التفاسير

< >
عرض

وَسِيقَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ إِلَى ٱلّجَنَّةِ زُمَراً حَتَّىٰ إِذَا جَآءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلاَمٌ عَلَيْكُـمْ طِبْتُمْ فَٱدْخُلُوهَا خَالِدِينَ
٧٣
-الزمر

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ } تساق مراكبهم ويحث بها اسراعاً الى دار الكرامة والرضوان فانما يذهب بهم راكبين وقيل يساقون بأنفسهم راكبين أي يسرع بهم والتقوى علة بهذا الفوز* { إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً } أمما أمة بعد أخرى أو جماعات بعضها اثر بعض على تفاوت مراتبهم شهداء وزهاد وعلماء وقراء وعباد* { حَتَّى } ابتدائية لا جارّة لـ (اذا) خلافاً للاخفش* { إِذَا جَآءُوهَا } جوابها محذوف دل عليه (سيق) وأهلته لذلك غاية (حتى) الواو في قوله { وَفُتِحَتْ } للحال أي يساقون حتى يصلوها مفتحة لهم* { أَبْوَابُهَا } كذا يفهم من كلام بعضهم وذلك أن أبواب الجنة قبل المجيء كمنازل أفراح وسرور ويحصل بوجودها مفتوحة فرح يعلمه الله بخلاف أهل النار يجدون أبواب جهنم مغلقة وبوجودها كذلك يحصل لهم ذل وهون لا رجاء يغنيهم يومئذ بدخولها.
وقال المبرد: جواب (اذا) محذوف بعد (خالدين) أي سعدوا وقيل تقديره (فادخلوها) فحذف لدلالة الكلام وقيل: قال لهم خزنتها وزيدت فيه الواو وقيل: (فادخلوها) المذكور وقيل فادخلوها محذوف أو على تقدير الجواب ادخلوها يقدر القول أي يقال لهم وقيل حذف ابهاماً ولا يعرف ولا يحيط به الوصف وقيل الجواب فتحت وزيدت الواو ويدل له اسقاطها في كتاب ابن مسعود وقيل كذلك ولكن زيدت لتدل على الثمانية فان أبواب الجنة ثمانية فهي واو الثمانية ولم تزد في آية النار لان أبوابها سبعة والعرب تعطف بالواو ما فوق السبعة لان السبعة عدد تام وما فوقه عدد آخر.
قال ابن هشام: لو كان لواو الثمانية حقيقة لم تكن في الآية منها اذ ليس فيها ذكر عدد البتة بل ذكرت الأبواب جملة لا عدداً ولانها لم تدخل على الأبواب بل على جملة هي فيها وقد مر انها مفخمة عند قوم وعاطفة عند آخرين.
وقال المبرد والفارسي وجماعة: واو الحال. وقيل: واو الثمانية، وذلك أن من عادة قريش انهم يعدون من الواحد فيقولون: خمسة، ستة، سبعة والثامن أو ثمانية وتكون السبعة عددا تاماً ان العدد اما فرد أو مركب من فردين أو من زوج وفرد وذلك موجود في الثلاثة أو من زوجين وهذا في الثلاثة والأربعة سبعة فتمت بها الاحوال وما فوقها تكرار لذلك فالثمانية زوج وزوج والتسعة زوج وفرد وقيل وجهه ان السموات سبع والأرضين سبع والأيام سبع والاشواط سبع والسعي سبع والجمرات سبع وغير ذلك أبواب النار وانما زادت الجنة لغلبة الرحمة على الغضب والتوجيهان ضعيفان في اثبات اللغة وورد أن أول من يفتح له باب الجنة نبينا صلى الله عليه وسلم فلو كان الفتح قبل المجيء اكراماً لوجدها مفتوحة وأجيب بأنه لو وجدها مفتوحة لفات التنبيه على مقامه واظهاره بكلام رضوان فانه يقرع ويقول له رضوان بك أمرت ولا أفتح لأحد قبلك فكان الفتح عند مجيئه أولا اشارة الى أنه المراد وغيره تابع ثم تستمر مفتوحة افراحاً للمؤمنين ولان من فيها من الحور والولدان يتشوقون الى أهلها فتفتح قبل مجيئهم استبشاراً وتطلعاً اليهم أو الأبواب التى تفتح قبل مجيئهم أبواب منازلهم في الجنة وأما باب الجنة فلا يفتح الا بعد قدومه صلى الله عليه وسلم وهذا أثبته الدماميني والأول أولى وقرأ الكوفيون بتخفيف (فتحت).
{ وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ }* أنتم سالمون من كل مكروه بعدما حيوهم بما تضمن البشارة بالسلامة من الآفات ويشمل السلامة أيضاً من آفات المحشر* { طِبْتُمْ } قال ابن عباس: طاب لكم المقام وقيل طهرتم من دنس المعاصي وقيل اذا نجوا من النار حبسوا بين الجنة والنار فيقتص بعضهم من بعض حتى اذا هذبوا وطيبوا ادخلوا الجنة فيقول لهم رضوان وأصحابه { سلام عليكم طبتم } وهذا الاقتصاص زيادة تطهير والا فقد ماتوا وهم موفون أو من القصاص الأخروي مثل أن تكون على مسلم تبعة نسيها مثل ضربة وقد تاب نصوحاً ونسيها وقيل طبتم أعمالا ونية ومستقراً وجزاء* { فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ } مقدرين الخلود كما مر والفاء سببية أي ادخلوها بسبب طيبكم وما طاب واحد منا معشر العصاة الا بتطييب الله له وقال علي: اذا سيقوا اليها وجدوا عند بابها عينين تحت الشجرة يشربون من احداهما فيطهر باطنهم بعدما يغتسلون من الأخرى فيطهر ظاهرهم وتتلقاهم الملائكة على أبواب الجنة قائلين: { سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين }.