التفاسير

< >
عرض

مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِٱلْمَلإِ ٱلأَعْلَىٰ إِذْ يَخْتَصِمُونَ
٦٩

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ مَا كَانَ لِىَ مِنْ عِلْمٍ بِالْملإِ الأَعْلَى } أي بالجماعة الأعلى شأناً ومكاناً وهم الملائكة* { إِذْ يَخْتَصِمُونَ } بقولهم لله في شأن آدم { { أتجعل فيها من يفسد } ... الخ ووجه احتجاجه أنه أخبرهم بأمر لم يعلمه ثم علمه ولم يسلك الطريق الذي يسلك الناس في علم ما لم يعلموا وهو الأخذ على الافواه أو الكتب فما حصل له ذلك الا بالوحي وقيل: (الملأ الأعلى) الملائكة وآدم وحواء وابليس لانهم كانوا في السماء وان قلت لِمَ يختصم الملائكة فيما بينهم؟ قلت نعم بل قالوا: الله وقال لهم الله فكان اختصامهم معه ولان قول الله بواسطة ملك لا يخلق كلام يسمعونه في الهواء ولا كما يكون في الوجه الأول الذي أجبت به فذلك الملك من جماعة الملأ الأعلى وعلو ابليس علو مكانة فقط مقالته مقالة الاغواء وطلب الأنظار الى يوم يبعثون ونحو ذلك وقول آدم وحواء { { ربنا ظلمنا أنفسنا } .. الخ ونحوه وما قالا لابليس وشبه التقاول بالاختصام بجامع ان كلا يقول للآخر (وإذ) متعلقة بمضاف محذوف أي من علم بالملأ الأعلى؛ وقيل: اختصم الملائكة في الكفارات وغفر الذنوب ونحو ذلك فالاختصام كان بينهم اذا فعل العبد حسنة اختلفوا في قدر ثوابه حتى يقضي الله ويقول ملك اليمين لا تكتب السيئة حتى تمضي سبع ساعات وذكر قومنا هنا حديثاً زعم بعضهم أنه رواه معاذ وبعض انه رواه مالك وبعض عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أتاني ربي في أحسن صورة قالوا: (يعنى في المنام) فقال: يا محمد هل تدري فيما يختصم الملأ الأعلى قلت: لا قال: فوضع يده بين كتفي حتى وجدت بردها بين ثديي أو قال في نحري فعلمت ما في السموات وما في الارض قال: يا محمد هل تدري فيما يختصمون قلت نعم في الكفارات، والكفارات المكث في المساجد بعد الصلاة والمشي على الاقدام الى الجماعات واسباغ الوضوء على المكره ومن فعل ذلك عاش بخير ومات بخير وخرج من خطيئته كيوم ولدته أمه وقال يا محمد اذا صليت فقل: (اللهم إني أسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين واذا أردت بعبادك فتنة فاقبضني اليك غير مفتون قال: والدرجات افشاء السلام واطعام الطعام والصلاة بالليل والناس نيام)" وفي رواية "قلت لبيك وسعديك في المرتين وفيهما وعلم ما في المشرق والمغرب" وفي رواية " لما قال النبي لا أعلم قال الله: اختصموا في الكفارات والدرجات فأما الكفارات فاسباغ الوضوء في الغدوات الباردة ومشي الاقدام الى الجماعات وانتظار الصلاة بعد الصلاة وذكر الدرجات كما مر" وفي هذه الرواية بعد قوله (حب المساكين) " أن تغفر لي وترحمنى وبعد قوله (غير مفتون) وأسألك حبك وحب من يحبك وعملاً يقربني الى حبك وقالوا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ان هذه الرؤية حق فارسموها وتعلموها وادرسوها."
قلت: مذهبنا نحن الاباضية أنه تعالى لا يرى في الدنيا ولا في الآخرة ولا في اليقظة ولا في المنام والحديث من موضوعات الكاذبين كيف يريه الله نفسه وهو نهانا عن التشبيه منزه عنه وعن المخبأ والصورة وهو لا تدركه الابصار ولو رآه كان في رؤيته تشبيه بالخلق فى ادراكه واحاطة الجهات وكذا يلزم من المخبأ احاطة الجهات به وخلو الاماكن عنه وان صح الحديث قدر مضاف أي أتاني رسول ربى وهو ملك والملك يجوز وصفه بالصورة دون الله لان التصوير التركيب والله هو المصور لغيره ففي أحسن صورة متعلق أتاني أو بمحذوف حال من الرسول محذوف ويجوز تعليقه بمحذوف حال من ياء أتاني أي حال كوني في أحسن صورة زاده الله جمالاً وحسناً وقت مجئ الرسول وتغير لشدة الوحى وان جعل في أحسن صورة بمعنى أحسن صفة من الانعام عليه فجايز ويمتنع وصفه بالمخبأ وأما يده فالضمير للرسول المحذوف والملك يوصف باليد والفم والأنف ونحوهما مما لا بشاعة فيه لكنها من نور وتعالى الله عنها وعن المس نعم يوصف باليد بمعنى النعمة والرحمة كما يوصف بها بمعنى القوة ولا يوصف بالبرد والحر هذا واختصام الملأ في أي الكفارات والدرجات فضل وسميت كفارات لانها تكفر الذنوب وهي سبب التكفير والمكفر حقيقة هو الله ويلزم من فعلها التكفير