التفاسير

< >
عرض

وَٱللاَّتِي يَأْتِينَ ٱلْفَٰحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَٱسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنْكُمْ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي ٱلْبُيُوتِ حَتَّىٰ يَتَوَفَّاهُنَّ ٱلْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ ٱللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً
١٥
-النساء

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ وَاللاَّتِى يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ }: الزنا، أى يفعلنها. وقرأ ابن مسعود يأتين بالفاحشة وشاعت الفاحشة فى الزنى لزيادة قبحه على أكثر القبائح.
{ مِن نِّسَآئِكُمْ }: جنس النساء الموحدات وحكم نساء المشركين كحكمهن.
{ فَاسْتَشْهِدُواْ }: ممن قذفهن.
{ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً }: رجالا أربعة عدولا ولا يجوز النساء مع الرجال.
{ مِّنْكُمْ }: من المسلمين أى اطلبوا شهادتهم هل كانت وحصلت والخطاب للمسلمين مثله فى نسائكم، وبلى ذلك الحكام من المسلمين ولذلك قيل: الخطاب للحكام، وقيل: الخطاب للأزواج فى المواضع الثلاثة، لكن يراد فى قوله { مِّنْكُمْ } من جنسكم وكذا الخلاف بعد قال عمر بن الخطاب رضى الله عنه إنما جعل الله الشهود أربعة مستراً يستركم به دون فواحشكم. وذلك تغليظاً على المدعى وستر على العبادة، كما اشترط لذلك أيضاً أن يرى هن فى هن كالمرود فى المكحلة، وليس كما قيل: إنهم كانوا أربعة، ليكون اثنان على كل منهما.
{ فَإِنْ شَهِدُواْ }: عليهن بالزنى.
{ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِى الْبُيُوتِ }: سجناً لهن، لأن بروزهن داع للزنا، فإن سجن فى البيوت لم يلتقين بالرجال فلم يزنين.
{ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ }: أى يستكمل الموت أو ملك الموت، عدد أنفسهن ومدتهن بأن بلغ أجلهن، أو يقبض الموت، أو ملك لموت أوراحهن، وإسناد التوفى بمعنى استكمال العمر مجاز على الوجهين، وبمعنى القبض حقيقة لملك الموت مجاز للموت.
{ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً }: يعلمه الله، ولما نزلت الآية الرجم وآية الجلد علمنا أن السبيل عند الله الرجم والجلد، قال عبادة بن الصامت:
"كان نبى الله، صلى الله عليه وسلم. إذا نزل عليه حكم كرب لذلك وتربد وجهه فأنزل الله عليه ذات يوم، فبقى كذلك فلما سرى عنه قال: خذوا عنى خذوا عنى" . قد جعل الله لهن سبيلا: البكر بالبكر جلد مائة ونفى بسنة، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم، وليست آيتا الرجم والجلد ناسختين لهذه الآية كما قالوا: لأن هذا الحكم المذكور فى الآية وهو حبسهن إلى الموت، قد ذكر الله عز وجل أجلا بقوله { أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلا } فما هذا إلا حكم مقيد بأجل، كأنه قيل: حتى ينزل الله الجلد والرجم، وإنما يكون النسخ إذا لم يذكر الله أجلا لحكم المنسوخ، بل تركه عنده ولم يذكره لنا مجملا ولا مفصلا، هذا عندى والعلم عند الله، وكذا لا نسخ إذا قلنا أن الجلد والرجم نزلا قبل هذه الآية، وأن المحصنة لم تدخل فى هذه الآية بل ترجم، وأن المراد فى الآية: التى لم تحصن فتجلد وتحبس فى البيت على جهة الحفظ حتى يصونها القبر بالموت، أو يصونها زوج تتزوجه بعد الجلد، وإنما قلت: لا نسخ فى هذا الوجه أيضاً إذا أريد بالأمر بالحبس الندب لبقائه على كل مخوف عليها مرغباً فيه مؤكداً، والوجوب على جهة الحفظ، لا على جهة كونه حدا، وأما على وجوبه وكونه حدا فمنسوخ بالرجم، والجلد، وليس كما قيل إن الآية منسوخة بإجماع، بل لم يستمر وجوب الحبس بالجماع، ووزعم بعض من قال بالنسخ لها، أن ناسخها حديث عبادة المذكور آنفاً، والحديث منسوخ بآية الجلد بمعنى أنه نسخ قيده بآية الجلد، وكذا قيل: الرجم فيه للثيب، وجلده فإن الرجم والجلد لم يقيد فيهما البكر بالبكر والثيب بالثيب بل البكر يجلد ولو زنى بالثيب، والثيب يرجم ولو زنى بالبكر، وكذا جمع الجلد والرجم على الثيب، فإنه بقى الرجم وزال الجلد فى آية الرجم، وبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه رجم يهوديا ويهودية، وموحدتين ولم يجلدهم هذا مذهب الجمهور. وزعمت جماعة أن الجمع باق وبه قال على والحسن وإسحاق بن راهويه، وداود وأهل الظاهر، وروى أن عليا جلد امرأة من همدان يوم الخميس ورجمها يوم الجمعة، وقال جلدتها بكتاب الله، ورجمتها بسنة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ولعله سمى الرجم سنة لنسخ تلاوة أيته، وبقاء عمله صلى الله عليه وسلم به، وأمره به أو لأنه يثبت عنده تحقيق أن ذلك كان آية تتلى ثم نسخ لفظها، وقال أبو مسلم الخلولانى المراد بالتى يأتين الفاحشة: السحاقات وهم المتراكبات، قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "سحاق النساء زنى بينهن" . وقال صلى الله عليه وسلم: "إذا أتى الرجل الرجل فهما زانيان، وإذا أتت المرأة المرأة فهما زانيتان" فعلى قوله يكون حكم الساحقات الحبس، ثم نزل الرجم والجلد فتجلد الساحقات أو يرجمن، ولا قائل بذلك سواه، ولكن نسبة بعض أيضاً إلى مجاهد وأبى مسلم، ولا جلد ولا رجم ولا تغريب على طفل أو مجنون ولا رجم على عبد أو أمة، بل عليهما جلد خمسين أحصنا أو لم يحصنا نصف جلد الحر غير المحصن، وقيل أربعين إن لم يحصنا، وخمسين إن أحصنا، وعلى بقاء تغريب البكر سنة بعد جلده مائة يغرب العبد والأمة بعد الجلد المذكور نصف سنة، نصف تغريب الحر، وقيل: لا يغرب العبد، وإنما يغرب الحر لأن العبد مال، والجمهور على بقاء الحر البكر بعد جلده، وبه قال الشافعى، وقال أبو حنيفة وحماد: لا يغرب، والصحيح الأول لورود التغريب فى صحيح الربيع -رحمه الله - وكذا فى حديث عبادة المتقدم، وتغريب المرأة كالرجل فى قوله تغربيه. وقال مالك والأوزاعى: لا تغريب على النساء لأنهن عورات، وفى تغربيهن تضييع لهن، وتعريض للفتنة، ويرد عليه حديث عبادة: البكر بالبكر جلد مائة وتغريب سنة، وأن أبا بكر وعمر جلدا وغربا، والمشرك كالمسلم فى جميع أحكام الرجم والجلد والتغريب. وقال أبو حنيفة: لا رجم على مشرك، ويرده رجمه صلى الله عليه وسلم يهوديا ويهودية.