التفاسير

< >
عرض

وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيْطَٰنِ نَزْغٌ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ
٣٦
-فصلت

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ وَإِمَّا } ان الشرطية وما الزائدة { يَنزَغَنَّكَ } شبه وسوسة الشيطان وبعثه الى ما لا ينبغي وصرفه عن تلك الخصلة وغيرها من الخير بالنخس بنحو اليد والشوكة بجامع الايقاع في أمر لم يكن والاخراج عن أمر كان فاستعار لهم النزغ الذي هو اسم للنخس واشتق منه ينزغ بمعنى يوسوس بنحو الحقد والغضب وما كان من الجوارح فبعد النزغ في القلب وعن بعضهم ان الشيطان ينزغ في اليد فتبطش ويدل له حديث "لا يشير أحدكم على أخيه بالسلاح ألا ينزغ الشيطان في يده فيلقيه في حفرة من حفر النار" ولعل النزغ في اليد مجاز ومحله القلب أو شيء سوى الذي في القلب لكن لا بدّ من الذي في القلب.
{ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ } مصدر أسند اليه النزغ مبالغة كقولك صام صومه بالرفع وجد جده بالرفع والمراد بالنزغ الشيطان سمي بالمصدر مبالغة فيكون في الكلام تجريد الا ان أريد بالشيطان الجنس* { فَاسْتَعِذ بِاللهِ }
ومن علماء قرطبة (ردها الله وجميع الاندلس للاسلام) من يدعو بقوله: (اللهم لا تجعل صدري للشيطان مراغاً ولا تجعل قلبي له مجالاً ولا تجعلني ممن استفزه بصوته وجلب عليه بخيله ورجله وكن لي من حبائله منجياً ومن مصائده منقذاً ومن غوائله مبعداً اللهم انه وسوس في النفس ما لا يطيق اللسان ذكره ولا تستطيع النفس نشره مما نزهك عنه علو عزك وسمو مجدك فازل يا سيدي ما سطر وامح ما زور بوابل من سحائب عظمتك وطوفان من بحار نصرتك وأسلل عليه سيف ابعادك وأرشقه بسهام قضائك احرقه بنار انتقامك واجعل خلاصي منه زائداً في حزنه ومؤكداً لأسفه) قال واسمه محمد بن ميسرة ربما كان العبد خالياً مشتغلاً بالتلاوة ويجد وسوسة وقساوة تحول بينه وبين حلاوة الذكر وربما كان ذلك مع الاجتهاد في القراءة لان الذكر اما ذكر خوف ورهبة لاجتماع القلب وصدق النية وبه تنقطع علائق حبل الشيطان وتزول وسوسته ولا يقوى على ذلك واما ذكر أمن وغفلة وهذا لا تفارقه الوسوسة وان أديم لان على القلب غشاوة مانعة للحلاوة وأنفسنا وطية لا تقدر على اخراجه عنها للأبد بل تجتهد وتستعين بالله فيعينك وتثق به فلا يخذلك
{ وَالَّذِينَ جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وان الله لمع المحسنين } وقد علم الله ان البشر يثور بهم الغضب ونحوه أحياناً فدلهم على ما يزيل ذلك وهو الاستعاذة أي طلب العصمة من شره* { أِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ } للاستعاذة وغيرها من الاقوال* { الْعَلِيمُ } بنيتك وصلاحك وأفعالك وبنية غيرك وصلاحه وأفعاله