التفاسير

< >
عرض

لِتَسْتَوُواْ عَلَىٰ ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُواْ نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا ٱسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُواْ سُبْحَانَ ٱلَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَـٰذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ
١٣
وَإِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ
١٤
-الزخرف

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ لِتَسْتَوُواْ } لام التعليل والفعل منصوب وزعم بعض انها لام الأمر والفعل مجزوم وأمر المخاطب باللام ضعيف كقوله (لتقسم أنت يا ابن خير قريش فلتقض حوائج المسلمين) قاله ابن هشام* { عَلَى ظُهُورِهِ } أي ظهور ما تركبون جمع الظهر نظراً لمعنى ما هو الفلك والانعام وأفرد الضمير وذكره نظراً للفظها*
{ ثُمَّ تَذْكُرُواْ نِعْمَةَ رَبِّكُمْ } فى قلوبكم اعترافاً بنعم الله وتعظيماً له* { إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ } ذكر وأفرد نظر اللفظ ما خص الله الأنبياء وبعض الصديقين بمعرفة نعمه في جميع حالاتهم فعظمت عندهم حتى رأوا ما رأوا وشاهدوا ما شاهدوا بخلاف غيرهم ممن لم يعرفها الا فى مطعمه ومشربه وملبسه ومركبه فقد صغرت عنده نعم الله فصار فى جانب التسفل.
{ وَتَقُولُواْ سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا } أي ذلّله*
{ وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّآ إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ } هذا ما يقوله عند استوائه على الدابة وقيل ذكر النعمة أن يقول قبل هذا القول الحمد لله الذي من علينا بمحمد صلى الله عليه وسلم وهدانا للاسلام وعلمنا القرآن وأما السفينة فيقول بسم الله مجراها ومرساها ان ربي لغفور رحيم.
وعن ابن عمر؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا استوى على راحلته وفي رواية على بعيره خارجاً لسفر
"حمد الله تعالى وسبح وكبر ثلاث تكبيرات وقال { سُبْحَانَ } الى { لَمُنْقَلِبُونَ } اللهم انا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى والعمل بما ترضى اللهم هون علينا سفرنا هذا واطو لنا بعده اللهم أنت الصاحب فى السفر والخليفة فى الأهل اللهم اني أعوذ بك من وعثاء السفر أي مشقته وكآبة المنظر أي الحزن فانه يرى في الوجوه وسوء المنقلب أي الرجوع غير مبرح مضرور أي أهل ومال أو ولد كما صرح به في رواية هكذا وسوء المنقلب في الأهل والمال والولد واذا رجع قال ذلك وزاد آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون" .
وروي عن أبي هريرة انه صلى الله عليه وسلم يقول اذا قرب راحلته ليركب وأحياناً اذا ركبها: "بسم الله اللهم أزو لنا الأرض وهون علينا السفر اللهم أنت الصاحب الى الولد" .
وعن علي بن ربيعة: (شهدت علي بن أبي طالب وقد أتى بدابة ليركبها فلما وضع رجله في الركاب قال بسم الله فلما استوى على ظهرها قال الحمد لله الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وانا الى ربنا لمنقلبون ثم قال الحمد لله ثلاث مرات ثم قال الله أكبر ثلاثاً ثم قال سبحانك اني ظلمت نفسي فاغفر لي فانه لا يغفر الذنوب الا أنت ثم ضحك فقلت: يا أمير المؤمنين لِمَ ضحكت؟ فقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل كما فعلت فقلت: يا رسول الله من أي شيء ضحكت فقال: ان ربك يعجب من عبده اذا قال اغفر لي ذنوبي انه لا يغفر الذنوب غيرك فان صح الحديث فما ضحكه جل عن النقائص الا رضاه وفى الحديث " ان على ظهر كل كل بعير شيطاناً فاذا ركبتموها فسموا لله" ومعنى { مُقْرِنِينَ } مطيقين وأصله من أقرنت الشيء بمعنى وجدته قرينى والصعب لا يكون قرينه الضعيف وقرئ بالتشديد مكسوراً كذلك والمعنى واحد وعنه صلى الله عليه وسلم "اذا وضع رجله في الركاب قال بسم الله واذا استوى عليها قال الحمد لله على حال { سُبْحَانَ } الى { لَمُنقَلِبُونَ } وكبر ثلاثاً وهلل ثلاثاً" ورأى الحسن قائلاً عند الركوب سبحان الذي سخر لنا هذا فقال أبهذا أمرتم فقال وبم؟ قال: أن تذكروا نعمة ربكم نبهه على الحمد وهذا من أحسن مراعاتهم لآداب الله رزقنا الله اياها.
قال الزمخشرى: (ما أحسن بالعاقل النظر في لطائف الصناعات فكيف بالنظر الى لطائف الديانات وقد قيل ان من يركب ولم يقل ما قال الله فعطب هلك وقد قيل يقال ذلك أيضاً عند ركوب السفينة ووجه اتصال { وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ } بما قبله انه كثيراً ما ينقلب راكب دابة الى ربه بموته لعثورها أو نفورها وراكب سفينة يغرق ولا يترك ذكر ذلك في كل مخوف كطلوع نخلة ونزول بئر ومن ملك شيئاً من هذه الحيوانات فليرفق به ويحسن اليه لينال رضى الله ويكن العبد معظماً لربه نفاعاً لخلقه خيراً في قومه مشفقاً على عباده فان رأس المعرفة تعظيم أمر الله سبحانه والشفقة على خلقه وبينما رجل وقيل امرأة يمشي بطريق فاذا اشتد عليه العطش فوجد بئراً فنزل فيها فشرب فخرج فاذا بكلب يلهث يأكل الثرى من العطش فقال الرجل لقد بلغ هذا العطش مثل الذي بلغ مني فنزل البئر فملأ خفه ثم أمسك بفيه حتى رقى فسقى الكلب فشكر الله له فغفر له ذكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: فان لنا في البهائم أجراً فقال: في كل كبد رطبة أجر قلت: وكذا في الاساءة الى الحيوان اثم ويستثنى من ذلك ما يضر كالحية والأسد.
وعن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم:
"دخلت امرأة النار فى هرة حبستها فلا هى أطعمتها ولا هى أطلقتها تأكل من خشاش الأرض"
"ودخل صلى الله عليه وسلم حائطاً من حيطان الانصار فاذا جمل قد أتى فجرجر وذرفت عيناه فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم سراته وذر فاه فسكن فقال: من صاحب الجمل؟ فجاء فتى من الانصار فقال: هو لي يا رسول الله فقال له: أما تتقى الله في هذه البهيمة التى ملكك الله ان شكا اليّ انك تجيعه وتذيبه" والسراة الظهر والذرفاء ما وراء الاذنين. هذا وينبغي للراكب أن يستحضر ركوب الجنازة وشتان بين من يستحضر ذلك وبين من يركب مهملاً وناوياً للمعاصي ركب سلطان من بلد الى بلد مسيرة شهر ولم يصح من الخمر الا بعد الوصول فلم يعشر بمسيره