التفاسير

< >
عرض

لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ ٱلْوَالِدَانِ وَٱلأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ ٱلْوَالِدَانِ وَٱلأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً
٧
-النساء

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ لِّلرِّجَالِ نَصِيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ }: رد على من لا يورث النساء، والنصيب نصيب الميراث، والأقربون: الذين يورثون. توفى أوس بن ثابت الأنصارى أخو حسان بأحد - لا أوس بن الصامت فإنه مات فى خلافة عثمان - وترك أوس بن ثابت زوجة أم كحة - بالحاء المهملة وضم الكاف - وثلاث بنات منها، فقام سويد وعرفجة وهما أبناء عمه، وهما أيضاً أوصياءه، فأخذا ماله كله، وذلك أن أهل الجاهلية لا يورثون النساء والذكور الصغار، ويقولون لا نعطى الإرث إلا من قاتل وحاز الغنيمة، وحمى الحوزة، "فجاءت أم كحة إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقالت وهو فى مسجد الفصيح: يا رسول الله صلى الله عليك وسلم، مات أوس بن ثابت وترك ثلاث بنات، وأنا امرأته وليس عندى ما أنفق عليهن، وقد ترك أبوهن مالا حسناً، وهو عند سويدو عرفجة ولم يعطيانى ولا لبناته منه شيئاً وهن فى حجرى ولا يطعمن ولا يسقين؟ فدعاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا: يا رسول الله إن ولدها لا يركبن فرساً ولا يحملن كلا، ولا ينكين عدوا" . فنزلت الآية. وروى أنه قال "ارجعن حتى أنظر ما يحدث فنزلت الآية فدعاهما، فقال لا تفرقا من مال أوس شيئاً قد جعل الله لهن نصيباً فمضيا ولما نزل { يوصيكم الله.. } إلخ أعطى أم كحة الثمن، والبنات الثلثين، وسويداً وعرفجة الباقى" وذلك أصح. وقيل: أبناء عمه قتادة وعرفجة. بل شك الراوى فالرجال الذكور من الأولاد، والنساء الإناث من الأولاد وغير الأولاد، والدليل على الأولاد هو قوله { الوالدان } فى الموضعين، والدليل على غيرهم قوله { الأقربون }، وأم كحة تدخل فى القصة تبعاً وكذا سائر الزوجات، وربما استدل بالآية من قال: الذكر رجل من حين يولد، والأنثى امرأة من حين تولد، وقد يجاب بأن المراد من هو رجل ومن سيكون رجلا، ومن هى امرأة ومن ستكون امرأة، جمعا بين الحقيقة ومجاز الأول بناء على جواز الجمع بينهما، وفيه خلاف، وعلى جواز مجاز الأول، ولو لم يتحقق الأول، ولأرجح وقوعه، وعلى المنع يقال ذلك من عموم المجاز.
{ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ }: أى مما قل: مما ترك الوالدان، فقوله { مما } بدل مطابق من قوله { مما } الثانى، ويقدر لقوله { مما } الأول بدل آخر مثله، أى للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه، أو كثر، وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون، فإن الصحيح جواز حذف البدل لدليل ومنه حال من المستتر فى قل، ومن فيه للبيان، وفى مما للتبعيض.
{ نَصِيباً مَّفْرُوضاً }: نصيباً مفعول مطلق من نيابة اسم العين عن اسم الحدث كنيابة نباتاً عن إنباتاً فنصيب اسم لجزء من المال، استعمل بمعنى العطاء أو الإعطاء، والعطاء او الإعطاء اسم للحدث، والعامل محذوف دل عليه قوله { لِّلرِّجَالِ نَصيِب.. } إلخ، وقوله { ولَّلنِسَاءِ نَصيِب.. } إلخ أى: اعطوهم نصيباً مفروضاً، أى عطاءً مفروضاً، أو إعطاءً مفروضاً، وهو مؤكد لغيره لا لنفسه، ويجوز إبقاؤه على أنه اسم عين، فيكون مفعولا ثانياً لأعطهم محذوفاً، كما علمت، أو حال من ضمير الاستقرار فى النساء، ويقدر مثله لقوله { للرجال } أو مفعول لمحذوف على الاختصاص، أى: أعنى نصيباً، أى مقدر فهو مؤول بالوصف والآية دليل على أن الميراث يدخل ملك الوارث، بلا قبول ولا قبض، وإنه لو أعرض عنه لم يسقط حتى يهبه للورثة، أو بعضهم، أو لغيرهم، ودليل على جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب، إذ خاطبهم بأن للرجال نصيباً وللنساء نصيباً، ولم يبين حتى نزل
{ { يوصيكم الله فى أولادكم } وليس تأخيراً عن وقت إيجاب العمل، وفائدة التأخير هنا أن الجاهلية قد اعتادوا أن لا يرث الصغار والنساء فلو قطع ما اعتادوا، وبين لهم بمرة كم يأخذ هذا وكم تأخذ هذه، لصعب ذلك فدرج بذكر أن لهم نصيباً مفروضاً، فيستأنسون لعل النصيب أقل قليلا أو شىء قليل فتزول بعض الصعوبة قبل نزول البيان، والمراد بالنصيب فى المواضع الثلاث أنصباء، كل رجل نصيب، وكل امرأة لها نصيب.