التفاسير

< >
عرض

وَمِنَ ٱلنَّاسِ وَٱلدَّوَآبِّ وَٱلأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى ٱللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ ٱلْعُلَمَاءُ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ
٢٨
-فاطر

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ ومن الناس والدواب } وقرىء بتخفيف الباء فرارا من التقاء الساكنين ولو على حد التقائهما.
{ والأنعام مختلف ألوانه كذلك } قال ابن هشام أي صنف مختلف الوانه اختلافا كالاختلاف المذكور في لون الجبال اي وفي لون الثمر فالوقف هنا وهو واضح والاختلاف في الناس والدواب والانعام يجوز ان يكون ايضا في الاحاد فالانسان الواحد مثلا ترى بعضه ابيض وبعضه اسود وبعضه احمر وبعضه اصفر وقرىء الوانها اي جماعة مختلف الوانها او نحو ذلك ويجوز ان يكون الوقف على الوانه ويكون كذلك متصلا بقوله.
{ إنما يخشى الله من عباده العلماء } اي كما جاءت القدرة في هذا كله كذلك انما يخشى الله من عباده العلماء الناظرون في هذه العبر وانما اخر الفاعل لانه المحصور فيه أي لا تصدر الخشية الا من العلماء، ولو قدم كان المعنى ما يخشى العلماء الا الله وهو معنى صحيح لكنه غير مراد ومن عباده حال من العلماء فمن التبعضية او متعلقة بيخشى فمن ابتدائية فافهم وليس المراد بالعلماء الا الذين علموه علما داهم الى تعظيمه والى ترك الاجتراء عليه بفعل ما نهى عنه وترك ما اوجب فهم الذين يخشونه سبحانه وتعالى ويراعونه في اعتقاداتهم واقوالهم وافعالهم ومن ازداد به علما ازداد منه خوفا ومن كان علمه اقل كان خوفه اقل وكم ناس علموه بصفاته وافعاله لم ينفعهم ذلك العلم.
وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم
"اعلمكم بالله اشدكم خشية" ، وقال صلى الله عليه وسلم اني اخشاكم بالله واتقاكم له، وقال انا ارجو ان اكون اتقاكم لله واعلمكم به، وذكرت عائشة - رضي الله عنها - "ان رسول الله صلى الله عليه وسلم صنع شيئا ورخص فيه فتنزه عنه قوم فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فخطب وحمد الله واثنى عليه فقال ما بال قوام يتنزهون عن الشيء اصنعه فوالله اني لاعلمهم بالله واشدهم خشية" .
وعن انس "ان رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب خطبة ما سمعت مثلها قط فقال لو تعلمون ما اعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا فغطى اصحابه وجوههم يبكون بصوت يخرجونه من الانف" والمعنى لكان ضحككم قليلا وبكاؤكم كثيرا وقال مسروق كفى المرء علما ان يخشى الله وكفى بالمرء جهلا ان يعجب بعلمه وفي رواية كفى بخشية الله علما وكفى بالاغترار بالله جهلا وقيل قاله ابن مسعود لا مسروق وقال رجل للشعبي افتنا ايها العالم فقال العالم من خشى الله عز وجل.
وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الحكمة مخافة الله وقال.
وقال الربيع بن انس ومجاهد والشعبي: من لم يخش الله فليس بعالم.
وعن ابن عباس في تفسير الآية كفى بالزهد علما ويقال ان فاتحة الزبور الحكمة خشية الله ولا يخفى ان العلم حيث ما ذكر في القرآن او السنة المراد به العلم النافع الذي تقارنه الخشية والتواضع والتخلق باخلاق الايمان وذكروا ان الآية نزلت في ابي بكر - رضي الله عنه - وقد ظهرت عليه الخشية حتى عرفت فيه وان قلت هل بين الآية وما قبلها مناسبة ام لا قلت بينهما مناسبة وذلك انه ذكر آيات القدرة الدالة عليه فذكر ان العلم بها غير نافع ان لم تقارنه الخشية او لما ذكر ما دل على كمال القدرة ذكر انه انما يعرفه تلك الدلائل المعرفة التامة من يخشاه وقراء عمر بن عبد العزيز وقيل ابو حنيفة انما يخشى الله من عباده العلماء رفع الله ونصب العلماء اما على القلب اللفظي لظهور المعنى ككسر الزجاج الحجر برفع الزجاج ونصب الحجر واما على تضمين يخشى معنى يعظم اي انما يعظم الله العلماء واما على غيرهم فلا يعظمه ووجه ذلك ان المعظم يكون مهيبا ومخوفا منه.
{ إن الله عزيز } في ملكه معاقب لمن اصر على الطغيان لا يرده عنه راد.
{ غفور } للخاشي ويدل الغفران على الاثابة لأن من غفر له يثاب فذلك تعليل لوجوب الخشية الذي يدل عليه للمقام فكأنه قيل اخشوه لانه المعاقب المثيب.