التفاسير

< >
عرض

قَالُواْ يٰوَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ ٱلرَّحْمـٰنُ وَصَدَقَ ٱلْمُرْسَلُونَ
٥٢
-يس

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا } الويل الهلاك والمرقد مصدر ميمي بمعنى الرقود وهو النوم.
قال مجاهد: للكفار سكون خفيف يجدون فيه طعم النوم فاذا صيح بأهل القبور قالوا من بعثنا من مرقدنا وكانوا قبل ذلك في العذاب على الصحيح، وقيل وهم نيام.
وقال ابن عباس وزيد بن اسلم: أن ما يقولون ذلك لان الله سبحانه وتعالى يرفع عنهم العذاب بين النفختين فيرتدون الى الشرك وينامون وقيل إذا عاينوا جهنم كان عذاب القبر بالنسبة إلى عذابها كالنوم.
وعن ابي كعب وغيره: ان جميع البشر ينامون نومة قبل الحشر وهو الذي يظهر لي أن المرقد اسم مكان سموا القبر مرقدا تشبيها له بموضع الرقود ولا رقود ثم لا قليل ولا كثير وكأنهم قالوا من أخرجنا من قبورنا وانهم كانوا قبل ذلك معذبين ووجه الشبه كون الانسان في كل من موضع نومه وقبره ممتدا على الأرض او عدم ظهور الفعل فمن في موضع النوم نائما وممن في قبره أو البعث وهو اولى لأنه اقوى في المشبه به واشهر واطهر فان بعث النائم لا شبهة فيه بخلاف عدم ظهور الفعل فإنه أقوى في جانب المشبه لا في جانب المشبه به واولى من ذلك أن يكون المرقد مصدرا ميميا بمعنى الرقاد وهو النوم استعير للموت ووجه الشبه ما ذكر والاستعارة في المصدر ولو ميميا أصليا بخلافها في اسماء المكان والزمان والآلة فإنها تبعية والمقصود بالنظر هو المعني القيام في المكان او الزمان او فيما هو الة لا نفس المكان او الزمان او ما هو آلة فانك لا تقول هذا مقتل فلان مشيرا الى الموضع الذي ضرب فيه ضربا شديدا الا على تشبيه الضرب بالقتل ووجه الشبه في الآية كون هذا الكلام كلام الموتى مع قوله عز وجل هذا ما وعد الرحمن الخ ويجوز ان يموتو إذا نفخ نفخة الموتى لئلا يكون حي في القبر ولا خارج القبر الا الحي الدائم سبحانه ولا يحسبون شيئا لموت ارواحهم فكان ذلك نوم وقرىء يا ويلتنا وقرأ ابن مسعود من هبنا بمعنى اهبنا بالهمزة وقيل اراد من هب بنا بباء التعدية وحذفها وعنه من اهبنا بالهمزة والمعنى من ايقظنا من نومنا ظنوا أنهم كانوا نياما لا ختلاط عقولهم بالهول وقرىء من بعثنا بكسر الميم واسكان العين وكسر التاء وقرىء من هبنا بكسر الميم وكسر الباء فيتعلقان بالويل فكأنهم قالوا يا هلاكنا او يا عذابنا او يا تألمنا من العبث والهب او بمحذوف حال من الويل.
{ هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون } هذا مبتدأ إشارة إلى البعث وما خبر اسم موصول والمعنى هذا هو البعث الذي وعده الرحمن وصدق المرسلون في تبليغه أو صدقه المرسلون مثل صدقنا وعده وصدق المرسلون مستأنف أو معطوف أو هذا إشارة للوعد أو البعث وما مصدرية أي هذا الوعد هو وعد الرحمن البعث هو وعد الرحمن أي موعودا وهذا إشارة للمرقد نعت له او بدل منه وما خبر لمحذوف أي البعث ما وعد الرحمن او مبتدأ خبره محذوف اي الذي وعده الرحمن وصدق المرسلون فيه حق وذلك عند الفراء من كلام الملائكة للكفار وقال قتادة ومجاهد والحسن يقوله المؤمنون للكفار.
وقال ابن زيد: من كلام الكفار أقروا حيث لا ينفعهم الإقرار واذا جعلنا هذا نعتا لمرقدنا او بدلا منه فلفظ هذا من كلامهم قطعا وممن اجاز كون هذا نعتا او بدلا لمرقدنا الزجاج والجمهور على انه مبتدأ وفي الآية قول شاذ قالت به فرقة وهو ان قائل هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون هو الله وان قلت مقتضى سؤالهم أن يقال لهم باعثكم الله أو يقال لهم الله قلت اجيبوا بذلك تذكيرا لكفرهم وتكذيبهم بالوعد وتكذيبهم بالمرسلين وفي هذا تقريع لهم وتوبيخ كأنه قيل ليس هذا ببعث النائم من نومه حتى يهمكم السؤال عن الباعث بل هو البعث الأكبر المهول المفزع الذي وعد الله في كتبه المنزلة على ألسنة رسله وإنما الذي يهمكم السؤال عن البعث لا عن الباعث.