{ وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ }: هذه الجملة حال من المستتر فى لكم.
{ فِى سَبِيلِ اللهِ } يعم أبواب الخير.
{ وَالمُسْتَضعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ }: بيان للمستضعفين حال منه.
{ وَالنِّسَاءِ وَالوِلْدَانِ }: أى فى شأن سبيل الله، وشأن المستضعفين، فشأن سبيل الله اعلاء دين الله، وشأن المستضعفين تخليصهم من المشركين يصدونهم عن دين الله، ويؤذونهم، والظرفية مجازية، ويجوز أن تكون فى معنى لام التعليل، أى لسبيل الله على حذف مضاف، أى لاعلاء دين الله وتخليص المستضعفين.
ويجوز أن لا يقدر مضاف اكتفاء بالأول، على أن المعنى وسبيل المستضعفين وسبيلهم هو تخليصهم من المشركين فى مكة، فان تخليصهم من أعظم الخير وأخصه حتى أنه يجوز نصب المستضعفين، أى وأخص المستضعفين من عموم سبيل الله لعظم تخليصهم، ودخل فى المستضعفين المقيمون فى مكة والأسارى فيها قال صلى الله عليه وسلم: " أطعموا الجائع وعودوا المريض وفكوا العانى " .
قال ابن عباس فى هذه الآية: كنت أنا وأمى من المستضعفين الذين عذر الله، من الولدان، وأمى من النساء، والولدان جمع ولد وهو الصبى، وقيل: جمع وليد، فالمراد بهم العبيد والإماء لا يقال للعبد وليد، وللأمة وليدة، والجمع فيهما الولدان للوليد، وغلب الذكور هنا فسمى الذكور والاناث معا الولدان، وكلام ابن عباس يدل على الأول، ويكون الرجال والنساء وبمعنى الأحرار والحرائر البالغين، والأطفال والولدان العبيد، والاماء ولو بلغوا على هذا.
وكذا كان العرف عند الناس، وذكر الولدان مع أنهم ليسوا ممن يقصد فى العادة بالأذى، سواء بمعنى الصبيان أو بمعنى العبيد والاماء للمبالغة فى الحث على قتال من يضر من ليس من شأنه أن يقصده الناس بالأذى، وكان مشركو مكة حينئذ يضرون الصبيان والعبيد، اما بالكلام أو الضرب ارغاما لآبائهم وأمهاتهم وساداتهم، وللتنبيه على تناهى ظلمهم اذ كانوا يضرون هؤلاء، لأن الدعوة أجيبت بسبب مشاركة الأضعفين فيها الصبى، والعبد والأمة، إذ قلوبهم قد ترق للصغر وامتهان العبودية، ولأنه لا ذنب للصبى، ولعظم مشقة العبادة على العبيد، لأن عليهم طاعة الله جل وعلا وطاعة ساداتهم، وقد وردت السنة باخراج الصبيان فى الاستسقاء.
وكان المستضعفون البلغ يشركونهم فى الدعاء، وكذا قوم يونس شركوهم فيه فأجيبوا بهم مع نصوح التوبة.
{ الَّذِينَ }: نعت للمستضعفين أو للرجال وما بعده على تغليب الرجال والولدان فى تذكير ضمير الصلة التى هى قوله:
{ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجنَا مِنْ القَرْيَةِ }: مكة، وهذا نص فى أن الولدان دعوا، وقد علمت أن الولدان معطوف على الرجال أو على النساء، وأنهم من جملة المستضعفين، فلا حاجة الى أن يقال: انهم ليسوا من المستضعفين، وانهم وعطفوا على المستضعفين وذلك أنهم يؤذون كما يؤذى غيره فذلك استضعاف.
{ الظَّالِمِ }: نعت للقرية، ولم يؤنث لأنه سببى، وذلك أن القرية ليست ظالمة، بل أهلها، واهلها مذكر، وهو الفاعل، كما قال:
{ أَهْلُهَا }: بالرفع، ولو قيل: الظالمة أهلها بالتأنيث لكن الجوار تأنيث الأهل، لا لكون القرية مؤنثا، والظلم المذكور هو الشرك ومضرة الناس.
{ وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا }: يلى أمرنا بجلب الخير والمصالح الينا.
{ وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنك نَصِيراً }: يدفع عنا العدو ومضرته أما أن يسأل الله أن يجعل لهم انسانا أو غيره وليا، وآخر ناصرا كملك يليهم بالخير، ويدفع عنهم الضر، واما أن يبالغوا فى سؤال الله أن يكون لهم وليا ونصيرا على طريق التجريد، تعالى الله عن كل نقص.
ولكن ولاية الله ونصره بما يشاء من واسطة وعدمها، وقد أجاب الله عز وجل وتعالى وتقدس دعاءهم بأن ييسر لبعضهم الخروج الى المدينة قبل الفتح، وجعل لمن بقى منهم خير ولى ونصير من الخلق، وهو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، إذ فتح مكة ونصرهم، ثم استعمل عليهم عتاب بن أسيد، وسعى فى جلب الخير لهم، ودفع الضر والعدو، فصاروا أعزة أهلها، وكان صغير السن ابن ثمانى عشرة سنة، ومع ذلك ينصر الضعيف والمظلوم، حتى يصلا الى حقهما.