التفاسير

< >
عرض

ثُمَّ أَوْرَثْنَا ٱلْكِتَابَ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِٱلْخَيْرَاتِ بِإِذُنِ ٱللَّهِ ذَلِكَ هُوَ ٱلْفَضْلُ ٱلْكَبِيرُ
٣٢
جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ
٣٣
-فاطر

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ ثم أورثنا الكتاب } العطف على اوحينا اي ثم حكمنا بايراث الكتاب او الماضي بمعنى المضارع قيل او المراد اورثناه من الامم الماضية فانه متضمن لكتبهم فكانه كان عندهم ثم انتقل الينا ويدل لهذا والذي اوحينا اليك هو الحق مصدقا لما بين يديه وعلى هذا فالعطف على ان الذين يتلون كتاب الله.
{ الذين اصطفينا } اخترنا.
{ من عبادنا } وهم علماء الامة من الصحابة وممن بعدهم او الامة باسرهم فان الله فضلهم على الامم كما ان نبيهم افضل الانبياء وكتابهم افضل الكتب.
{ فمنهم ظالم لنفسه } مقصر بالعمل بالقرآن ويعمل المعاصي واتباع الشهوات ولم يتعب بالطاعة ولكن مات تائبا.
{ ومنهم مقتصد } متوسط يعمل بالقرآن والطاعة تارة يعصي تارة ويتبع الشهوات ومات تائبا وقيل الذي يعمل به في غالب الاوقات { ومنهم سابق بالخيرات } يعمل ويعلم غيره ويرشد الى المعروف ويجتهد طاقته.
{ باذن الله } بارادته وتيسيره لا بقوة ذلك السابق.
وعن عائشة - رضي الله عنها - اما السابق فمن مضى على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة واما المقتصد فمن تبع اثره من اصحابه حتى لحق بها اما الظالم فمثلي ومثلكم تشير الى يوم الجمل للقتال.
وقال ابن عباس السابق المؤمن المخلص والمقتصد المراي ان ختم له بالتوبة والظالم كافر النعمة اي عامل الكبائر ان مات تائبا وقيل الظالم من رجحت سيئاته على حسناته والمقتصد من استوت حسناته وسيئاته وحتم له بالتوبة والسابق من رجحت حسناته على سيئاته وقيل الظالم من كان ظاهره خيرا من باطنه والمقتصد الذي استوى ظاهره وباطنه والسابق الذي باطنه خير من ظاهره وقيل الظالم التالي للقرآن ولم يعمل به وهذا يصح عندنا على شرط التوبة والمقتصد التالي له العامل به والسابق التالي له العامل به العالم وقيل عن الجمهور الظالم العاصي المسوف والمقتصد المتقي للكبائر والسابق المتقي على الاطلاق وقيل الظالم اصحاب الكبائر والمقتصد اصحاب الصغائر بعدم الاصرار وقيل الظالم الجاهل اي الذي لم يعتن بالعلم وان كان عنده علم الحال والا فليس في الجنة جاهل والمقتصد المتعلم والسابق العالم وانما احتجنا لتلك التأويلات بناء على ان واو يدخلونها عائد للاصناف الثلاثة وان هاء منهم عائدة للذين اصطفينا ولو رجعنا الهاء للعماد والواو للذين اصطفينا جاز ابقاء تفسير الظالم بالجاهل او صاحب الكبائر ونحو ذلك من فيه الخصال المانعة من الجنة وكذا المقتصد وقد فسر بعضهم الظالم باصحاب المشيئة والمقتصد باصحاب الميمنة والسابق بالسابقين المقربين وهذا يصح على ان الضمير في منهم للعباد وهذا قول الحسن وعكرمة وقتادة والذي لابن عباس انه للذين اصطفينا وعلى ان واو يدخلونها لمن يصلح لدخولها فعلى ان الضمير لعباد تكون الاصناف في الامة وغيرها وعلى انه للذين اصطفينا تكون في لامة ولك رجع الضمير للذين اصطفينا وابقاء معاني تلك الاقوال على ظاهر فان الاصطفاء عام للامة الامن ابى منها فان المشركين والمنافقين من هذه الامة قد خصهم الله بمزايا كالقرآن ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم فابوا وخصوا بعدم المسخ والخسف.
{ ذلك } الايراث او الاصطفاء او السبق.
{ هو الفضل الكبير جنات } مبتدأ.
{ عدن } اقامة وقرىء بالافراد.
{ يدخلونها } خبر وقرأ ابو عمرو بضم الياء وفتح الخاء بناء للمفعول منا دخل بالهمزة وقرىء جنات بالكسر نصبا على الاشتغال ويجوز ان يكون جنات بدلا من الفضل الكبير تنزيلا للسبب منزلة المسبب فان الاصطفاء أو السبق او الايراث سبب لدخول الجنة فسمي باسمها فافهم وواو يدخلونها للأصناف الثلاثة بالقيد المذكور وهو قول ابي سعيد الخدري وعائشة وابن مسعود وكعب واسامة ابن زيد قالت عائشة وكعب يدخلوها كلهم ورب الكعبة.
قال ابن مسعود هذه الامة ثلث يدخلون الجنة بغير حساب وثلث يحاسبون حسابا يسيرا ثم يدخلونها وثلث يدخلون بذنوب عظام تابوا يقول الله عز وجل ما هؤلاء وهو اعلم بهم فتقول الملائكة مذنبون الا انهم لم يشركوا فيقول عز وجل ادخلوهم في سعة رحمتي وقرأ عمر الآية فقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سابقا سابق ومقتصدنا مقتصد وفي رواية لاحق ناج وظالمنا مغفور له وكذا روى ابن مسعود واسامة انهم كلهم في الجنة وقيل عن رسول الله صلى عليه وسلم ان الظالم لنفسه بكثرة المعاصي اي ان مات تائبا يحبس بطول الحشر ثم يدخلونها ولك ان تقول الواو في يدخلونها لسابق والمقتصد، واما الظالم فالكافر.
وعن جعفر بن زيد ان رجلا بلغه انه قال من أتى بيت المقدس لم يشخصه الا الصلاة فصلى ركعتين خرج من ذنوبه كيوم ولدته امه قال فاتيت بيت المقدس فدخلت المسجد فصليت فيه ركعتين ثم قلت اللهم صل وحدتي وانس وحشتي وارحم غربتي وسق الي جليسا صالحا تنفعني به اذ جاء رجل فقام عند سارية فصلى ركعتين ثم جلس فقمت اليه ثم سلمت عليه ثم جلست فقلت من انت يرحمك الله فقال ابو الدرداء فقلت الله اكبر قال مالك يا عبدالله قلت بلغني ان من اتى هذا المسجد ان لم يشخصه الا الصلاة فيه فصلى فاتم ركعتين خرج من ذنوبه كيوم ولدته امه قال الحديث كما بلغك قال فقلت فجئت الى هذا المسجد فصليت فيه ركعتين ثم قلت اللهم صل وحدتي انس وحشتي وارحم غربتي وسق الي جليسا صالحا ينفعني فقال انا احق بالحمد منك اذ شكرني الله في دعوتك وجعلني ذلك الجليس الصالح لاجرم لاحدثك بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم احدث به احدا قبلك ولا احدث به احدا بعدك
"سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في هذه الآية { ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات باذن الله ذلك هو الفضل الكبير جنات عدن يدخلونها } الآية قال فيجىء السابق فيدخل الجنة بغير حساب ويجىء هذا المقتصد فيحاسب حسابا يسيرا ثم يدخل الجنة ويجىء هذا الظالم لنفسه فيعير ويحزن ويوبخ ثم يتجاوز الله عنه فيدخل الجنة وهم الذين قالوا الحمد لله الذي اذهب عنا الحزن ان ربنا لغفور شكور يغفر الذنب الكبير ويقبل العمل اليسير سبحانه وتعالى" .
وروي ان حبرا من الأحبار لقي كعبا فقال يا كعب تركت دين موسى واتبعت دين محمد فقال بل انا على دين موسى واتبعت دين محمد قال فما حملك على هذا قال اني وجدت امة محمد ثلاثة اثلاث ثلث يدخلون الجنة بغير حساب وثلث يحاسبون حسابا يسيرا وثلث يقول الله تعالى لملائكته قلبوا عبادي فانظرا ماذا كانوا يعملون وهو اعلم بهم فيقلبون فيقولون ربنا نرى ذنوبا كثيرة وخطايا عظيمة فيقول قلبوا السنتهم فانظروا ماذا يقولون فيقلبون فيقولون ربنا نراهم يخلصون بك ولا يشركون بك شيئا فيدخلهم الجنة.
قال جعفر الصادق: بدا بالظالم اخبارا بانه لا يتقرب الظالم الا بكرم الله ولا يؤثر فيه الاصطفاء وثني بالمقتصد لانه بين بين ثم ختم بالسابق لئلا يامن احد مكره وكلهم في الجنة وليس لأحد ان يأمن مكر الله وقيل رتب كذلك لان الرجل بالعصيان يدخل في حيز الظالمين وبالتوبة ويدخل في جملة المقتصدين وبصحتها واجتهاده يدخل في السابقين وقيل قدم الظالم لكثرته وثني بالمقتصد لقلته بالنسبة الى الظالم وهم اكثر من السابق واخر السابق لانه اقل القليل وقيل قدم الظالم لان الظلم والميل للهوى مقتضي الطبيعة ومن الظلم الجهل واما الاقتصاد والسبق فعارضان.
{ يحلون } من حلالها بالتشديد أي البسه حلية وقرىء يحلون بفتح الياء واسكان الحاء من حلي يحلي كرضى يرضي أي لبس الحلي.
{ فيها من أساور من ذهب } من الاولى للبتعيض متعلقة بمحذوف نعت لمفعول محذوف او من صلة في المفعول او للابتداء متعلق يحلون ومن الثانية للبيان او للتبعيض.
{ ولؤلؤا } معطوف على محل اساور ومن جعل من التبعيضية مفعولا اسما فالعطف على محلها وذلك قراءة نافع وعاصم وقرأ غيرهما بالجر عطفا على ذهب او اساور وقرىء بتخفيف الهمزة الاولى فقد سبق الكلام في الحجم وان قلت ما معنى كون الاساور من ذهب ولؤلؤا قلت معناه ان بعضها من ذهب وبعضها من لؤلؤ او ان السوار الواحد من ذهب مرصع باللؤلؤ او من ذهب في صفاء اللؤلؤ.
{ ولباسهم فيها حرير } عن ابي هريرة دار المؤمن درة مجوفة في اوسطها شجرة تنبت الحلل ويأخذ باصبعه سبعين حلة مبطنة باللؤلؤ والمرجان.