التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ ٱلْمَلاَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ وَأَبْشِرُواْ بِٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ
٣٠
-فصلت

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ ان الَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا اللهُ } اعترافاً بربوبيته وحده* { ثُمَّ اسْتَقَامُواْ } ثم لتراخى الاستقامة عن الاقرار في المرتبة وفضلها عليه لان فيها التصديق والعمل والتراخى في الوجود لان الاقرار مبدأ الاستقامة أي رتبة تكون بعدها الاستقامة أي العمل أو لانها عسرة يقل تبعها للاقرار وعن بعضهم استقاموا على التوحيد وغيره مما وجب عليهم وعن أبى بكر استقاموا فعلاً كما استقاموا قولا وروي انه تلاها وقال ما تقولون فيها فقالوا: استقاموا فلم يذنبوا ولم يلبسوا ايمانهم بخطيئة لما روي انه رضي الله عنه سئل عن الاستقامة فقال أن لا تشرك بالله شيئاً والمشهور عنه وعن جماعة هو هذا لم يختل ايمانهم ولم يضطرب ومن اختلاله واضطرابه عمل الكبائر.
وقال عمر رضى الله عنه: الاستقامة اخلاص العمل ونسب لعثمان وقرأها عمر على المنبر فقال استقاموا والله بطاعته ولم يروغوا روغان الثعلب فعلوا الأمر وتركوا النهى وقال علي أدوا الفرائض وعليه ابن عباس وعن الحسن استقاموا بالطاعة واجتناب المعصية وعليه جماعة وكان اذا تلاها قال اللهم أنت ربنا فارزقنا الاستقامة وقيل استقاموا على الشهادة حتى ماتوا.
قال سفيان بن عبدالله الثقفي لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أخبرني بأمر أعتصم به فقال:
"قل ربى الله ثم استقم" فقال ما أخوف ما تخاف عليَّ "فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بلسان نفسه فقال هذا" وتلك الاقوال كلها وان اختلفت مفهوماً متحدة صدقاً وكما لا بدّ من الاقرار لا بدّ من العمل والاخلاص وكل من الثبات على الايمان واخلاص العمل وأداء الفرائض أجزء للاستقامة يتركب منها لا تحصل الا باجتماعها لا جزئيات لها كما قال القاضي لأدائه الى أن كل واحد استقامة وهو لا يصح الا باعتبار الاستقامة اللغوية هذا (ولا تخافوا) مفعولاً (لتتنزل) لتضمنه معنى (تقول) أو بمحذوف أي (قائلين) لا تخافوا والخوف غم يلحق لتوقع المكروه* { تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلاَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ } الحزن غم يلحق لوقوع المكروه من فوات نافع أو حصول ضار فالمعنى ان الله كتب لكم الأمن من كل غم وقيل: المراد لا تخافوا ما تقدمون عليه من الآخرة ولا تحزنوا على ما خلفتم من أهل وولد فانا نخلفكم في ذلك وقيل { لاَ تَخَافُوا } من الموت وما بعده { وَلاَ تَحْزَنُواْ } على ما خلفتم وقيل لا تخافوا من ذنوبكم ولا تحزنوا فأنا أغفر لكم وكثيراً ما يقع الحزن لما لم يقعه.
وعن مجاهد: لا تخافوا ما تقدمون عليه ولا تحزنوا على ما خلفتم من دنياكم
{ وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون } أي على ألسنة الرسل في الدنيا.