التفاسير

< >
عرض

وَٱللَّهُ خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجاً وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَىٰ وَلاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ
١١
-فاطر

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ والله خلقكم من تراب } اي بواسطة خلق ابيكم ادم منه.
{ ثم من نطفة } كل من نطفة آية.
{ ثم جعلكم أزواجا } اصنافا ذكورا واناثا وقيل زوج بعضكم ببعض وهو قول قتادة.
{ وما تحمل من أنثى } فاعل ومن موكدة.
{ ولا تضع } حملها.
{ إلا بعلمه } الا بمصاحبة علمه وحضرته وعند علمه فالعلم باو على المعنى المصدري متعلق بما قبله على طريق التنازع او مجرد الحذف على ما يأتي ان شاء الله تعالى وقيل حال { وما يعمر من معمر } مطول العمر ومن زائدة في النائب للتأكيد.
{ ولا ينقص من عمره } من زائدة في المفعول ان اجزنا زيادة من في المعرفة ومضير ينقص لله تعالى او متعلقة بمحذوف وقعت لفاعل ينقص اي لا ينقص شيء ثابت من عمره او من مفعوله اي لا ينقص الله شيئا من عمره.
{ إلا في كتاب } علم الله او اللوح المحفوظ او الصحف متعلق بما قبله على ما مر في الذي قبله او بمحذوف حال من المعمر والعمر باعتبار التعمير والنقص.
وان قلت كيف يقال ما يعمر من معمر؟.
قلت: على معنى قولك ان كل من عمّره الله فما ذلك التعمير الذي عمّره الله اياه الا في كتاب فاندفع ما قد يتوهم من تحصيل الحاصل او ان كل من مصيره الى الكبر فالتعمير الذي سيبلغه انما هو في كتاب وعلى هذا فتسميته معمرا من مجاز الاول.
وان قلت: فما معنى ولا ينقص من عمره؟. الخ قلت: معناه لا ينقص الله عمرا لمعمر لغيره بأن يعطي من عمره لغيره ويجوز ان يكون معنى النقص من عمره جعل عمره ناقصا والضمير لصاحب العمر الناقص المدلول عليه بالمقابلة فهو على معنى قولك ضيقت فم البئر بمعنى نشأته ضيقا ولست تريد انه كان واسعا ثم ضيقته او الضمير للعمر على طريق الاستخدام فالمعمر المذكور بمعنى مطول العمر والضمير الراجع ليه بمعنى الذي اثبت له العمر فان المعمر كما يطلق على طويل العمر يطلق على صاحب العمر مطلقا طويلا او صغيرا والمراد من الضمير الصغير ولك ان تجعل المعمر بمعنى صاحب العمر طويلا او صغيرا والتطويل يفهم من يعمر والتصغير من ينقص هذا ما ظهر لي من الاوجه في تفسير الآية الموافقة للقواعد المعقولة وذكروا ايضا ان المعمر والمنقوص واقعان على شخص واحد باعتبار اسباب مثل ان يكتب في اللوح المحفوظ ان صدق وصلي كان عمره ستين سنة والى كان ثلاثين فان فعل عمّر والا نقص وكان عمره ثلاثين ومثل ان يثبت في اللوح ان حج وغزا فعمره ستون وان فعل احدهما فثلاثون وهذا عندي ضعيف لعدم فائدته فان الله سبحانه عالم بما يفعل الانسان وما يذر وما يكون عمره على القطع لا يزيد ولا ينقص فما فائدة الكتابة على طريق الشك الا ان يقال فائدته التحريض على الطاعة والمبالغة في الاعداد وقد اوصل ذلك إلى الناس كما امر الكافر بالطاعة والايمان وقد علم حاله واما قوله صلى الله عليه وسلم
"ان الصدقة والصلاة تعمران الديار وتزيدان في الاعمار" فمعناه ان من اسباب عمارة الدنيا وزيادة الاعمار الصدقة والصلاة كم ناس كتب الله انهم سيتصدقون ويصلون وان اعمارهم تطول وتكون كذا وكذا بسبب تصدقهم وصلاتهم وليست اعمارهم اقل ثم يزيد فيها كذا يظهر لي ويجوز ان يكون المعنى ما يعطى لصاحب العمر شيء من عمره ولا ينقص من عمره هذا الذي اعطي له وعاشه الا في كتاب يكتب فيه مضى لفلان كذا وكذا من عمره ذهب يوم ذهب يومان حتى يأتي على آخر عمره ويكتب قبل ذلك عمره كذا وكذا سنة ذكره سعيد بن جبير قال ما مضى من عمره هو النقص وما بقي هو الذي يعمره.
وعن قتادة: المعمر من يبلغ ستين سنة والمنقوص من عمره من يموت قبلها وقرىء { ولا ينقص } بالبناء للمفعول والنائب من عمره او محذوف نائب عنه نعته وهو عمره.
{ إن ذلك } الحفظ والزيد او النقص.
{ على الله يسير } سهل وزعموا عن كعب الاحبار انه قال حين طعن عمر - رضي الله عنه - لو ان عمر دعى الله لأخر في اجله، فقيل: اليس قد قال الله:
{ فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون } }. قال: كعب: فقد قال: { وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب }، وفي رواية انه قال حين احتضر عمر: والله لو دعى الله عمر ان يؤخر اجله لاخر فقيل: له ان الله يقول { { فإذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون } }. قال هذا اذا حضر الاجل واما قبل ذلك فيجوز ان يزاد وقرأ الآية وقول كعب فيه هذا مردود عليه.