التفاسير

< >
عرض

مَا يُجَادِلُ فِيۤ آيَاتِ ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَلاَ يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي ٱلْبِلاَدِ
٤
كَـذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَٱلأَحْزَابُ مِن بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُـلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِٱلْبَاطِلِ لِيُدْحِضُواْ بِهِ ٱلْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ
٥
-غافر

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ مَا يُجَادِلُ فِى آيَاتِ اللهِ } بالباطل طعناً فيها وقصداً الى ادحاض الحق واطفاء نور الله* { إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ } بها عناداً لوضوح الحق ان الحق لا يخفي على ذي بصيرة ولو كان لم يعدم خلاف معاند واما الجدال فيها لايضاح ملتبسها وحل مشكلها واستنباط معانيها والرد على من زاغ كقومنا فجهاد عظيم في سبيل الله فيسهل الله له سبيله ومعه الله لاحسانه فليخلص نيته ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: "ان جدالاً في القرآن كفر" والتكبر جدال أي نوع من الجدال كفر وهو المذكور في القرآن قال أبو العالية آيتان ما أشدهما على الذين يجادلون في القرآن يعنى خوف الجدال المحرم قوله: { ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا } وقوله: { وان الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد } وقال صلى الله عليه وسلم: "المراء في القرآن كفر" وسمع قوماً يتمارون فقال: "انما هلك من كان قبلكم بهذا وضربوا كتاب الله بعضه ببعض وانما أنزل الكتاب يصدق بعضه ببعض فما علمتم منه فقولوه وما جهلتم فكِلوه الى عالمه" . وسمع رجلين يختلفان في آية فخرج فقال: "انما هلك من قبلكم باختلافهم في الكتاب" والفاء في قوله* { فَلاَ يَغْرُرْكَ } للسببية ووجهها ان الله شهد عليهم بالكفر لجدالهم شقاوة وأهل هوان فيجب على من تحقق ذلك أن لا يعتقد لهم فضلاً ولا يرجح لهم حالاً كأنه قال اذا كانوا كفاراً فلا يغررك { تَقَلُّبُهُمْ } اقبالهم وذهابهم بالتجارة النافعة والمكاسب المربحة والمزارع والمساكن أي يتصرفون بذلك { فِي الْبِلاَدِ } بلاد الشام واليمن وغيرهما كانت قريش يتقلبون فيها بأموال مصيرهم ومصيره الزوال وأمامه شقاوة الابد لجدالهم كفراً وانتقام منهم لعدم شكرهم على تلك الأموال والابدان أخذوا من غير حل ووضعوا في غير حل استعانوا على الكفر وقرئ فلا (يغرك) بعدم الفك بضم الراء مشددة أو فتحها أو كسرها وضرب فيهم مثلاً بقوله* { كَذَّبَتْ }.. الخ تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتصبيراً له وردعاً لهم أي يؤخذون عن قريب كما أخذ من قبلهم لتكذيبهم وجدالهم.
{ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالأَحْزَابُ } الذين تحزبوا وتجمعوا على رسلهم تكذيباً وجدالاً* { مِن بَعْدِهِمْ } أي بعد قوم نوح كعاد وثمود وفرعون وغيرهم { وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ } من قوم نوح والأحزاب بعدهم { بِرَسُولِهِمْ } وقرئ برسولها* { لِيَأْخُذُوهُ } ليقتلوه ويهلكوه كما قال: (فأخذتهم). قاله ابن عباس وقتادة والعرب تقول للقتيل أخيذ وقيل: (ليأخذوه) ليعذبوه وقيل ليأسروه يقولون فلان أخذ أي أسر* { وَجَادَلُواْ بِالْبَاطِلِ } بما لا حقيقة له* { لِيُدْحِضُوا } أي يزيلوا ويبطلوا* { بِهِ ٱلْحَقَّ } الذي جاء به الرسل* { فَأَخَذْتُهُمْ } أى أهلكتهم وعذبتهم جزاء لهم وجدالهم أرادوا أن يكونوا آخذين فكانوا مأخوذين* { فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ } تقرير وتعجيب بما صار فيهم فانكم تمرون على مساكنهم فتعاينون أثر الأخذ والاهلاك نزل بهم ما أرادوا نزوله بالرسل وقيل المراد أليس عقابي مستأصلاً لهم.