التفاسير

< >
عرض

فَإِذَا مَسَّ ٱلإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِّنَّا قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ
٤٩
-الزمر

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ فَإِذَا مَسَّ } الفاء عاطفة على قوله اذا ذكر الله وحده الخ وهى خالية عن السببية وهو خلاف الغالب في الفاء العاطفة للجملة أو فيها معنى السببية كأنه جعل اشمئزازه عن الله سبباً لدعائه الله على وجه التهكم وعكس الأمر والانكار والتعجب حيث أقام الاشمئزاز سبباً للالتجاء وذلك أن الحق أن يؤمن بالله ويلتجئ اليه فتكون ذلك سبباً للدعاية وترك ذلك وجعل مكان الكفر كما تقول مستهزئاً: (أنت قتلت أبا زيد فيكرمك زيد) وكأنه قيل يشمئزون عن ذكر الله ويستبشرون بذكر آلهتهم فاذا مس أحدهم ضر دعا من اشمأز عنه دون من استبشر بذكره وما بين ذلك معترض مؤكد لانكار ذلك عليهم كأنه قيل يا محمد لا يحكم بيني وبين هؤلاء الذين يجترئون عليك هذا الجزاء ونحوها ينقبضون عن ذكرك وحدك ويستبشرون بذكر آلهتهم ولو وحدهن ويدعونك اذا مسهم ضر دونها الا أنت والذين ظلموا عام أو خاص بهم* { الإِنسَانَ } (ال) فيه للجنس بدليل ولكن أكثرهم لا يعلمون* { ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ } أعطيناه تفضيلاً منا عليه لا مكافأة لما فعل ولا لكونه أهلاً.
قال الزجاج: التخويل العطاء عن غير مجازاة واعلم أن المعطوف اذا دخل العاطف على (إذا) هوجوا بها وكذا يتسلط العامل عليه فقولهم جواب اذ لا محل له ليس على اطلاقه فحينئذ معنى صدريتها ان عاملها لا يسبقها وكذا مثلها وكنت أعتقد ذلك مدة ثم رأيته للصبان { نِعْمَةً } واحدة وفي هذا تشنيع لأمره بأن يخرج عن العهد بواحدة أو المراد الجمع أو الجنس الصادق على الواحدة وغيرها والمراد بالنعمة المال وغيره* { مِّنَّا } لا من غيرنا ولا مكافأة لصنيع له حسن بل ابتداء منا ففيه التوكيل لمعنى التخويل { قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ } الفاء ضمير عايد لما ان جعلت اسماً موصولاً وان جعلت حرفاً كافاً فعائد الى النعمة لتأويلها بالمال كأنه قيل ما أعطيت ذلك المال الا { عَلَى عِلْمٍ } أي لعلم مني بوجوه كسبه كقول قارون على علم عندي أو لعلم من الله بأني أهل له أو كائناً على علم باني سأعطاه لاني أهل له أو لتأويل النعمة بالشيء أو بالقسم أو السهم من النعم أو تأويلها بهذا الحاضر أو المنعم به وفي ذلك اعجاب بالنفس الا قولك لعلم من الله فانه اعجاب بها واعتزاز بالله وليس كما يقول بل هي الضمير للنعمة أو لما نظر لمعنى (ما) فانها واقعة على النعمة أو اللفظ (ما) وأنث للاخبار عنه بالمؤنث كقولهم ما جاءت حاجتك بنصب الحاجة على الخبرية لجاءت واسمه مستتر مؤنث للاخبار عنه بحاجة عائد لمذكر وهو ما الواقعة مبتدأ أو قرئ بل هو للتذكير اعتبارا للفظ (ما) أو لتأويل النعمة بالمذكر كما مر فتنة ابتلاء أيكفر أم يشكر { بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } ان ذلك ابتلاء واستدراج قيل هذا اشارة الى قارون لقوله انما أوتيته أو هذه الكلمة لاطلاق الكلمة على الجملة كثيراً وقرئ قد قاله بالتذكير على معنى القول والكلام وذلك المذكور