التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَىٰ كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنَابَ
٣٤

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ } اختبرناه وابتليناه بسلب ملكه بسبب ما رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن سليمان عليه السلام قال: لأطوفن الليلة على تسعين امرأة كلهن تأتى بفارس يجاهد في سبيل الله فقال له صاحبه قل ان شاء الله ولم يقل فطاف عليهن فلم تحبل الا واحدة جاءت بشق رجل وايم الذي نفسي بيده لو قال ان شاء الله لجاهدوا في سبيل الله فرساناً أجمعون. وفيما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم "قال سليمان: لأطوفن الليل على تسعين امرأة كلهن تأتي بفارس مجاهد يجاهد في سبيل الله، فقال له صاحبه قل: ان شاء الله فلم يقل فطاف عليهن فلم تحمل منهن الا امرأة واحدة جاءت بشق رجل، وايم الذي نفس محمد بيده لو قال: ان شاء الله لجاهدوا في سبيل الله فرساناً أجمعون" .
وقيل سبب سلب ملكه أنه ولد له ولد فاجتمعت الشياطين وقال بعضهم لبعض ان عاش له ولد ولم يعفك من الخدمة فسبيله أن نقتله أو نخبله أي نسلب عقله فعلم سليمان ذلك فأمر الملائكة فرفعوه فى الحجاب وقيل: أمر السحاب فيحمله فبينما هو في بعض أشغاله اذ هو ملقى على كرسيه ميتاً فعاتبه الله على خوفه من الشياطين ولم يتوكل عليه فتاب وسميت شدة حرصه عدم توكل، وقيل: سمع بمدينة تسمى صيدون بجزيرة ملكها عظيم ولا يقدر عليه أحد لتحصنه بالبحر فحملته الريح مع جنوده فنزل عليها وقتل ملكها وسبى ما فيها وأصاب بنت الملك واسمها جرادة لم ير مثلها جمالاً ودعاها للاسلام فأسلمت على قلة فتزوجها وأحبها أكثر من نسائه فحزنت حتى لا يرقأ لها دمع فشق عليه فقال ويحك ما هذا الحزن والدمع؟ فقالت لتذكر أبي وملكه وما أصابه فقال أنت الآن في سلطان أعظم وفى الاسلام الذي هو خير من ذلك قالت: نعم لكن يصيبني ذلك اذا تذكرته فلو أمرت الشياطين أن يصوروه في داري أراه بكرة وعشية لرجوت ذهاب ذلك فصنعوا صورته الا الحياة فألبسنها مثل ثياب أبيها وصارت تسجد لها صباحا ومساء هي وجواريها وصار صنماً معبوداً في بيته وسليمان لا يعلم وبلغ ذلك آصف بن برخيا وكان صديقه ولا يرد عن أبوابه ساعة أراد حاضراً سليمان أو غائباً فدخل وقال يا نبي الله كبرت وضعفت وحان موتي وأحب أن أخطب الناس قبل الموت أذكر الأنبياء الماضين وأثنى عليهم بما علمت وأعلم الناس بعض ما جهلوه من أمرهم فجمع له الناس فخطب ومدحهم وذكر ما فضلهم الله به حتى بلغ الى سليمان فقال ما كان أحلمك في صغرك وأورعك فيه وأفضلك فيه وأحكم أمرك فيه وأبعدك فيه عن كل ما يكره وانصرف فملئ سليمان غضباً فلما دخل داره دعاه فقال يا آصف ذكرتهم وأثنيت فى كل حال وأثنيت عليَّ في صغري فما أحدثت في كبري؟ قال: يعبد غير الله في دارك أربعين صباح في هوى امرأة قال: في داري؟ قال: فى دارك قال: انا لله وانا اليه راجعون قد علمت انك ما قلت الا لشيء بلغك فكسر الصنم وعاتب المرأة ومن معها فلبس ثياب الظهيرة لا يصنعها ولا يمسها الا بكر فخرج الى فلاة وأمر أن يفرش له الرماد وتمعك فيه متضرعاً باكياً ويرجع لداره كل يوم مساء وله أم ولد يقال لها الأمينة اذا أراد الخلاء أو الجماع وضع خاتمه عندها حتى يتطهر ولا يمسه الا طاهراً أو فيه ملكه فتمثل لها صخر المارد وهو شيطان حتى لا تنكر انه سليمان فقال: خاتمي يا أمينة فناولته فتختم به وجلس على سرير سليمان وعكفت عليه الطير والوحش والجن والانس وخرج سليمان فقال لها خاتمي وقد تغير عند كل من رآه فقالت: من أنت؟ قال: سليمان بن داود قالت كذبت قد جاء سليمان وأخذ خاتمه وهو جالس على سرير ملكه فعرف أنه أدركته خطيئته فجعل يقف على كل دار من دور بني اسرائيل فيقول: أنا سليمان بن داود فيحثون عليه التراب وصبت عليه عجوز بولها من اناء ويقولون انظروا الى هذا المجنون يزعم أنه سليمان فعمد الى البحر فكان ينقل الحوت لأصحابه الى السوق ويعطونه سمكتين فاذا أمسى باع احداهما برغيف ويشوى الأخرى ويأكل وكان ذلك أربعين يوماً كمدة عبادة الصنم في داره وأنكر آصف حكم الشيطان في المدة فقال لبني اسرائيل فقالوا مثل ما قال فقال دعوني أسأل نساءه فقال هل أنكرتن من حكم ابن داود ما أنكرنا فى عامة الناس؟ فقلن أشده ما يدع حائضاً ولا يغتسل من الجنابة فقال: انا لله وانا اليه راجعون فخرج اليهم وقال في الخاصة أشد مما في العامة ولما تمت أربعون يوماً طار الشيطان ومر بالبحر فقذف الخاتم فبلعته سمكة فأخذها صايد وقد عمل له سليمان صدر يومه فلما أمسى أعطاه سمكتين فباع احداهما برغيف ومزق بطن الاخرى ليشويها فاستقبله خاتمه في جوفها فتختم به ووقع لله ساجداً وأعطف عليه الطير والجن وأقبل الناس وأظهر التوبة وأمر الشياطين أن يأتوا بصخر فطلبوه فأخذوه فأدخله في جوف صخرة وسد عليه بأخرى ثم أوثقها بالحديد والرصاص ثم أمر فقذفه في البحر وقيل: ان سبب فتنته أن جرادة كانت أبر نسائه ويأمنها على خاتمه فقالت: اقض لأخي على فلان في خصومة فقال: نعم ولن يأتي القضاء له فلم يفعل فابتلي لقوله: نعم فكان ما مر من أمر الشيطان وقيل: ان سليمان احتجب عن الناس ثلاثة أيام فأوحى الله اليه احتجبت ولم تنظر في أمور عبادي فابتلاه بذلك. قال بذلك سعيد ابن المسيب.
قال الحسن: لا يسلط الله الشيطان على نساء نبيه وكذا قال المحققون لا يقدر الشيطان على التصرف فى ملكه ونسائه وانما أثبت ذلك اليهود وقيل: ان الشيطان لم يسلط على ذلك ولم ينفذ أمره بل بقى الملك معطلاً وقيل: ان سليمان لما افتتن سقط الخاتم من يده فيعيده ولا يتماسك فقال له آصف انك مفتون فخر الى الله تائباً فانى أقوم مقامك وأسير سيرتك الى أن يتوب الله عليك ففر وأعطاه اياه فقام مقامه أربعة عشر يوماً الى أن رد الله على سليمان ملكه ورجع لسريره وتماسك الخاتم بيده* { وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَداً } هو ابنه الذي أرسل الى السحاب ألقاه الله جسداً ميتاً لا روح فيه وقيل: شق الرجل الذي ولدت امرأته عرض عليه وهو على كرسيه؛ وقيل: صخر سمى جسداً كأنه لا روح فيه لانه تمثل بما لم يكنه، وقيل: آصف حين ناب عنه وقيل: جسد سليمان* { ثُمَّ أَنَابَ } قيل قام الجسد مقامه وهو آصف أو صخر وقيل رجع سليمان الى ملكه وقيل الى الاستغفار وهو قوله* { قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي }