التفاسير

< >
عرض

ذَلِكَ ٱلَّذِي يُبَشِّرُ ٱللَّهُ عِبَادَهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ ٱلْمَوَدَّةَ فِي ٱلْقُرْبَىٰ وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ
٢٣
-الشورى

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ ذَلِكَ الَّذِي } مبتدأ وخبر*
{ يُبَشِّرُ اللهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ } عائد الى محذوف على القلة انه مجرور بما لم يجر بموصول أي (يبشر الله به) وان أوقعنا (الذي) على التبشير فالعائد (هاء) المصدر فلا قلة أي (ذلك التبشير الذي يبشره الله عباده) وجعل يونس (الذي) حرف مصدر أي (ذلك تبشير الله عباده) وضم الياء وفتح الباء وتشديد الشين مكسورة هي قراءة نافع وعاصم وابن عامر وقرأ الباقون بفتح الياء وسكون الباء وضم الشين من بشر الثلاثي وقرئ { يُبَشِّرُ } بضم الياء واسكان الباء وكسر الشين خفيفة من (أبشر) ونسبت هذه القراءة أيضاً لهؤلاء الباقين ابن كثير وابن عمر وحمزة والكسائي واجتمع المشركون في مجمع لهم فقال بعضهم لبعض أترون ان محمداً يسأل عما يتعاطاه أجراً فنزل* { قُل لآَّ أَسْأَلُكُمْ } لا أطلب منكم* { عَلَيْهِ } تبليغ الرسالة أو على ما أتعاطاه من التبليغ والبشارة وهذا انما يصح على أن الآية السابقة معناها ان الله يبشر من آمن وعمل صالحاً فآمنوا واعملوا لتبشروا بالمروضات والاستعلا مجازين وعلى للتعليل* { أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ } المحبة* { فِي الْقُرْبَى } الاستثناء متصل أي لا أسألكم أجراً الا المودة حال كونها فى القربى أي الا مودة قرابتي والحال مقدرة وليس هذا أجراً في الحقيقة لان قرابته قرابتهم فصلتهم لازمة لهم هذا.
وروي عن أبي بكر: (أرقبوا محمداً صلى الله عليه وسلم فى آل بيته فمودة قرابته صلى الله عليه وسلم من لم يبدل ولم يغير مثل فاطمة وحمزة والعباس وابنه رضي الله عنهم واجبة).
قال صلى الله عليه وسلم:
"حرمت الجنة على من ظلم أهل بيتي وآذانى في عترتي ومن اصطنع صنيعة الى أحد من ولد عبد المطلب ولا يجازيه عليها فأنا أجازيه عليها غداً اذا لقيني يوم القيامة"
وقال: "اني تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه النور والهدى فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به" وحث عليه ورغب كثيراً ثم قال: "وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي" وقال: "من مات على حب آل محمد مات شهيداً؛ الا ومن مات على حب آل محمد مات مغفوراً له الا ومن مات على حب آل محمد مات تائباً الا ومن مات على حب آل محمد مات مؤمناً متكمل بالايمان الا ومن مات على حب آل محمد بشره ملك الموت بالجنة ثم منكر ونكير الا ومن مات على حب آل محمد مات على السنة والجماعة الا ومن مات على حب آل محمد يزف الى الجنة كما تزف العروس الى زوجها الا ومن مات على بغض آل محمد جاء يوم القيامة مكتوباً بين عينيه آيس من رحمة الله ومن مات على بغض آل محمد مات كافراً الا ومن مات على بغض آل محمد لم يشم رائحة الجنة" .
وروي أن الانصار قالوا فعلنا وفعلنا كأنهم افتخروا فقال العباس وابنه لنا الفضل عليكم فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاهم فى مجالسهم فقال: "يا معشر الانصار ألم تكونوا أذلة فأعزم الله بي قالوا بلى يا رسول الله قال ألم تكونوا ضلالا فهداكم الله بي قالوا بلى يا رسول الله قال أفلا تجيبوني قالوا ما نقول يا رسول الله قال ألا تقولون ألم يخرجك قومك فآويناك أو لم يكذبوك فصدقناك أو لم يخذلوك فنصرناك فما زال يقرر حتى جثوا على الركب وقالوا أموالنا وما فى أيدينا لله ولرسوله" فنزلت الآية وذلك كله صحيح الرواية لكن المراد بالذين لم يبدلوا فخرج على نحوه ممن بدل قتل ومن قال صلى الله عليه وسلم "لا يدخل قاتله الجنة" ولم تصح عندنا معشر الاباضية رواية انه لما نزلت قيل ومن قرابتك الذين تجب علينا مودتهم فقال علي وفاطمة وابناهما ورواية ان علياً شكا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم حسد الناس فقال أما ترضى أن تكون رابع أربعة أول من يدخل الجنة أنا وأنت والحسن والحسين وأزواجنا على أيماننا وشمائلنا وذرياتنا خلف أزواجنا.
وعن ابن أرقم: أهل بيته من حرم عليه الصدقة من بني هاشم وبنى عبد المطلب آل على وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس، وقيل معنى { لا أسألكم عليه أجراً } الا أن تودوني لقرابتي ففي للتعليل وهذا واجب عليهم أيضاً وليس بأجرة على التبليغ والمراد استكفاف شرهم وعليه ابن عباس فيما روي عنه أيضاً وغيره ونزلت في مكة فى صدر الاسلام قيل أو المراد استنصارهم قال ابن عباس وقتادة وابن اسحق لم يكن بطن في قريش الا وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبينهم قرابة ولما كذبوه نزلت أي انكم قومي وأحق من يجيئني ويطيعني فاذا أتيتم فاحفظوا حق القرابة ولا تؤذوني ولا تهيجوا علي وقيل أتت الانصار رسول الله صلى الله عليه وسلم بمال جمعوه وقالوا هدانا الله بك وأنت ابن أخينا ويعروك نوائب وما لك سعة فاستعن بها فنزلت فرده وهذا يدل على أنها مدنية أعني الآية ويجوز أن يكون الاستثناء منقطعاً أي { لا أسألكم أجراً } لكن أسألكم وأذكركم مودتي لقرابتي أو المودة حالة كونها فى أهل القرابة متمكنة فيهم كما تقول لي فى آل فلان مودة وأنت تريد انهم فى محل مودتي ومستقرها ولذا لم يقل مودة القربى أو للقربى والقربى مصدر وقيل القربى التقرب الى الله بالطاعة أي لا أسألكم الا أن تطيعوا الله وتوددوا اليه.
روي عن ابن عباس أيضاً والحسن وقيل الآية نزلت بمكة وكان المشركون يؤذون رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمرهم فيها بمودته وصلة رحمه ولما هاجر الى المدينة وآواه الانصار ونزل
{ { قل ما سألتكم من أجر فهو لكم أن أجري على الله } ناسخاً لهم الحاقاً له باخوانه الانبياء مثل قوم نوح وغيره { { ان أجري الا على رب العالمين } ونسب هذا للضحاك والحسين بن الفضل ولعل المراد نسخ ما يتوهم منها من كون المودة أجرة ومن الملاينة والا فلا يصح نسخ مودته ولا نسخ مودة آله فان مودتهم فرض وقرئ الا مودة فى القربى* { وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً } أي يكتسبها قال السدي: هي مودة قرابته صلى الله عليه وسلم نزلت في أبي بكر ومودته لهم والظاهر العموم في كل حسنة لكن لما ذكرت عقب ذكر { المودة في القربى } تناولت المودة تناولاً أولياً وغيرها كأنه تابع لها* { نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً }* بمضاعفة الثواب وبجعلها حسنات كثيرة وتعظيمها وقرئ (يزد) بالياء أى الله وقرئ (حسنى) مصدراً (كالبشرى)* { إِنَّ اللهَ غَفُورٌ } للذنوب* { شّكُورٌ } للقليل من الطاعة يضاعفه ويوفى الثواب عليه