وامرهم بنحت الحجارة وتصييرها الواحا واصلاح تلك الجواهر وثقب اليواقيت واللآلئ فكانوا يعالجونها وتصوت صوتا شديدا لصلابتها فكره سليمان تلك الأصوات فدعى الجن وقال لهم: هل لكم حيلة في نحت هذه الجواهر من غير تصويت؟ فقالوا: يا نبي الله ليس في الجن اكثر تجاربا ولا اكثر علما من صخر العفريت فأرسل اليه عشرة رجال واعطاهم تمثال خاتمة وكان يطبع للشياطين بالنحاس ولسائر الجن بالحديد واذا طبع بخاتمه لمنع التمثال كالبرق الخاطف فلا يراه جني ولا شيطان الا إنقاد له بإذن الله سبحانه وتعالى فأتوا به من بعض جزائر البحر اروه الطابع فكاد يصعق خوفا فأقبل مسرعا معهم حتى دخل على سليمان عليه السلام فسأل سليمان من ارسله عما احدث العفريت في طريقه فقال: يا نبي الله كان يضحك في طريقه من الناس فقال له سليمان عليه السلام: ما رضيت بتمردك علي في ترك المجيىء الي هنا حتى تسخر من الناس؟ قال: يا نبي الله اني لم اسخر غير ان ضحكي كان تعجبا مما اسمع وارى فقال له سليمان عليه السلام: وما ذاك؟ قال: اني مررت برجل على شاطىء نهر ومعه بغلة يريد ان يسقيها فسقاها وملأ الجرة ثم اراد قضاء حاجته فشد البغلة بأذن الجرة فجرت البغلة الجرة فكسرتها فضحكت من حمق الرجل حيث توهم ان الجرة تمسك البغلة ومررت برجل جالس عند اسكاف يستعمله في صلاح خف له فسمعته يشترط معه ان يصلحه بحيث يبقى معه اربع سنين ونسي نزول الموت فضحكت من غفلته وجهله ومررت بعجوز تتكهن وتخبر الناس بما لا يعلمون من خبر السماء وقد كنت عهدت رجلا دفن في موضع فراشها ذهبا كثيرا في الدهور الماضية فرأيتها تموت جوعا وتحت فراشها ذهب كثير لا تعلم مكانه فضحكت منها ومررت برجل في بعض المدن وكان به داء فيما قيل فأكل البصل فبرىء من دائه فصار يتطبب للناس بالبصل فلا يأتيه احد يسأله عن علة إلا أمره بأكل البصل وانه لا اضر منه حتى ان ضرره ليصل الى الدماغ فضحكت منه ومررت ببعض الأسواق فرأيت الثوم وهو أفضل الأدوية كلها يكال كيلا ورأيت الفلفل وهو احد السموم القاتلة يوزن وزنا فضحكت من ذلك ومررت بناس يبتهلون الى الله سبحانه وتعالى يسألونه المغفرة والرحمة فمل منهم قوم فقاموا فمروا وجاء آخرون وجلسوا فرأيت الرحمة قد نزلت عليهم فنالتهم رحمة الله وحرم منها الذين قاموا فضحكت تعجبا للقضاء والقدر قالوا فقال له سليمان عليه السلام: هل علمت من كثرة تجاريبك وجولاتك في البحر شيئا تنحت به هذه الجواهر فتلين ويسهل نحتها وثقبها؟ قال: نعم يا نبي الله اعرف حجرا ابيض كاللبن يقال له السامور غير اني لا اعرف معدنه الذي هو فيه وليس في الطير شيء هو أحيل من العقاب فمر بفراخه ان تجعل في الصندوق من معه يوما وليلة ثم يسرح العقاب صباحا ويترك فراخه وقيل من زجاج ففعلوا فذهب العقاب فجاء بالحجر بعد يوم وليلة وقد اتبعه جماعة من الجن فنقب به الصندوق حتى وصل الى فراخه وأتت الجماعة بما يكفي واستعمل ذلك في أدوات الصناع فسهل عليهم نحتهن من غير تصويت وهو حجر يستعمل في نقش الخواتم وثقب الجواهر الى اليوم وهو ثمين عزيز وقيل قيل سليمان ان لزوبعة في جزيرة عينا يردها في كل سبعة ايام فأتوها فنزحوها ثم صبوا فيها خمرا وجاء فلما ابصر الخمر قال لها اما علمت انك اذا شربك صاحبك يظهر عليه عدوه لا اذوقك اليوم فذهب ثم رجع لسبع آخر فجاء فقال كما قال فرجع وجاء لتمام احدى وعشرين مذ شرب فقال لها اما علمتك تذهبين الهم فشرب منها فسكر فجاءوا فأوره الخاتم فانطلق الى سليمان فقال لهم دلوني على بيض الهدهد فدلوه فاكب عليه زجاجة فجاء الهدهد فكان يرى بيضه ولا يصله فانطلق فجاء بالماس ويسمى السامور وهو الذي يثقب به اللؤلؤ والياقوت فوضعه على الزجاجة فقصمها نصفين ثم اراد اخذه فأزعجوه فجاءوا بالماس الى سليمان فبنى عليه السلام المسجد بالرخام الأبيض والأصفر والأخضر وقصصته الشياطين بأنواع الجواهر النفيسة وقصصوا سقوفه وحيطانه باللؤلؤ والياقوت وسائر الجواهر وبسط ارضه بألواح الفيروز فلم يكن يومئذ في الأرض بيت ابهى ولا انور من ذلك المسجد يضيء في الظلمة كالقمر اذا كمل فلما فرغ منه جمع احبار بني اسرائيل واعلمهم انه بناء لله عز وجل واتخذ ذلك اليوم الذي فرغ فيه عيدا لم يتخذ في الأرض عيدا اعظم منه قط ولا من الأطعمة اكثر منه ذبح فيه الفا من الجزور وخمسة وعشرين الفا معلوفة سمينة ومن الغنم اربع مائة الف شاة ومن العجائب ما اتخذ سليمان ببيت المقدس ان بنى بيتا وطين حيطانه بالخضرة فكان اذا جخله مؤمن استبان خياله في ذلك الحائط ابيض واذا دخله الفاجر استبان خياله فيه اسود فارتدع كثير من الناس عن الفجور والخيانة ونصب في زاوية من زوايا المسجد عصى من ابنوس وكان من مسها من ابناء الأنبياء لم يضره مسها ومن مسها من غيرهم احرقت يده ولما فرغ سليمان عليه السلام من بناء بيت المقدس قرب قربانا على الصخرة ثم قال اللهم انك وهبت لي هذا الملك منا منك علي وجعلتني خليفة في ارضك واكرمتني به من قبل ان اكون شيئا فلك الحمد اللهم اني اسألك لمن دخل هذا المسجد خصالا فمن دخله وصلى فيه ركعتين مخلصا فيهما خرج من ذنوبه كيوم ولدته امه ولا يدخله مستنيب الا تبت عليه ولا خائف الا امنته ولا سقيم الا شفيته واذا اجبت دعوتي فاجعل لي علامته ان تقبل قرباني فنزلت نار من السماء فسد ما بين الخافقين ثم امتد منها عنق فاحتمل القربان وصعد به الى السماء فكان بيت المقدس على بناء سليمان عليه السلام الى ان غزا بخت نصر بني اسرائيل فخرب بيت المقدس والقى فيه الجيف وفلاءه بالتراب ونقل ما فيه من الذهب والفضة والجواهر الى بابل في العراق وهو مملكته وكان خربا إلى أن بناه المسلمون.
وتماثيل الصور صور الأنبياء والأولياء والصالحين والملائكة قال مجاهد من نحاس وصفر وزجاج ورخام كانت تصور في المسجد ليراها الناس فيزداد في العبادة ويعبدوا نحو عبادتهم قال الحسن وابو العالية لم يكن التصوير يومئذ محرما وقيل كانوا يصورون له صور السباع والطير وغيرها ولم يكن التصوير قيل محرما الا في هذه الشريعة المحمودة جعلنا الله من اهلها ويجوز ان تكون تلك التصاوير تصاوير حيوان عاقل او غير عاقل لكن بلا روس وذلك غير محرم او التصاوير غير الحيوان كالجبال والشجر وروي انه عملو له اسدين في اسفل كرسيه ونسرين فوقه فإذا أراد ان يصعد بسط الاسدان له ذراعيهما واذا قعد اضله النسران باجنحتهما وذلك بأعمال وحيل وعملوا له الطواريس والعقبان والنسور على درجات سريره وفوق كرسيه لكي يهابه من اراد الدنو منه وفي عرائس القرآن امر سليمان عليه السلام الشياطين باتخاذ كرسي يجلس عليه للقضاء واراد ان يكون بديعا مهولا بحيث لو رآه مبطل او شاهد زور ارتاع قالوا فعملوا له كرسيا من انياب الفيلة ووفصوصه بالياقوت واللؤلؤ والزبرجد وأنواع الجواهر وسفوه بأربع نخلات من ذهب شماريخها الياقوت الاحمر والزبرجد الاخضرعلى رأس نخلتين منهما طاووسين من ذهب وعلى رأس الاخرين نسران من ذهب بعضها مقابل بعض وجعلوا من جانب الكرسي اسودا من الذهب على رأس كل واحد منها عمود من الزمرد الاخضر وقد عقدوا على النخلات اشجار عنب من الذهب الاحمر واتخذوا عناقيدها من الياقوت الاحمر وكان سليمان عليه السلام اذا راد صعوده وضع قدميه على الدرجة السفلى فيستدير الكرسي كدوران الرحى المسرعة وتنشر تلك الاطيار اجنحتها وبسط الاسدان ايديهما ويضربان الارض بأذنابهما وكذا يفعل في كل درجة واذا استوى باعلاه اخذ النسران اللذان على النخلتين تاج سليمان عليه السلام فوضعاه على رأسه ثم يستدير الكرسي بما فيه ويدور معه النسران والطاووسان والاسدان مائلا بروسهما الى سليمان عليه السلام ينضحان عليه اجوافهما المسك والعنبر ثم تتناول حمامة من ذهب قائمة على عمود من جوهر من اعمدة الكرسي التوراة فتفتحها لسليمان عليه السلام يقرأها على الناس فيدعوهم الى فصل القضاء ويجلس عظماء بني اسرائيل على كراسي الذهب مفصصة بالجواهر وهي الف كرسي عن يمينه وعظماء الجن عن يساره على الف كرسي ثم تحف به الطير تظلله ويقدم الناس اليه للقضاء فاذا ادعى البينة وتقدمت الشهود لاقامة الشهادة دار الكرسي بما فيه من جميع ما حوله دوران الرحى المسرعة قال معاوية ووهب ابن منبه: ما الذي كان يدير ذلك الكرسي؟.
قالوا: بلبلان عظيمان من ذهب وذلك الكرسي مما عمله صخر الجني قالوا واذا دار الكرسي بط الاسدان ايديهما يضربان الارض باذنابهما وينشر النسران والطواويس اجنحتهما فتفزع الشهود ويدخلهم من ذلك رعب شديد فلا يشهدون الا بحق ولما توفي سليمان حمله بخت نصر الى انطاكية فأراد الصعود عليه ولم يكن له علم بالصعود عليه ولا باحوا له ولما وضع قدمه على الدرجة رفع الاسد يده اليمنى فضرب ساقه ضربة شديدة دقها وادمتها فلم يزل يعرج منها ويتوجع حتى مات وبقي الكرسي بانطاكية حتى غزاهم ملك من ملوك الشام يسمى كراسي بن سعد ان فهزم خليفة بخت نصر ورد الكرسي الى بيت المقدس فلم يستطع احد من الملوك الجلوس عليه والاستمتاع به فوضع تحت الصخرة فغاب ولم يعرف له خبر ولا عرف اين هو الى الآن انتهى وفي قصة تميم بن حبيب الداري او غيرها ان سليمان ممدود على ذلك الكرسي بيده خاتمه في قرب البحر المحيط او في جزيرة منه وفي اخبار القصاصين ان بيننا وبينه سبعة ابحر.
{ وجفان } جمع جنة وهي النعمة.
{ كالجواب } جمع جابية وهي الحوض الكبير اعني البركة سميت جابية لانها تجبي الماء اعني تجمعه واصل ذلك وصف ثم تغلبت عليه الاسمية ويجوز ابقاءه على الوصفية فيكون اسناد الجبى اليها مجازا وقرىء بحذف الياء اكتفاء بالكسرة قيل انه كان يقعد على الجفنة الواحدة منهن الف رجل يأكلون وياء الجوابي اثبتها ابن كثير في الوصل والوقف وورش وابو عمرو في الوصل.
{ وقدور } برم.
{ راسيات } ثابتات لا يحملن لثقلهن ولهن ارجل ليتجافين عن الارض لايقاد النار تحتهن وقيل ركبن على اثاف وانما يصعد اليهن بالسلاليم لعظمهن فلا يمكن انزالهن عن الاثافي وكانت باليمن.
{ اعملوا } اي قلنا اعملوا.
{ آل } يا آل.
{ داود } الاعمال الصالحة.
{ شكرا } مفعول لاجله اي لشكر نعمائي او مفعول مطلق على حد جلست قعودا او على حذف مضاف اي عمل شكر على ان العمل باق على المصدرية او حال اي ذوي شكرا وشاكرين والمفعول به في ذلك كله مقدر كما رأيت او شكرا مفعول به كأنه قيل أوجدوا شكرا فان عمل الشيء ايجاد له او مفعول به على حذف مضاف اي اعملوا عمل شكر على ان العمل هو ما يعمل وفي الآية دليل على ان الطاعة يجب ان تؤدىء على طريق الشكر اي اعراب اعربت شكرا ولا تختص الدلالة بالاعراب الاول كما قد يتوهم من عبارة بعض العلماء وآل داود اهل بيته كسليمان قال ثابت البناني كان داود عليه السلام بعد ؟؟؟؟؟ بالعمل شكرا قدر جزاء ساعات الليل والنهار على أهله فلم تكن تاتي ساعة الا وانسان من الله قائم يصلي، وقيل المراد بآل داود نفسه وكان يأكل الشعير ويطعم اهله والمساكين الطعام الجيد وما شبع قط فقيل له فقال اخاف ان انسى الجائع.
"وعن النبي صلى الله عليه وسلم انه صع المنبر وقرأ { اعملوا آل داود شكرا } وقال ثلاث من اوتيهن فقد اوتى مقل ما اوتى داود" وفي رواية "فقد اوتى العمل شكرا العدل في الرضى والغضب والقصد في الفقر والغنى وخشية الله في السر والعلانية" وفي رواية "وذكر الله في السر والعلانية" .
{ وقليل من عبادي } وقرأ حمزة بإسكان الياء.
{ الشكور } هذا من كلام الله سبحانه وتعالى لسيدنا محمد صلى الله عليه وسيلم ويحتمل ان يكون من كلام الله عز وجل لسيدنا داود عليه السلام والشكور من شغل قلبه ولسانه وجوارحه بالطاعة في أكثر اوقاته على قدر طاقته وليس من فعل هذا مؤديا بالحق النعمة لان توفيقه الى ذلك نعمة وهكذا بتسلسل ولذا قيل الشكور من يرى عجزه عن الشكر.
وعن السدي: هو من يشكر على الشكر كما قال الشاعر:

اذا كان شكري نعمة الله نعمة عليّ له في مثلها يجب الشكر
فكيف بلوغ الشكر الا بمنه وان طالت الايام واتصل العمر
فان مس بالسراء عم سرورها وان مس بالضراء رادفها الاجر
وما منهما الا له فيه نعمة تضيق به الاوهام والبر والبحر

وقال الآخر:

لك الحمد مولانا على كل نعمة ومن جملة النعماء قولي لك الحمد
فلا حمد الا ان تمن بنعمة تعاليت لا يقوى على حمدك العبد

وقال الآخر:

لك الحمد مولانا على ما هديتنا وديننا دينا حنيفا مطهرا
واروثتنا بعد الجهالة حكمة وعلما مبينا للقلوب منورا
وكم نعمة البستنيها جليلة سترت بها ذاعيلة فتسترا
وكم كربة فرجتها وعظيمة دفعت وكم يسرت ما قد تعمرا

وقال الآخر:

الهي لك الحمد الذي انت اصله على نعم ما كنت قط لها أهلا

وقال الآخر:

لك الحمد حمدا لا انتهاء لطولهعلى من اوليتها فاولت

وعن ابن عباس: الشكور من يشكر على احواله كلها.
قال ابن عطا الله: من لم يشكر النعم فقد تعرض لزوالها ومن شكرها فقد قيدها بعقالها وفي الحكم الفاروقية (لا تغفل عن شكر الصنائع وسرعة استرجاع الودائع) وفيها (يا ميتا نشر من قبل العدم بحكم الجود والكرم لا تنس سوالف العهود والذمم اذكر أعهد الايجاد وذمة الاحسان والأرفاد وحال الاصداه والايراد وفاتحة المدار وخاتمة المعاد) وفيها (يا دائم الغفلة عن عظمة ربه امعن النظر في عجائب صنعه والتفكر في غرائب حكمته اين شكر ما افاض عليك من ملابس احسانه ونعمه يا ذا الفطنة اغتنم نعمة المهلة وفرصة المكنة وخلسة السلام قبل حلول الحسرة والندامة).
وسمع عمر - رضي الله عنه - رجلا يقول: اللهم اجعلني من القليل فقال عمر: ما هذا الدعاء فقال الرجل: اني سمعت الله يقول وقليل من عبادي الشكور فأنا اريد ان يجعلني من ذلك القليل فقال عمر: كل الناس اعلم من عمر.