التفاسير

< >
عرض

لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ ٱلنَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ ٱبْتِغَآءَ مَرْضَاتِ ٱللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً
١١٤
-النساء

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ لا خَيْرَ فِى كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ }: من نجوى الخائنين طعمة وقومه الذين يناجون فى تبرئته ورمى اليهودى، فهذه النجوى منهم من التناجى الكثير الصادر عنهم، الذى لا خير فيه.
{ إِلا مَنْ أَمَرَ }: أى لكن من أمر، بالاستثناء منقطع، والآمر غير طعمة وقومه، أى الا أمر من أمر، أو الا نجوى من أمر.
{ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَينَ النَّاسِ }: فليس يخرج الاستثناء عن الانقطاع بتقدير المضاف، هكذا الا أمر من أمر بصدقة أو نجوى من أمر بصدقة، لأن المراد ليس من أمر من طعمة وقومه بصدقة، بل غيرهم نعم يكون الاستثناء متصلا عند من يرد الضمير فى نجواهم للناس مطلقا، فيقدر المضاف الذى قدرته، واذا لم نقدر المضاف كان منقطعا على كل حال سواء وردنا الضمير للناس أو لطعمة وقومه، ويلتحق بهم غيرهم، أى لكن من أمر بصدقة أو معروف أو اصلاح بين الناس فى نجواه خير، والنجوى اسم مصدر تناجى القوم، واثنان أى أسر بعضهم الى بعض كلاما، ولا يختص بالكلام فى الأذن.
وان جعلناه جمع نجى وهو وصف أو أسم مصدر بمعنى اسم الفاعل، كان الاستثناء متصلا، أى لا خير فى كثير من الذين يتناجون منهم الا من أمر بصدقة، والصدقة صدقة التطوع، والمعروف مطلق عمل البر كالقرض، واغاثة الملهوف أو الصدقة الواجبة، والمعروف صدقة التطوع، وقيل: المعروف القرض، قيل: اغاثة الملهوف، قال ابن ماجه والترمذى: قالت أم حبيبة: قال صلى الله عليه وسلم:
" كلام ابن آدم كله عليه لا له الا ما كان من أمر بمعروف، أو نهى عن منكر، أو ذكر الله" " وسمع سفيان رجلا يقول ما أشد هذا الحديث، فقال: ألم تسمع الله يقول: { لا خَيْرَ فِى كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُم } فهو هذا بعينه، أو ما سمعته يقول: { والعصر0 ان الانسان لفى خسر } فهو هذا بعينه، واصلاح بين الناس السعى فى ازالة ما بينهم من الحقد والفتنة.
قال أبو الدرداء: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة قالوا: بلى يا رسول الله قال: اصلاح ذات البين، وان فساد ذات البين هى الحالقة لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين" وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أهل قباء اقتتلوا وتراموا بالحجارة فقال: اذهبوا بنا نصلح بينهم، قالت أم مكتوم: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " "ليس الكذاب الذى يصلح بين اثنين ـ أو قال بين الناس ـ فيقول خيرا " .
{ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَآءَ مَرْضَاتِ اللهِ }: لا رياء أو سمعة أو باهمال عن النية فسوف نؤتيه، وقرأ حمزة وأبو عمر: ويؤتيه، بالياء والنون.
{ أجْراً عَظِيماً }: لا يوصف وهو الجنة، وما له فيها، وان فعل رياء وسمعة فذلك كفر، وان فعل مهملا فلا ثواب ولا وزر، والاشارة الى المذكور من الأمر بالصدقة، والمعروف والاصلاح، أى من يفعل بعض ذلك، فحذف المضاف، وأريد حقيقة ذلك المجموع فيصدق الأمر بها وببعضها، أو الاشارة الى أحدها أيا كان، لأن العطف بأو كأنه قيل: ومن يفعل واحدا من الثلاثة الأوامر، ويجوز أن يكون المراد بفعل ذلك التصدق، وفعل المعروف، والاصلاح لا الأمر بهن، بل هذا الوجه أفضل، أو مع متعين، والكلام على الاشارة على حد ما مر فتكون الآية دالة على أن للأمر بالخير ثوابا، ولفاعله ثوابان كما جاء فى الحديث:
" الدال على الخير كفاعله " وهو تشبيه ولا تسوية، فان الظاهر أن الفاعل أعظم ثوابا، ولذلك قال فيه: { أجْراً عَظِيماً }.
وقال فى الأمر له خيرا، ولا يخفى أن المقصود بالذات فعل ذلك، فهو أولى من الوسيلة اليه، وهو الأمر به، ولما افتضح طعمة بالسرقة خاف فهرب الى مكة مرتدا، فنزل فيه قوله تعالى: { وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ }