التفاسير

< >
عرض

فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ ٱلسَّعْيَ قَالَ يٰبُنَيَّ إِنِّيۤ أَرَىٰ فِي ٱلْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَٱنظُرْ مَاذَا تَرَىٰ قَالَ يٰأَبَتِ ٱفْعَلْ مَا تُؤمَرُ سَتَجِدُنِيۤ إِن شَآءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّابِرِينَ
١٠٢
-الصافات

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ فلما بلغ معه السعي } قال ابن عباس - رضي الله عنهما - المشي معه إلى الجبل وعنه ما شب حتى بلغ سعيه سعى ابراهيم قال الخازن والمعنى انه بلغ ان ينصرف معه ويعينه في عمله وعن ابن عباس السعي في هذه الآية العمل والعبادة والمعونة.
وقال قتادة: السعي على القدم يريد سعيا متمكنا قال بعضهم كان ابن ثلاث عشرة سنة وقيل سبع سنين والراجح ان السعي هنا سعي على الرجلين في اعمال ابيه وإنما قال معه لأن الاب أكمل في الرفق والاستصلاح فلا يتسعيه قبل اوانه او لأنه استوهبه ليسعى معه ومع متعلق بمحذوف أي فلما بلغ السعي مسعه السعي فالسعي الثاني مفعول بلغ والأول مفعول به لبلغ محذوفا ومعه متعلق بهذا الأول كأنه لما قال بلغ السعي قيل مع من قال بلغ السعي معه ولا يتعلق بالسعي بعده لئلا يلزم تقديم معمول المصدر على المصدر وقد يجوز توسيعا في الظروف ولا يتعلق ببلغ ولو كان متبادرا كما قال ابن هشام لاقتضاه بلوغهما معا حد السعي وقد يجوز بناء على ان السعي المراد به حقيقة السعي في ضمن فرد خارج فاذا سعى به إلى الموضع الفلاني فذلك هو السعي الذي بلغه هو وابوه فافهم.
{ قال يا بني إِني أَرى في المنام إِني أَذبحك فانظر ماذا ترى } فتح الياءين قراءة نافع وابي عمرو وابن كثير وسكنها غيرهم والمعنى اما اني ارى في المنام أن اذبحك متحقق على وواجب واما اني ارى في المنام اني شرعت في ذبحك فلتتهيأ يا بني للذبح ولم ير اراقة دم واما اني ارى ان سأذبحك وإنما قال أرى ولم يقل رأيت حكاية للحال المتجددة لانه رأى ذلك ثلاث مرات والمنام اسم زمان أي زمان النوم أي الوقت الذي نمت فيه او مصدر ميمي أي في النوم.
وروي انه رأى في ليلة الثامن ذي الحجة كان قايلا قال له ان الله يأمرك بذبح ابنك هذا فلما أصبح روى ذلك الصباح إلى الرواح امن الله هذا الحلم ام من الشيطان اي فكر في ذلك وهو بتشديد الواو فلذلك سمي يوم التروية وفي الليلة الثانية رأى مثل ذلك فعرف أنه من الله فمن ثم سمى يوم عرفة ثم رأى مثله في الليلة الثالثة فهم بنحره فسمي اليوم يوم النحر.
وقيل ان الملائكة حين بشروه بغلام حليم قال هو اذا ذبيح الله فلما ولد وبلغ حد السعي معه قيل له في المنام اوف بنذرك ورأى ذلك في المنام كما رأى يوسف سجود أحد عشر كوكبا والشمس والقمر اشارة إلى سجود ابويه واخوته، وكما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم دخول المسجد الحرام لتقوية الدلالة على كونهم صادقين مصدقين لأن الحال اما حال يقظة أو منام فاذا تظاهرت الحالتان على الصدق كان ذلك أقوى للدلالة من انفراد احدهما ولتكون مبادرتهما إلى الامتثال ادل على كمال الانقياد والاخلاص ورؤيا الأنبياء وحي وحق وإنما قال له فانظر ماذا ترى مع انها حتم وحق ليعلم حاله في الصبر عند البلاء فهبت قدمه ويصبره ان جزع ويأمن عليه الزلل إن صبر وسلم وليوطن نفسه فيهون عليه البلاء ويكتسب المثوبة بالانقياد له قبل نزوله وليكون سنة في المشاورة ولقد وجده صبورا قابلا لأمر الله مع انه ابن ثلاث عشرة سنة او ابن سبع كما ذكر الله عنه انه غلام حليم وورش بفتح الراء ويكسرها بين بين وابو عمرو يميلها امالة واضحة وغيرهما يخلص فتحها وترى تبصر وتنظر بعقلك وهو من الرأي وقرأ حمزة والكسائي بضم التاء وكسر الراء اي ماذا تريني اي ماذا تخيرني به وقرىء ماذا ترى بالبناء للمفعول أي ما ذا تريك نفسك من الرأي.
(فصل) الخطاب لاسماعيل عليه السلام وهو الذبيح كما قال ابن عباس وابن عمر وابن كعب وجماعة من التابعين وهو الصحيح قال الطبري ان ابن عباس قال الذبيح هو اسماعيل وتزعم اليهود انه اسحاق وكذبت اليهود وان عمر بن عبدالعزيز سأل عن ذلك رجلا يهوديا كان اسلم وحسن اسلامه فقال الذبيح اسماعيل وان اليهود لتعلم ذلك ولكنهم يحسدونكم معشر العرب أن تكون هذه الآيات والفضل في ابيكم.
قال في عرائس القرآن هذا قول عبدالله بن عمرو ابي الطفيل وابن المسيب والشعبي ويوسف بن مهران ومجاهد والربيع بن انس.
وروي عن الحسن البصري أنه كان يقول لا شك ان امر به اسماعيل وهي رواية عطاء بن ابي رباح عن ابن عباس قال المفدى اسماعيل زعمت اليهود انه اسحاق فكذبت اليهود.
وروي ابن اسحاق عن محمد بن كعب انه يقول ان الذي امر الله تعالى ابراهيم بذبحه من ابنيه اسماعيل وقرأ الآية وقال لم يكن الله ليأمره بذبح اسحاق وقد وعد ان يلد يعقوب وبشرناها باسحاق ومن وراء اسحاق يعقوب وذكر محمد بن كعب ذلك لعمر بن عبدالعزيز وهو خليفة اذ كان معه بالشام فقال عمر ان هذا لشيء ما كنت انظر فيه واني لأراه كما قلت ثم ارسل إلى رجل كان عنده بالشام وكان يهوديا قد اسلم وحسن اسلامه وكان يرى انه من علماء اليهود فسأله عن ذلك ومحمد عنده قال عمر اي ابني ابراهيم امره الله بذبحه فقال اسماعيل ثم قال والله يا امير المؤمنين ان اليهود لتعلم ذلك ولكنهم يحسدونكم معشر العرب على ان يكون ابوكم هو الذي كان فيه من امر الله ما كان ويزعمون انه اسحاق لانه ابوهم قال الصنابجي كنا عند معاوية بن ابي سفيان فذكروا اي ولد ابراهيم الذبيح اسماعيل او اسحاق قال علي الخبير سقطتم كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام رجل فقال يا رسول الله عد علي مما افاء الله عليك يا ابن الذبيحين فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعلوم انه صلى الله عليه وسلم من ولد اسماعيل لا من ولد اسحاق والذبيح الآخر هو ابوه عبدالله لان عبدالمطلب كما قال صلى الله عليه وسلم نذر ان يذبح احد اولاده ان يسر الله له امر زمزم وكان يريد ان يعلم موضعها ويحفرها فسهل الله له فوقع السهم على عبدالله فمنعه اخواله بنو مخزوم فقالوا افد ابنك بمائة من الابل ففداه بها ولذلك سنت الدية مائة.
وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم
"أَنا ابن الذبيحين" .
وعن محمد بن كعب القرضي كان مجهد بني اسرائيل اذا دعا قال اللهم إله ابراهيم واسماعيل واسرائيل فقال موسى يا رب ما لمجهد بني اسرائيل اذا دعا يقول اللهم رب ابراهيم واسماعيل واسرائيل وانا بين اظهرهم قد اسمعتني كلامك واصطفيتني برسالتك قال يا موسى لم يحبني احد حب ابراهيم قط ولا خير بيني وبين شيء قط الا اختارني، واما اسماعيل فانه اجاد بذبح نفسه واما اسرائيل فانه لم ييأس من روحي في شدة نزلت به قط.
قال جار الله ويدل له ان الله تعالى لما اتم قصة الذبيح قال وبشرناه باسحاق وهو قول عبدالله بن سلام ويدل لذلك ايضا وصف اسماعيل بالصبر في غير هذه الصورة دون اسحاق فليكن هو صبره على الذبح وهو ضعيف ووصفه بصدق الوعد فليكن هو وعده الصبر لابيه على الذبح وهو ضعيف ايضا ويدل لذلك ان الامر وقع بمكة والذي فيها هو اسماعيل وكان قرنا الكبش الذي فدى به متعلقين على الكعبة في ايدي بني اسماعيل الى أن احترق البيت في زمان ابن الزبير قال الشعبي رأيت قرني الكبش منوطين بالكعبة.
قال ابن عباس: والذي نفسي بيده لقد كان اول الاسلام ورأس الكبش معلق بقرنيه في ميزان الكعبة وقد يبس.
قال الأصمعي: سألت ابا عمرو بن العلاء عن الذبيح اسحاق كان او اسماعيل فقال اين ذهب عقلك متى كان اسحاق بمكة انما كان بمكة اسماعيل هو بنى البيت مع ابيه والمنجر بمكة.
وقال علي والعباس وعطاء وعكرمة وجماعة من التابعين: ان الذبيح اسحاق، قال في عرائس القرآن اجمع أهل الكتاب عليه وهو قول عمر بن الخطاب وعلى بن ابي طالب وكعب الاحبار وسعيد بن جبير وقتادة ومسروق وعكرمة والقاسم بن مرة ومقاتل وعبدالرحمن بن ساباط وابي الهديد والزهري والسدي وابن عباس وافتخر رجل عند ابن مسعود فقال انا فلان ابن فلان من الاشياخ الكرام فقال ابن مسعود ذلك يوسف صديق الله ابن يعقوب اسرائيل الله ابن اسحاث ذبيح الله ابن ابراهيم خليل الله قال في عرائس القرآن قال موسى يا رب يقولون يا إله ابراهيم واسحاق ويعقوب ففيم قالوا ذلك فقال ان ابراهيم لم يخير في شيء قط الا اختراني عليه وان اسحاق جاد لي بالذبح فهو بغير ذلك اجود وان يعقوب كلما زدته بلاء زادني حسن ظن وقال يوسف للملك اترغب ان تأكل معي وانا والله صديق الله بن يعقوب اسرائيل الله بن اسحاق ذبيح الله ابن ابراهيم خليل الله.
قال العباس بن عبدالمطلب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
"الذي أَمر إِبراهيم أَن يذبحه إِسحاق" وعنه ايضا "الذي فداه الله بذبح عظيم إِسحاق" وعن ابي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إِن الله تعالى خيرني أَن يغفر لنصف أُمتي وأَن اخبي شفاعتي لأُمتي فاخترت شفاعتي ورجوت أَن تكون أَعم لامتي ولولا الذي سبقني إِليه العبد الصالح لتعجلت دعوتي" وذلك ان الله لما فرج عن اسحاق كرب الذبح قيل يا اسحاق سل تعط اذا والذي نفسي بيده لا تعجلنها قبل نزعة الشيطان اللهم من مات لا يشرك بك شيئا فاغفر له وادخله الجنة يعني ان لم يصر لقوله هلك المصرون قال في عرائس القرآن ويدل له ان الله تعالى اخبر عن ابراهيم حين فارق قومه مهاجرا إلى الشام بسارة ولوط وقال اني ذاهب الى ربي سيهدين رب هب لي من الصالحين يعني ولدا صالحا وذلك قبل ان يعرف هاجر وقبل ان تصير له ام اسماعيل ثم اتبع ذلك الخبر اجابة دعوته وتبشيره بغلام حليم ثم اتبع بروئة الذبح وليس في القرآن انه بشر بولد ذكر الا اسحاق وعلى هذا القول كانت القصة بالشام.
وعن سعيد بن جبير رأى ابراهيم ذبح اسحاق في المنام وهو في الشام فسار به مسيرة شهر في غداة واحدة حتى اتى به المنحر من منى ولما امره الله بذبح الكبش ذبحه وسار به مسيرة شهر في روحة واحدة طويت له الاودية والجبال والقول الاول اصح والأحاديث المروية الثاني لم تثبت قال القاضي البيضاوي وما روي انه صلى الله عليه وسلم
"سئل أي النسب أَشرف فقال يوسف صديق الله ابن يعقوب إِسرائيل الله بن إِسحاق ذبيح الله بن إِبراهيم خليل الله" الصحيح انه فان يوسف بن يعقوب بن اسحاق بن ابراهيم والزوايد الراوي وما وري ان يعقوب كتب الى يوسف مثل ذلك لم يثبت وذكر في المواهب ان الجرهمي عمرو بن الحارث لما احدث قومه بحرم الله الحوادث قيض الله لهم من اخرجهم من مكة فعمد عمرو الى نفائش فجعلها في زمزم وبالغ في ضمها وفر الى اليمن بقومه فلم تزل زمزم من ذلك العهد مجهولة الى ان رفعت عنها الحجب برؤيا منام ورآها عبدالمطلب دلته على حفرها بامارات عليها قلت ذكر بعضهم انه قيل له في المنام انك تجدها بين حجر النمل وبين الفرث الدم فاضح يقص تلك العلامات واذا ببقرة او شاة في رجليها بياض هربت من القصاب فذبحها في جانب ورمي فرثها في جانب فكانت تلك الامارات فمنعته قريش من حفرها ثم اذاه من السفهاء من اذاه فاشتد بذلك بلواه ومعه ولده الحارث ولم يكن له ولد سواه فنذر لئن جاءه عشرة بنين وصاروا له اعوانا ليذبحن احدهم لله قربانا ثم احتفرها فكانت له فخرا وعزا ولما تكامل بنوه عشرة وهم الحارث والزبير وجحل بتقديم الجيم على الحاء المهملة واجيز العكس وضرار والمقوم وابو لهب والعباس وحمزة وابو طالب وعبدالله واقر الله عينيه بهم نام ليلة عند الكعبة المطهرة فرأى في المنام قائلا يقول يا عبدالمطلب اوف بنذرك لرب هذا البيت فاستيقظ فزعا مرعوبا وامر بذبح كبش واطعمه الفقراء والمساكين ثم نام فرأى ان قرب ما هو اقرب من ذلك فاستيقظ من نومه وقرب ثورا ثم نام فرأى ان قرب ما هو اكبر من ذلك فقرب جملا واطعمه المساكين ثم نام فنودي ان قرب ما هو اكبر من ذلك فقال وما اكبر من ذلك فقال قرب احد اولادك الذين نذرته فاغتم غما شديدا وجمع اولاده واخبرهم بنذره ودعاهم الى الوفاء فقالوا انا نطعيك فمن تذبح منا قلت قيل القائل الحارث وحده فقال ليأخذ كل واحد منكم قدحا وهو سهم بلا نصل ثم ليكتب فيه اسمه ثم فعلوا واخذها ودخل على هبل وكان صنما في جوف الكعبة يعظمونه ويضربون عنده الاقداح فيستقسمون بها اي يرتضون بما يقسم لهم ثم يضرب بها القيم الذي لها فدفع ذلك إلى ذلك القيم وقام يدعو الله فخرج على عبدالله وكان احب ولده اليه فقبض على يده واقبل به الى اساف ونائله صنمين عند الكعبة ينحر ويذبح عندهما النسك وفي يده شفرة فقام اليه سادة قريش فقالوا ما تريد ان تصنع فقال اوفي بنذري فقالوا لا ندعك ان تذبحه حتى تعذر فيه إلى ربك ولئن فعلت هذا لا يزال الرجل يأتي بابنه فيذبحه وتكون سنة وقالوا له انطلق الى فلانة الكاهنة واسمها قطبة وقيل سجاح فلعلك أن تامرك بأمر فيه فرج لك فانطلقوا حتى اتوها بخيبر فقص عليها عبدالمطلب القصة فقالت كم الدية فيكم قالوا عشرة من الابل فقالت ارجعوا الى بلادكم ثم قربوا صاحبكم وعشرة من الابل ثم اضربوا عليه وعليها بالقداح فان خرجت القداح على صاحبكم فزيدوا في الابل ثم اضربوا ايضا هذا حتى يرضى ربكم فاذا خرجت على الابل فانحروها فقد رضى ربكم وتخلص صاحبكم فرجع القوم الى مكة وقربوا عبدالله وقربوا عشرا من الابل وقام عبدالمطلب يدعو فخرجت القداح على ولده ولم يزل يزيد عشرا عشرا حتى بلغت الابل مائة فخرجت القداح على الابل فنحرت الابل وتركت لا يصدغها انسان ولا طائر ولا سبع وان صح ان المراد باحد الذبيحين اسحاق فالعرب تجعل العم ابا فجعل اسماعيل ابا وهو عم وان صح الذبيح اسماعيل فالعرب تجعل العم ابا فجعل في بعض الروايات على ما مر اسحاق ابا وهو عم ومن ذلك ام كنتم شهداء اذ حضر يعقوب الموت الآية قال ابن القيم ومما يدل على ان الذبيح اسماعيل انه لا ريب ان الذبيح كان بمكة ولذلك جعلت القرابين يوم النحر بها كما جعل السعي بين الصفا والمروة ورمي الجمار تذكيرا بشأن اسماعيل وامه ومعلوم ان اسماعيل وامه هما اللذان كانا بمكة دون اسحاق وامه ولو كان الذبيح بالشام كما زعم اهل الكتاب ومن تلقى منهم لكانت القرابين والذبيح بالشام لا بمكة وايضا فان الله سمي الذبيح حليما ولا احلم ممن سلم نفسه للذبيح طاعة لله تعالى وذكر اسحاق وسماه عليهما لا حليما وايضا ان الله اجرى العادة البشرية ان بكر الاولاد احب الى الوالدين ممن بعده وابراهيم لما سأل ربه الولد تعلقت شبعة من قلبه بمحبته والله قد اتخذه خليلا والخلة منصب يقتضي توحيد المحبوب بالمحبة ولما اخذ الولد شعبة من قلبه جاءت غيرة الخلة تنزعها من قلبه فامر بذبح المحبوب فلما اطاع كانت محبة الله اعظم عنده وخلصت الخلة من شوائب المشاركة فلم يبق في الذبح مصلحة اذ كانت المصلحة انما هي في العزم وتوطين النفس وقد حصل المقصود فنسح الامر وفدى الذبيح وصدق الخليل الرؤيا باني كلام في ادعاء النسخ وقد انشد بعضهم:

إِن الذبيح هديت إِسماعيل نطق الكتاب بذاك والتنزيل
شرف به خص الإِله نبيناوأَتى به التفسير والتأويل

ولما لحق هاجر ذلك جبره الله بان جعل اثار اقدامها مشاعر ومناسك مدى الدهر وما مر من ان اولاد عبدالمطلب عشرة وان منهم حمزة والعباس قبل الوفاء بالنذر منازع فيه بأنهما ولدهما بعده وذكر السهيلي أن له صلى الله عليه وسلم اثني عشر عما فليجعل الاثنان بعد حمزة والعباس فإن هالة ام حمزة تزوجها بعد الوفاء بالنذر والعباس ابن ثلاث سنين او نحوها حين ولد النبي صلى الله عليه وسلم ويحتمل أن يكون المراد ببنيه بنيه وبني بنيه فتكمل العشرة بهم بدون العباس وحمزة رضي الله عنهما وادعى بعضهم أن عبدالله كان أصغر أولاده ولعله كان أصغر اولاده عند ارادة الذبح.
{ قال يا أبت } التاء عوض عن ياء الاضافة وقرأ ابن عامر بفتحها.
{ افعل ما تؤمر } يا ما تؤمر به فحذف الجار والمجرور دفعة أو حذف الجار وانتصب مجروره فحذف أو ما مصدرية أي فعل امرك باضافة المصدر إلى مفعوله وهذا المصدر بمعنى المأمور به وقريء ما تؤمر به وإنما قال ما تؤمر لا ما أمرت حكاية للحالة المتجددة لأنه أمر بالذبح في المنام ثلاث مرات.
{ ستجدني } بفتح الياء عند نافع وبإسكانها عند غيره.
{ إن شآء الله من الصابرين } على البلاء فاصبر على الذبح وقدر بعضهم من الصابرين على الذبح وهو ضعيف إذ لا جماعة صبرت على الذبح فيكون منهم اللهم إلا إن أراد إياه وأمه وسماهما جماعة أو كان معهما من العيال غيره وصبروا على ذبح اسماعيل فسماهم صابرين على الذبح وهذا على فرض أن غير أبيه عالم بأنه سابه للذبح أو فرض أن الخلق لا يخلو من صابرين على الذبح لو أمروا به فيصبر على أن يذبح كما يصبر غيره على أن يذبح لو أمر غيره بأن يذبح وقد امرت بنوا اسرائيل بعده بقتل أنفسها بالذبح وغيره فامتثلت وعلق وجوده صابرا بمشيئة الله تبركا ولكونه لا يدري لعله ينقلب إلى الجزع.