التفاسير

< >
عرض

وَلَيْسَتِ ٱلتَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ حَتَّىٰ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ ٱلْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ ٱلآنَ وَلاَ ٱلَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَـٰئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً
١٨
-النساء

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّى تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ } أى لا توبة لمن أصر على المعاصى حتى حضره الموت، بأن عاين ملك الموت أو أمراً من الآخرة، ولا لمن كافراً غير تائب، وتاب فى الآخرة بعد موته، فمن أخرها حتى غرغر، ومن لم يتب ألبته سواءً، لأنه تاب على الاضطرار لا الاختيار، وذلك عنه كندم أهل النار، ومنه إيمان فرعون حين غرق، وأراه جبريل عليه السلام ما حكم به على نفسه، كما يأتى إن شاء الله تعالى فى سورة يونس، ومثل ذلك قوله تعالى: { فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا } وقوله تعالى: { فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا.. } الآية وقوله تعالى: { يوم يأتى بعض آيات ربك لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل } }. وقيل: من عاين الموت وأمر الآخرة تقبل توبته، إلا المشرك، فعن ابن عباس فى قوله تعالى { وليست التوبة للذين يعملون السيئات } يريد المشركين، وعن سعيد بن جبير: إنما التوبة على الله فى المؤمنين وليست التوبة فى الذين اعتقدوا الشرك وأظهروا التوحيد، ولا الذين يموتون فى المشركين نطقاً ونية.
{ أُوْلَـئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً }: هيأنا لهم عذاباً أليماً، من الآن بعد توبة يعذبونه بعد موته، أى أعتدنا لهم ما يعذبون به، وكان أهل المدينة فى الجاهلية وأول الإسلام إذا مات الرجل منهم وله امرأة جاء ابنه من غيرها، أو قريبه العصبة كأب أو أخ ما لم يكن أباها أو ابنها أو عمها فألقى ثوبه على تلك المرأة أو على خبائه. وقال ورثت امرأته كما ورثت ماله، يفعل ذلك الأقرب، وإن تعدد مع استواء، فالسابق فيصير أحق بها من سائر الناس، ومن أوليائها ومن نفسها، فإن شاء زوجها من غير صداق، إلا الصداق الأول الذى أصدقها الميت إن أعطاها الميت كفى، وإلا أعطاها إياه من التركة، أو من ماله، وإن شاء زوجها من إنسان آخر، وأخذ صداقها الأول الذى أصدقها هذا الزوج الأخير، ولم يعطها منه شيئاً، وإن شاء عطلها إذا لم يحب تزوجها لكونها عجوزاً أو ذميمة، وكره فراقها لما لها، وأساء عشرتها ومنعها من الأزواج حتى تفتدى منه بما ورثت من الميت، إن ورثت أو بغيره أو حتى تموت فيرثها، وإن ذهبت إلى أهلها قبل أن يلقى عليه ثوبه، فهى أحق بنفسها فكانوا على هذا حتى توفى أبو قيس بن الأسلت الأنصارى، وترك امرأته كبيشه بنت معز الأنصارية، مقام ابن له من غيرها يقال له حصن، وقيل يقال له قيس بن أبى قيس، فطرح ثوبه عليها فورث نكاحها ثم تركها لا ينفق عليها لتفتدى منه،
"فأتت كبيشة رسول الله، صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إن أبا قيس ورثنى ابنه، فلا هو ينفق على، ولا هو يدخل بى ولا يخلى سبيلى. فقال اقعدى فى بيتك حتى يأتى أمر الله فيك فأنزل الله عز وجل { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُواْ النِّسَآءَ كَرْهاً }" .