التفاسير

< >
عرض

وَلاَ تُؤْتُواْ ٱلسُّفَهَآءَ أَمْوَالَكُمُ ٱلَّتِي جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمْ قِيَٰماً وَٱرْزُقُوهُمْ فِيهَا وَٱكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً
٥
-النساء

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَآءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِى جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً }: السفهاء: اليتامى الأطفال ومن كان يتيماً ثم بلغ، ولما يؤنس رشده، والنساء اللاتى لا يحفظن المال، والرجال الذين يضيعون أموالهم، والسفه فى ذلك قلة العقل مع تضييع المال، ومن تضيعه صرفه فى المعاصى وصارفه فيها لا عقل كسبى له، وإيتائه: تمكينهم منه بأن يجعل فى أيدهم ولم يك فيها قبل، أو كان فيها فيترك فيها، وذلك على طريق عموم المجاز، نهوا عن ذلك كله، والخطاب لأولياء هؤلاء، والمال لهؤلاء لا للأولياء، وإنما أضيف للأولياء المخاطبين، لأنه بأيديهم يتصرفون فيه، وأموال هؤلاء ولو لم تكن قياماً لأوليائهم لكن سماها الله فيما لهم لأنها من جنس ما يكون فيما لهم" وحكمة هذه التسمية التنبيه على أنه كما تحافظون على ما يكون قيماً لكم من أموالكم، حافظوا على أموال هؤلاء ليكون لهم قيماً، والقيم بمعنى القيام، من قام يقوم عند الكسائى، أو مخفف من القيام، لحذف ألفه عند غيره، أى جعلها الله يقومون بها، ويعيشون بها، ويدل له قراءة غير نافع قياماً، وذلك كعوذ فى عياذ، وسمى ما به القيام قيماً او قياماً مبالغة فى التعمد عليه فى المعاش، حتى كان نفس القيام. وقرأ عبد الله بن عمرو بن العاص أيضاً: قواماً وهو ما يقوم به أو مصدر قاوم كلاو ذلواذاً على المبالغة، وقيل: القيم جمع قيمة لأن الأموال تجعل قيمة بعضها البعض، وأجرة والأجرة قيمة فى المعنى وهذا على أن المال كله يكون ثمناً مثمناً، وما ذكرت فى تفسير السفهاء، وأصحاب الأموال وهو ما عندى. وقال سعيد بن جبير: السفهاء اليتامى ورجح لأن الكلام قبل وبعد فيه لهم من الأولياء بحفظها حتى يؤنسوا. وقيل السفهاء النساء، والأولاد، والمال للمخاطبين، وقاله الكلبى، وأبو موسى الأشعرى وابن عباس والحسن: نهانا الله أن نجعل أموالنا فى أيدى عيالنا، من نسائنا وأولادنا، يضيعونه ويسوفون، ولو كانوا بلغاً، فيصيرون بهم المنفقين لنا، فلا نجد فيها من أمر الآخرة أو الدنيا إلا ما رضوا به ولا نفعل بأمر الخير إلا اطلعوا عليه، والمرء ينبغى له إلا يطلعهم على كمية ماله لئلا يكونوا لا يرضيهم إلا كثير، أو يكونوا مستحقرين له، فكيف يجعله بأيديهم، فيكونوا كالسائل لهم، وذلك تفسير للإيتاء، بالإيصال للأموال بأيديهم، وإن فسر بالتمليك والإعطاء فأولى بالنهى بينهما هو غنى مسئول، إذا صار فقيراً سائلا، وفسره بعض النساء والأولاد الصغار، واعترض بعضهم التعبير بالنساء والأولاد بوجهيه أن النهى للتحريم، وقد أجمعوا أنه لا يحرم أن يهب لهم ماله، وفيه أن هذا فى هبة البعض وأما الكل فلا إجماع فيه، وبقوله تعالى: { وقولوا لهم قولا معروفاً } فإنه أنسب باليتيم لأن ولدك قد طبعك الله على أن تلين له، ورجح يكون المال لمن أضيف إليه حقيقة، وقيل: السفهاء النساء، ويضعفه ضمير التذكير، والجمع فى قوله:
{ وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً }: { فى } بمعنى من الابتدائية، أى ارزقوهم منها، أى: اجروا عليهم نفقتهم منها، أو للظرفية، أى: اثبتوا لهم فيها نفقتهم، فلهم فيها حق سواء بإبقائها أو بالتجر فيها، لتحظوا منها ما يكون فيها نفقة، لئلا تفنى بالإنفاق، فالمال لما كان ظرفاً لربحه، كان ظرفاً لرزق الأيتام، وأخر الكسوة لأن قيام البينة بالأكل. والقول المعروف: الدعاء لهم بما يجوز من أمر الدنيا والآخرة بحسب المدعو له، ويطيب قلوبهم، أو الوعد لهم بأن يقول لمن المال له: إذا رشدت أعطيتكه، والآن أعطيتك ما تحتاج إليه، ويقول لعياله: إنى أنفقكم وأحفظ لكم وإذا ربحت أو غنمت فى غزوتى ردت لكم. وقيل: القول المعروف: تعليم أمر الدين لهم، وهو قول الزجاج، وقيل: أن يعلم اليتيم أمر دينه وما يصلح له من دنياه، كحفظ المال، والتوسط فى النفقة، ويقول إن المال مالك وإنى خازن لك، وإذا أحسنت القيام له أعطيته لك.