التفاسير

< >
عرض

أَفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً أَم بِهِ جِنَّةٌ بَلِ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ فِي ٱلْعَذَابِ وَٱلضَّلاَلِ ٱلْبَعِيدِ
٨
-سبأ

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ افترى } اقترح ما لم يكن وان قلت افترى ماض خماسي فهمزته وصلا لا تثبت في الدرج وان اثبتت فحقها الكسر لا الفتح قلت همزة الوصل محذوفة لصيرورتها بهمزة في الدرج والهمزة المفتوحة همزة الاستفهام وتقلب همزة ال الفا وتسهل اذا دخلت عليها همزة الاستفهام.
{ على الله } في ذلك.
{ كذبا } مفعول به لافترى اي اقترح كذبا اي شيئا مكذوبا فيه لم يكن او مفعول مطلق.
{ أم به } فيه.
{ جنة } جنون تحيل به ذلك قلت ظاهر هذا انه لا يسمى الكلام الذي هو على خلاف الواقع كذبا الا ان كان على العمد بدليل مقابلة الكذب بالجنون الذي هو من تكلم في حالة غير معتمد او متعمد ما لم يصح مثلا معتقداته صحيح ولذلك جعل الجنون قسيما للافتراء ومضاددا له حتى كأنه قل افترى ام لم يفتر فعبر عن عدم الافتراء بالجنون وقد اختلفوا في الصدق والكذب فقال الجاحظ الصدق مطابقة الخبر للواقع مع اعتقادهما والكذب عدم مطابقته للواقع مع اعتقاد عدمهما في من الخير عنده ما ليس صدقا ولا كذبا وهو اربعة الاول المطابقة مع اعتقاد عدمها والثاني المطابقة مع عدم اعتقاد الثالث عدمها مع اعتقاد ثبوتها الرابعة عدمها مع عدم اعتقاد عدمها ولا ثبوتها واستدل بهذه الآية لأن القضية مانعة الخلو اما مفترى واما مخبر حال الجنون حاشاه عن ذلك كله فالأخبار حال الجنون غير الافتراء لانهم جعلوه قسيما للافتراء وقسيم الشيء غيره كما سلمناه والأخبار حال الجنون غير صدق لاعتقادهم عدم الصدق ولو كان مقوله صلى الله عليه وسلم صدقا في نفس الأمر ويرده ان معنى قولهم ام به جنة ام لم يفتر فعبروا عن عدم الافتراء بالجنون لأن المجنون لا يصدق عليه انه مفتر لان الافتراء الكذب عن عمد ولا عمد له وربما تعمد لكن يعتقد انه ما قال الا شيئا صحيحا وقولهم ام به جنة ليس قسيما للكذب بل لما هو اخص وهو الافتراء لان المعنى ام لم يفتر والافتراء الكذب عن عمد فذلك حصر للخبر الكاذب في زعمهم الكاسد في نوعي الكذب الكذب عن عمد والكذب لا عن عمد كذا قيل وقال النظام الصدق مطابقة الخبر لاعتقاد المخبر ولو كان اعتقاده خطأ والكذب عدم مطابقة الخبر لاعتقاد المخبر ولو كان خطأ فقوله الأرض فوقنا صدق ان اعتقد انها فوقنا مع اعتقاده أن هذا خطأ وقوله الأرض تحتنا كذب ان اعتقد انها فوقنا واستدل بقوله سبحانه وتعالى
{ { إن المنافقين لكاذبون } وقد اخبرنا الله سبحانه وتعالى بأن المنافقين كاذبون في خبرهم وهو قولهم انك لرسول الله لان كونه رسولا ولو كان صادقا لكن لم تعتقده قلوبهم انه رسول ويرده ان التكذيب راجع الى ما يوهمه قولهم انك رسول الله من انهم معتقدون رسالته حتى كأنهم قالوا انا نقر لك عن قلوبنا انك رسول الله فرد الله عليهم بأنهم كاذبون ليس ذلك الاقرار عن قلوبهم انما هو في السنتهم فقط او راجع الى ما يعتقدون من ان قولهم انك رسول الله غير مطابق للواقع فكذبهم الله بأنه مطابق او راجع خلف المنافقين وزعمهم انهم لم يقولوا لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا وهذه الأوجه التي ذكرتها صحاح والحمد لله لا يجد القزويني ولا السعد ولا السيد انكارها لاني قد تجنبت ما به ردوا على الغير يظهر لك هذا ان لم يختلط عليك قول بآخر.
وقال الجمهور: الصدق مطابقة الخبر للواقع الماضي او الآتي والكذب عدمها فقولك زيد قائم صدق ان كان قائما وقولك لم يقم صدق ان كان غير قائم وكذب ان كان قائما ولا يخفى انه لا واقع للانشاء لا ماض ولا آت فان قولك اي قم يفيد ان القيام قد وقع ولا انه قد يقع بل يفيد طلب القيام فان حصل القيام بعد فليس مدلولا عليه بقم ولكنه امتثال لقولك قم واذا قلت لعبدك انت حر فليس قولك له انت حر مقيدا انه كان حرا فيما مضى ولا انه سيكون حرا بل يفيد ايجاد التحرير في الحال مع النطق لا قبل ولا بعد.
{ بل الذين لا يؤمنون بالآخرة في العذاب والضلال البعيد } بل للاضراب الابطالي كأنه قال هو لا مفتر ولا مجنون وانما البشاعة والفضاعة والخسة لهم وهي عذاب النار وهي الضلال البعيد عن الحق حتى لا ترجى رجوعهم اليه ومع هذا هم غافلون وهذا أجن جنون واعتقاد صوابيته اشد خطأ وافتراء والعذاب انما هو يوم القيامة والضلال في الدنيا ولكن قرنهما وجعلهما كأنهما في وقت واحد لان الضلال ليس سبب العذاب وملزومه وقدم العذاب في اللفظ اعتناء بمواجهتهم به قبل كل شيء لشدة استحقاقهم ولو كان حق المسبب التأخير عن السبب في مجرد الذكر لهما سردا وقد يستدل بالآية مجيز الجمع بين الحقيقة والمجاز او مجيز الجمع بين معنى كلمة وذلك انك اما ان تقدر ثابتون للاستقبال او يثبتون بالنظر للعذاب وتنوي بهما المضي او الحال او الاستمرار في جانب الضلال واما ان تقدر ثابتون او ثبتوا كليهما للمضي نظرا لجانب الضلال او ثابتون للحال او الاستمرار وتنوي بهما الاستقبال في جانب العذاب والوجه الأول اولى لتقدم العذاب وقد يقدر للفظ الاستقبال للعذاب ويقدر لفظ المضي او الحال والاستمرار للضلال اي واثبتوا في الضلال حذفت الجملة وحذفت في وبقي عملها لذكر مثلها كذا ظهر لي والبعد صفة لمن ضل وانما وصف به الضلال مبالغة وذلك تجوز في الاسناد كقولك جد جده وصام صيامه اذا رفعت الجد والصيام مبالغة في جده وصيامه حتى كان اجتهاده اجتهد وصيامه صام.
والصيام مبالغة في جده وصيامه حتى كان اجتهاده اجتهد وصيامه صام.