التفاسير

< >
عرض

وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أعْجَمِيّاً لَّقَالُواْ لَوْلاَ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ ءَاعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ هُدًى وَشِفَآءٌ وَٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ فِيۤ آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَـٰئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ
٤٤
-فصلت

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ وَلَوْ جَعَلْنَاهُ } أي الذكر* { قُرْآناً أَعْجَمِيّاً } كما قالوا هلا نزل بلغة العجم وهى خلاف لغة العرب* { لَّقَالُواْ لَوْلاَ } حرف تخصيص* { فُصِّلَتْ آيَاتُهُ } بينت بلسان نفقهه أي لو جعل أعجميا لما تركوا التعنت* { أَأعجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ } بهمزتين مفتوحتين عند أبي بكر وحمزة والكسائي وغير هشام يبدل الثانية ألفا ويمد وأبو عمرو وقالون يشبعان المد لا من قولهما ادخال الألف بين الهمزة المحققة والملينة وابن كثير يجعل الثانية بين بين بلا فصل وهو قياس قول حفص وابن ذكوان لان من مذهبهما تحقيق الهمزتين من غير فاصل وعن بعض ان ابن ذكوان يشبع المد هنا وفي { { ان كان ذا مال } ورد بأنه لا يفصلهما بالألف ولو حققنا فكيف اذا سهلت الثانية حكى الأخفش عنه تسهيلها ولم يذكر الفصل والاستفهام انكاري أي لكلام أعجمى ومخاطب عربي أو قرآن أعجمي ورسول عربي وذلك مستلزم للمحذور والاعجمي الذي لا يفهم ولا يفهم كلامه من أي جنس كان والعجمي منسوب الى أمة العجم وذلك من كلام الله وقيل من كلامهم أي كيف ينزل الكلام أعجميا الى العرب وقرأ هشام والحسن (أعجمي) بهمزة واحدة بدون استفهام أي قرآن عربي ورسول عربي والمعنى انهم في اتباع الهوى والتعنت ولو كان ما كان لانهم غير طالبين للحق بل متعنتون ويجوز على هذه القراءة أن يكون ذلك بيانا للتفصيل أي لو فصلت آياته بعضه عربي للعرب وبعضه أعجمي للعجم ويجوز أن يراد بالعرب المرسل اليهم وهم العرب ولو كانوا جماعة؛ وعربي مفرد تمثيلاً بالواحد المذكر كما تقول اذا رأيت امرأة قصيرة عليها لباس طويل (الباس طويل والملابس قصير) من غير أن تقول اللابسة لان الغرض بيان التنافر بين اللباس والشخص اللابس من حيث هو لا بيان كونه مؤنثاً وعن بعضهم ان سبب النزول تخليط كان من قريش من أجل حروف وقعت في القرآن مما عرب من كلام العجم كسجيل واستبرق وقيل ان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل على يسار غلام عامر بن الحضرمي وكان يهودياً أعجمياً يكنى أبا فكيهة فقال المشركون انما يعلمه يسار فضربه سيده وقال أنت تعلم محمدا فقال هو والله يعلمنى فنزلت الآية* { قل هو } أي الذكر
{ لِلَّذِينَ آمَنُواْ هُدًى وَشِفَآءٌ } أي القرآن لمن قضى الله ايمانه هدى أي ارشادا للحق عن الضلالة وشفاء أي ازالة لما في الصدور من الشك والشبهة والجهل والشرك شبه هذه القبائح بالمرض فأطلق على ازالتها الشفاء وقيل: شفاء من الاسقام والاوجاع* { وَالَّذِينَ } مبتدأ* { لاَ يُؤْمِنُونَ } أي لم ييض الله أن يؤمنوا* { فِي آذَانِهِمْ } جمع أذن خبر لقومه* { وَقْرٌ } والجملة خبر (الذين في آذانهم) منه وقر أو (وقر) خبر لمحذوف والجملة خبرا للذين أي هو في آذانهم وقر وقيل: ويدل له قوله* { وَهُوَ } أي الذكر وهو القرآن* { عَلَيْهِمْ عَمًى } أي شيء خفي لتعاميهم عن سماعه وعما يريهم من الآيات وقال أبو حيان: عمى مصدر والوقر الثقل في السمع شبهم بالاصم والاعمى وقرءء (عماء) بالمد (وعم) باعراب على الميم (كبرعم) بالكسر للميم والاعراب على الياء المحذوفة ويجوز عند مجيز عطف معمولين على معمولين عاملين أن يعطف (الذين) على (الذين) (ووقر) على (هدى أو شفاء) (ففي آذانهم) متعلق باستقرار الذين أو بمحذوف حال (وقر) كأنه قال وهو للذين لا يؤمنون في آذانهم وقر واستغنى بهم واللام والاولين* { أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ } يوم القيامة* { مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ } بكفرهم وقبيح أعمالهم حتى يسمع أهل الموقف ليفضحوا على رؤوس الخلائق ويكون من أعظم توبيخ.
قاله الضحاك وقال مجاهد: شبههم لمن ينادى من بعيد يسمع الصوت ولا يفهم تفصيله أو لا يسمع أصلاً وذلك تمثيل بعدم فهمهم وقبولهم وعدم القائهم السمع نحو ما يقال لهم { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ }