التفاسير

< >
عرض

وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي ٱلآخِرِينَ
١٢٩
سَلاَمٌ عَلَىٰ إِلْ يَاسِينَ
١٣٠
إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ
١٣١
إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُؤْمِنِينَ
١٣٢
-الصافات

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ وتركنا عليه في الآخرين سلام على إِل ياسين } بمنع الصرف العلمية والعجمة وياسين هو الياس وهو لغة فيه كسيناء وسينين وقريء على الياسين بوصل اللام من على بالهمزة المكسورة من الياسين قال السهيلي قال ابن جني العرب تتلاعب بالأسماء الأعجمية تلاعبا فياسين والياس والياسين شيء واحد وقيل الياسين جمع إلياس مراد به هو واتباعه كما اريد بآل ياسين هو واتباعه ولفظه آل مقحمة كما يقال مزمير آل داود رد بأنه عجمي فلا يجمع وبأنه لو كان جمعا لقرن بأل فان أل التي فيه ليست للتعريف بل هي بعض حروف مفردة وهمزته أيضا مكسورة قطعية وقد يجاب بأنه قد يرد الجمع بدون آل كسعد وسعود وخصه بعض بالضرورة وبه قال الشيخ سعيد قد ورد والكلام في جمع العلم قيل ويجوز أن يكون الياسين جمعا للمنسوب إلى إلياس كالأعجمية جمعا للأعجم بحذف ياء النسب في الجمع وهو قليل ملبس بالجمع الذي هو جمع المنسوب إليه وقريء على الياسين بالوصل قال جار الله على أنه جمع يراد به الياس وقومه قال وقريء على الياسين وادر يسين وادراسين وادرسين على أتمها لغة في إلياس وإدريس ولعل لزيادة الياء والنون.
في السريانية منى اه، وقراءة نافع هي على آل ياسين وهي قراءة نافع وابن عامر ويعقوب وقرأ الباقون على الياسين بقطع الهمزة مكسورة وإسكان اللام قال القاضي وعلى قراءة نافع يكون ياسين ابا الياس فأهله هو الياس ومر غير هذا وقيل ياسين سدينا محمد صلى الله عليه وسلم وقيل القرآن نفعنا الله به وقيل اسمه له او لغيره من كتب الله وكل من هذه الأقوال الثلاثة لا يناسب سائر القصص فيه هذه السورة إذ كل قصة تحتتم بمن بدئت به وهنا بدئت بالياس ولا يناسب أيضا قوله:
{ إنا كذلك نجزي المحسنين إنه من عبادنا المؤمنين } إذ الظاهر أن الضمير لإلياس فيما قال القاضي وهو محتمل لا متعين إذ لا مانع لرده للنبي عند من قال أنه المراد بآل ياسين والحق ان الكلام في إلياس وأنه المراد في الآية كلها.
(فصل)
قال في عرائس القرآن قال محمد بن اسحاق بن بشار والعلا من أصحاب الأحبار لما قبض الله النبي حزقيل عليه السلام عظمت الأحداث في بني إسرائيل وظهر فيهم الفساد ونسوا عهد الله إليهم في التوراة حتى نصبوا الأوثان وعبدوها من دون الله فبعث الله عز وجل عليهم إلياس عليه السلام نبيا وهو إلياس بن ياسين بن فنحاص بن العيزار بن هارون عليه السلام بعث إليهم بتجديد ما نسوا وضيعوا من أحكام التوراة وبنوا إسرائيل يومئذ متفرقون في أرض الشام وفيهم ملوك كثيرة وكان يوشع قد فتح أرض الشام ببني إسرائيل وقسمها بينهم وادخل سبطا منهم بعلبك ونواحيها وهم سبط الياس وبعث الله عليهم يومئذ إلياس نبيا وعليهم يومئذ ملك اسمه لاحب قد أضل قومه وأجرأهم على عبادة الصنم وكان هو وقومه يعبدون صنما يقال له بعل وجعل إلياس يدعوهم إلى دين الله عز وجل ولا يجيبونه ولا يطيعونه إلا لاجابا فإنه آمن به فما قيل ثم كفر وقيل لم يؤمن وكان إلياس يقوم بأمره ويسدده وكانت للاحب امرأة يقال لها أريبل وكان يستخلفها على رعيته إذا غاب في غزوة أو غيرها وكانت تبدو للناس كما يبدو زوجها وتركب كما يركب وتجلس في مجلس القضاء وتقضي بين الناس وكانت قتالة الأنبياء وكان لها كاتب رجل مؤمن حكيم يكتم إيمانه وكان قد خلص من يديها ثلاث مائة نبي وكانت تريد قتل كل واحد سرا بحيلة إذا بعثت وكانت في نفسها غير محصنة ولم يكن على وجه الأرض أحسن منها وهي مع ذلك قد تزوجت سبعة ملوك من بني إسرائيل وقتلتهم كلهم بالاغتيال وكانت معمرة ولدت سبعين ولدا وكان للاحب جار من بني إسرائيل رجل صالح يقال له مزدكي وكانت له جنة يعيش منها ويقبل على عمارتها وكانت الجنة إلى جنب قصر الملك وامرأته وكانا يشرفان على الجنة ويتنزهان فيها ويأكلان ويشربان ويقيلان فيها وكان لاحب يحسن جواره وحسدته امرأته وارادت غصب جنته لحسنها ولاشتهارها في ألسنة الناس وقولهم لِمَ لَمْ يغصبها الملك وامرأته ولم تزل تحتال في غصب الجنة وقتل الرجل الصالح والملك ينهاها فلم تجد إليه سبيلا ثم إنه اتفق خروج الملك إلى سفر بعيد فلما طالت غيبته اغتنمت امرأته اريبل الحيلة على مزدكي وهو مقبل على طاعة الله غافل عنها في معيشته فجمعت أريبل جمعا من الناس وأمرتهم أن يشهدوا على مزدكي إنه سب الملك فأجابوها ومن حكمهم قتل من سب الملك إذا قامت البينة بذلك فأحضرت مزدكي وقالت بلغني عنك أنك شتمت الملك وعبته فأنكر ذلك فقالت ان عليك شهودا فأحضرتهم فشهدوا بحضرة الناس عليه بالزور فأمرت بقتله فقتل فأخذت الجنة فغضب الله للعبد الصالح ولما قدم الملك من سفره أخبرته الخبر فقال لها ما احببت ولا وقفت وانا لا نفلح ابدا وان كنا عن جنته لأغنياء قد كنا نتنزه فيها وقد جاورنا منذ زمان طويل فأحسنا جواره وكففنا عنه الأذى لوجوب حقه علينا فختمت أمره بسوء الجوار وما حملك على الاجتراء عليه إلا سفهك وسوء رأيك وقلة تفكرك في العواقب فقالت انما غضبت لك وحكمت بحكمك فقال هلا عفوت عنه فقالت قد كان ما كان فأرسل الله الياس إلى لاحبّ وقومه أن يخبره أن الله غضب لوليه حين قتل ظلما وحلف ان لم يتوبا ولم يردا الجنة على ورثته يهلكهما في جوف الجنة اشر ما يكونان ويدعهما جيفتين تنتشر لحومهما من عظامهما ولا يتمتعان بها إلا قليلا فجاء إلياس فأخبره بما أوحى الله اليه فاشتد غضبه وقال بالياس والله ما أرى الذي تدعونا اليه إلا باطلا والله ما أرى فلانا وفلانا سمى ملوكا منهم قد عبدوا الأوثان إلا على ما نحن عليه يأكلون ويشربون وهم بتعذيبه وقتله فأحسن إلياس فلحق بشواهق الجبال وعاد الملك إلى عبادة بعل وارتقى إلياس اصعب جبل وأوعره ودخل مغارة ويقال بقي فيه سبع سنين شريدا طريدا خلفا يأوي الى الشعاب ويأكل من نبات الأرض وثمار الشجر وهم في طلبه وقد وضعوا عليه العيون يتوقعون اخباره ويجتهدون في طلبه واخذه والله تعالى يستره ويدفع عنه ولما تم سبع سنين اذن الله تعالى في ظهوره وشفاء غيظه منهم فأمرض الله ابنا للملك وكان احب ولده إليه واعزهم عليه فادلف حتى يئس منه فدعا صنمه بعلا ولم يشف ولما اشتد مرضه طلب الملك إلى خدمة الصنم المذكورين أن يشفعوا له إلى الصنم ومنع الله الشياطين من الدخول في جوفه واجتهدوا في التضرع وابنه يزداد مرضا ولما طال الأمر قال للملك إن في ناحية الشام آلهة أخرى وهي في العظم مثل الهك فابعث اليها انبياءك يشفعوا لك إليها فلعلها تشفع إلهك بعلا فانه غضبان عليك ولولا غضبه لاجابك وشفى ابنك. قال ولأجل ما غضب علي وأنا أطيعه وأطلب رضاه ولم اسخطه ساعة قالوا لأنك لم تقتل إلياس وفرطت فيه حتى نجي سليما وهو كافر بالهك يعبد غيره فذلك الذي أغضبه عليك قال وكيف لي ان اقتل الياس في يومي هذا وأنا مشغول بوجع ابني عن طلبه وليس لإلياس مطلب ولا يعرف له موضع فلو عافى ابني تفرغت لطلبه ولم يكن لي هم ولا شغل غيره حتى ءاخذه واقتله واريح إلهي منه وارضيه ثم بعث أنبياءه يشفعون إلى الأصنام التي في الشام ان تشفع للملك إلى بعل فانطلقوا حتى اذا كانوا بحيال الجبل الذي فيه الياس أوحى الله سبحانه إلى إلياس عليه السلام ان يهبط من الجبل ويعارضهم ويستوقفهم ويكلمهم وقال له لا تخف فإن سأصرف عنك شرهم والقي الرعب في قلوبهم فنزل الياس من الجبل فلما لقيهم استوقفهم فلما وقفوا قال لهم ان الله عز وجل أرسلني إليكم وإلى من ورائكم فاستمعوا أيها القوم رسالة ربكم لتبلغوا صاحبكم فارجعوا اليه وقولوا له يا لاحب إن الله يقول ألست تعلم أني لا إله إلا أنا إله بني اسرائيل الذي خلقهم ورزقهم واماتهم وأحياهم فجهلك وقلة علمك حملك ان تشرك بي وتطلب الشفاعة لابنك من غيري ممن لا يملكون لأنفسهم شيئا إلا شئت اني حلفت باسمي لأغيظنك في ابنك ولاميتنه حتى تعلم ان احد لا يمك شيئا دوني فرجعوا إلى الملك وقالوا له إن إلياس انحط عليها من جبل وهو نحيف طويل اقشف اشعث بجبة صوف وعباءة قد خللها على صدره بخلال فاستوقفنا وتكلم لنا وملئت قلوبنا رعبا وهيبة منه وقصوا عليه ما قال لهم فقال الملك لا انتفع بالحياة ما دام الياس حيا ما الذي منعكم ان تبطشوا به حين لقيتموه وتأتوني به؟ قالوا: منعنا الرعب الذي قلنا لك قال لا يطاق الياس إلا بالمكر والخديعة فقيض له خمسين رجلا من ذوي القوة من قومه وعهد إليهم عهده وأمرهم بالاحتيال عليه باطماعه في أنهم آمنوا به هم ومن ورائهم فانطلقوا إلى الجبل وتفرقوا فيه ينادون بأعلى أصواتهم يا إلياس يا نبي الله أبرز إلينا وامننا بنفسك علينا وعرفنا ما قلت فقد آمنا بك نحن وملكنا وجميع قومنا يقرؤونك السلام فأقم بين اظهرنا واحكم فينا ولا يسعك ان تتخلف عنا فارجع إلينا وكل هذا مكر وخديعة منهم ولما سمع الياس مقالتهم وقعت في قلبه وطمع في ايمانهم وخاف الله واشفق من سخطه وهو لم يظهر لهم ولم يجبهم بعد الذي سمع منهم فلما اجمع على البروز اليهم رجع على نفسه فقال لو اني دعوت الله وسألته ان يعلمني ما في انفسهم ويطلعني على حقيقة أمرهم وذلك الهام من الله له فقال اللهم ان كانوا صادقين فيما يقولون فاذن لي في البروز وان كانوا كاذبين فالففهم واحراقهم بنار فما استتم كلامه حتى حصبوا بنار من فوقهم فاحترقوا اجمعين فلما بلغ لاحبا وقومه الخبر لم يرتدعوا ولم يرتدع الملك من همه بالسوء واحتال في امر الياس وقيض له فئة اخرى مثل عددهم وأمكن في الحيلة وعلوا الجبل متفرقين وجعلوا ينادون يا نبي الله إنا نعوذ بالله ربك من غضبه وسطوته إنا لسنا كالذين اتوك قبلنا لأن أولئك فرقة نافقوا وخالفونا فساروا إليك ليمكروا بك من غير رائنا ولا علم منا ولو علمنا بهم لقتلناهم فالآن قد كفاك أمرهم ربك وأهلكهم بشر نيتهم وانتقم لنا ولك منهم فلما سمع إلياس عليه السلام مقالتهم فدعا الله بدعوته الأولى أمطر الله تعالى عليهم النار فاحترقوا عن آخرهم وفي كل ذلك ابن الملك في البلاء الشديد من وجعه كما وعده الله سبحانه فلما سمع بهلاك اصحابه ازداد غيظا وراد ان يخرج في طلب الياس بنفسه الا انه شغله عن ذلك مرض ابنه فوجه نحو الياس الكاتب المؤمن الذي هو كاتب امرأته رجاء ان يأمن اليه إلياس فينزل معه واظهر للكاتب أنه لا يريد بإلياس شرا لعلمه أنه مؤمن ولكن تركه لانتفاعه في سداد الأمور والتبصرة وارسل معه فئة واعلمهم أن يوثقا الياس ويأتوا به ان اراد التخلف وان جاء مع الكاتب واثقا به انسا بمكانه فلا توحشوه ولا تروعوه واظهر للكاتب الاتابة وانه قد آن لي أن أتوب وانقض وقد اصابتنا بلايا من حريق أصحابنا والبلاء الذي فيه ابني وقد علمت ان ذلك بدعوة إلياس ولست آمن ان يدعو على جميع من بقي فنهلك بدعوته فانطلق اليه واخبره انا قد تبنا وانه لا يصلحنا في توبتنا وما بد من رضا الله وخلع أصنامنا ألا أن يكون إلياس بين اظهرنا يأمرنا وينهانا ويخبرنا بما يرضي ربنا وامر قومه فاعتزلوا الأصنام وامر الكاتب ان يخبر الياس بذلك وانا قد خلعنا الهتنا واخرنا امرها حتى ينزل إلينا فيكون هو الذي يحرقها ويهلكها وكل ذلك مكر فانطلق الكاتب والفئة حتى علوا الجبل الذي فيه الياس ثم ناداه فعرف الياس صوته فتاقت نفسه إليه وأنس بمكانه وكان مشتاقا الى لقائه فأوحى الله تعالى إلى الياس عليه السلام أن أبرز إلى اخيك الصالح فالقه وجدد معه العهد فبرز إليه وسلم عليه وصافحه فقال ما الخبر فقال انه بعثني إليك هذا الجبار وقومه ثم قص عليه ما قال ثم قال له واني خائف ان رجعت اليه ولست معي ان يقتلني فمرني بما شئت أن افعل وانتهي اليه فان شئت انقطعت اليك وتركته وكنت معك وان ارسلتني اليه بما تحب فابلغه رسالتك وان شئت دعوت ربك يجعل لنا من امرنا فرجا ومخرجا فأوحى الله ان ذلك مكر من الملك فانطلق معه ليلا يتهمه بك وسأشغل عنك لأحبا واضاعف على ابنه حتى لا يكون له هم غيره ثم اميته عن اشد حال فاذا مات فارجع فانطلق معهم حتى قدموا على لاحب فلما قدموا عليه شدد الله الوجع على ابنه فأخذ الموت يكضمه فشغل الله بذلك لاحبا واصحابه فلما فرغوا من أمره وقد خدعه الله من إلياس سأل عنه الكاتب الذي جاء به! فقال: ليس لي به علم وذلك انه شغلني عنه موت ابنك والجزع عليه ولم أكن احسبك إلا قد استوثقت منه فضرب عنه لاحب وتركه لما كان فيه من الحزن على ابنه فلما طال الأمر على إلياس مل الكون في الجبال والمقام فيها واشتاق إلى العمران والناس فنزل من الجبل وانطلق حتى نزل على امرأة من بني إسرائيل وهي ام يونس تخدمه بنفسها وتؤانسه بذات يدها ولا تذكر عنه شيئا كرامة من الله عليها وعليه ثم سأم الياس عليه السلام ضيق البيوت بعد تعوده الجبال ورحبها فأحب اللحوق بالجبال فخرج وعاد إلى ماكنه فجزعت أم يونس لفراقه وأوحشها فقده ثم لم تلبث إلا يسيرا حتى مات ابنها يونس فعظمت مصيبتها فيه فخرجت في طلب إلياس فلم تزل ترقي الجبال وتطوف بها حتى عثرت عليه فقالت له اني قد فجعت بعدك بموت ابني فعظمت مصيبتي واشتد لفقده بلائي وليس لي ولد غيره فارحمني وادع ربك عز وجل يحييه لي وتجبر مصيبتي فاني تركته مسجى لم ادفنه وقد اجفيت مكانه فقال لها إلياس ليس هذا مما امرت به وإنما أنا عبد مأمور أعمل بما يأمرني ربي ولم يأمرني بهذا ربي فجزعت المرأة وتضرعت فعطف الله قلب إلياس عليها فقال لها ومتى مات ابنك قالت منذ سبعة ايام فانطلق إلياس وسار معها سبعة ايام حتى انتهى إلى منزلها فوجد ابنها ميتا منذ اربعة عشر يوما فتوضأ إلياس عليه السلام وصلى ودعا فأحيا الله يونس بن متى فانصرف إلياس عليه السلام وعاد إلى موضعه فلما طال عصيان قومه ضاق إلياس السلام لذلك ذرعا واجهده البلاء فأوحى الله تعالى إليه بعد سبع سنين وهو خائف مجهود يا إلياس ما هذا الجزع والحزن الذي انت فيه الست اميني على وحيي وحجتي على خلقي وصفوتي من خلقي فاسألني أعطك فاني ذو الرحمة الواسعة والفضل العميم فقال إلياس يا رب لو امتني فالحقني بآبائي فاني قد مللت بني اسرائيل وملوني وابغضوني فأوحى الله إليه ما هذا اليوم الذي اعرى منك الأرض وأهلها وإنما قوامها وصلاحها بك وبأشباهك ولكن سلني اعطك قال إلياس فان لم تمتني فأعطني تاري من بني إسرائيل قال الله عز وجل وأي شيء تريد أن اعطيك يا إلياس قال تمكنني من خزائن السماء سبع سنين ولا تنشىء عليهم سحابة الا باذني ولا تمطر عليهم قطرة سبع سنين إلا بشفاعتي فإنهم لا يذلهم الا ذلك قال الله تعالى أنا أرحم بخلقي من ذلك وان كانوا ظالمين ولكن ثأرك ثلاث سنين اجعل خزائن المطر بيدك فلا تجيئهم سحابة إلا باذنك ولا تنزل عليهم قطرة الا بشفاعتك قال إلياس بأي شيء اعيش قال اسخر لك جنسا من الطير ينقل لك طعامك وشرابك من الريف ومن الأرض التي لم تفحط قال إلياس رضيت فأمسك عنهم المطر حتى هلكت المواشي والدواب والهوام والشجر وجهد الناس جهدا والياس على حاله مستخف من قومه فيوضع له الرزق حيث ما كان وقد عرف بذلك قومه وكانوا اذا وجدوا ريح الخبز في بيت قالوا لقد دخل إلياس في هذا المكان فيبحثون ويلقى اهل المنزل منهم شرا قال ابن عباس أصاب بني إسرائيل القحط ثلاث سنين فمر إلياس عليه السلام بعجوز فقال لها اعندك طعام قالت شيء من دقيق وزيت قليل فدعا بهما ودعا فيهما بالبركة ومسه حتى ملأ جرابها دقيقا وملأ خزانتها زيتا فلما رأوا ذلك عندها قالوا من اين لك هذا قالت مر بي رجل من حاله كذا وكذا فوصفته بصفته فعرفوه بها قالوا ذلك إلياس عليه السلام فوجدوه قد هرب وأوى ليلة إلى بيت امرأة من بني اسرائيل عندها ولد يقال له اليسع بن احطوب به ضر فأوته وأخفت امره فدعا لها فعوفي من الضر الذي كان به واتبع اليسع إلياس وآمن به وصدقه وذهب معه حيث ذهب وكان إلياس قد سن وكبر وكان اليسع غلاما وقد هلك الخلق من انس وبهائم ودواب وشجر ونبات فخرج إلياس باذن الله إلى بني اسرائيل فقال انكم قد هلكتم جهدا وجوعا وهلكت البهائم والطير والدواب والهوام والشجر بخطاياكم وانكم على باطل وغرور فاخرجوا إلى اصنامكم فان اجابت لكم فذلكم كما تقولون ففعلوا ولم تملك شيئا قالوا له فادع لنا فدعا ومعه اليسع عليهما السلام فخرجت سحابة كالترس على ظهر البحر ينظرون اليها فاقبلت نحوهم وطبقت الآفاق ثم امطرت عليهم فأحيى الله بلادهم فشكوا إلى الياس عدم البدر فأوحى اليه ان مرهم يبثوا الملح في الأرض ففعلوا ذلك فأنبت الله عز وجل الحمص فلما كشف الله عنهم الضر نقضوا العهود ولم ينزعوا عن كفرهم ولم يقلعوا عن ضلالتهم واقاموا على اخبث ما كانوا عليه فلما رأى إلياس ذلك دعا ربه عز وجل ان يحميه عنهم فقيل له انظر يوم كذا وكذا واخرج إلى موضع كذا فما جاءك من شيء فاركبه ولا تهبه فخرج إلياس ومعه اليسع ابن اخطوب حتى اذا كانوا بالموضع الذي امر به اقبل فرس من نار حتى وقف بين يديه وقيل على لون نار فوثب عليه فانطلق به الفرس فناداه اليسع يا إلياس ما تأمرني به فقذف اليه كساه من الجو الاعلى وكان ذلك علامة استخلافه اياه على بني اسرائيل وكان ذلك آخر العهد به وقطع عنه لذات المطعم والمشرب وكساه الريش فكان انسيا ملكيا ارضيا سماويا وقيل هو مع الخضر في الأرض ويحتمل ان يكون بعد رفعه رجع إلى الأرض وسلط الله عز وجل على لاحب وامرأته اربيل وقومه عدوا لهم فقصدهم من حيث لم يشعروا به حتى قتلهم فقتل لاحب وامرأته في بستان مزدكي فلم تزل جيفتاهما ملقاتين في البستان حتى بليت لحومهما ورمت عظامهما ونبا الله بفضله اليسع عليه السلام وبعثه رسولا إلى بني اسرائيل وكانوا يعظمونه وينتهون إلى امره وحكم الله عز وجل فيهم قائم إلى ان فارقهم اليسع عليه السلام قال السدي عن يحيى عن عبد العزيز بن ابي رواد قال: الخضر وإلياس عليهما السلام يصومان شهر رمضان ببيت المقدس ويوافيان الموسم في كل عام.
وعن رجل من اهل عسقلان انه كان يمشي بالأردن نصف النهار فرأى رجلا فقال له من انت يا عبدالله قال انا إلياس فوقعت عليه رعدة فقال ادع الله ان يرفع عني ما اجد حتى افهم حديثك واعقل عنك فدعا له بثماني دعوات: يا رحمن يا رحيم يا حنان يا منان يا حي يا قيوم قال ودعوتين بالسريانية لم افهمهما فرفع الله عني ما اجد ثم وضع كفه بين كتفي فوجدت بردها بين ثديي فقلت له ايوحي الله اليك اليوم قال منذ بعث الله محمدا رسولا لم يوح الي فقلت له كم الانبياء اليوم احياء قال اربعة اثنان في الأرض واثنان في السماء عيسى وادريس في السماء والخضر وإلياس في الأرض قلت الابدال قال ستون رجلا منهم من عريش مصر إلى شاطىء الفرات رجلان ورجلان بالمصيصة ورجل بعسقلان وبقيتهم في سائر البلدان كلما ذهب واحد جاء آخر بهم يرفع الله عن الناس البلاء وبهم يمطرون قلت فالخضر اين يكون قال في جزائر البحر. قلت فهل تلقاه؟ قال: نعم. قلت: اين؟ قال: بالموسم. قلت: فما يكون من حديثكما؟ قال: يأخذ من شعري وآخذ من شعره وذلك حين جرى بين مروان بن الحكم وبين اهل الشام القتال قلت فما تقول في مروان بن الحكم؟ قال: ما تصنع به رجل جبار عات القاتل والمقتول والشاهد والمشهود في النار. قلت: فاني شهدت ولم اطعن برمح ولم ارم بسهم ولم اضرب بسيف وانا اسغفر الله من ذلك المقام ان اعود لمثله ابدا. قال: احسنت هكذا فكن واني واياه قاعدان اذ وضع بين يديه رغيفان اشد بياضيا من التج اكلت انا وهو رغيفا وبعض الآخر ثم رفع وما رايت من وضعه ولا من رفعه واذا ناقه ترعى في واد الاردن اذ رفع رأسه اليها فدعاها حتى جاءت فبركت بين يديه فركبها قلت اريد ان اصحبك قال انك لا تقدر على صحبتي قلت اني خلو ليس لي مال ولا عيال قال تزوج ما بدا لك واياك والناشزة والمختلعة والملاعنة والمبارية قلت اني احب لقاءك قال اذا رايتني فقد رايتني ثم قال اني اريد ان اعتكف في شهر رمضان ثم حالت بيني وبينه شجرة فوالله لا ادري كيف ذهب قال بعض إلياس موكل بالفيافي والخضر موكل بالبحار.