التفاسير

< >
عرض

أَمْراً مِّنْ عِنْدِنَآ إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ
٥
رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ
٦
-الدخان

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ أَمْراً مِّنْ عِندِنَآ } { أَمْراً } حال من أمر الاول لوصفه عند ابن هشام وادعى الزمخشرى انه منصوب على الاختصاص قال وصف الامر بالحكم أولا وزاده جزالة بأن قال (أعني أمراً حاصلاً من عندنا) وكما اقتضاه علمنا وتدبيرنا وكأنه أراد بالاختصاص تقدير أعني فلا اشكال والا فلم تكمل شروط الاختصاص ويجوز أن يراد بالامر ضد النهي ثم ان اما أن يوضع موضع فرقاناً الذي هو مصدر يفرق لان معنى الامر والفرقان واحد لانه اذا فصل شيئاً وأثبته وقد أمر به وأوجبه واما أن يكون حالاً من فاعل { أَنزَلْنَاهُ } أي أمرين أو من مفعوله أي { أَنزَلْنَاهُ } حال كونه أمراً من عندنا بما يجب أن يفعل أو أنزلناه مأموراً به.
{ إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ } أي نرسل الرسل اليهم رحمة منا وقيل { رَحْمَةً } عائد لأنزلناه وما بينهما اعتراض وقيل ليفرق وقيل الأمر ضد النهي وهو مفعول لأجله ويصح مفعولاً لمرسلين وذلك أن التكليف تعريض للمنافع ووضع الرب موضع الضمير ايذاناً بأن الربوبية تقتضي الرحمة على المربوبين.
وقرأ زيد ابن عليّ برفع (أمر) خبراً لمحذوف أي هو أمر وفيها تقوية لنصب أمر بأعني في قراءة نصبه وقرأ الحسن (رحمةٌ) وهي تصير انتصابها بأنه مفعول به.
وروي ان الله يطلع ليلة النصف من شعبان الى العباد فيغفر لأهل الأرض الا مشركاً ومشاحناً أي اطلاع منه وفضل أي اكثار ذلك عن باقي الساعات وانه يغفر للمؤمنين ويمهل الكافرين ويترك أهل الحقد بحقدهم حتى يتركوا الحقد وعن عائشة رضي الله عنها فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة فخرجت تطلبه فاذا هو ببقيع الفرقد مقبرة لأهل المدينة كان به شجر الفرقد وذهب ونقى اسمه رافعاً رأسه الى السماء فقال أتخافين أن يحيف الله ورسوله عليك أي يميل عن الحق فقالت: لا يا رسول الله لكن ظننت انك أتيت بعض نسائك فقال
"ان الله ينزل ليلة النصف من شعبان الى سماء الدنيا أي تنزل رحمته فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم كلب" وتلك ليلتها وأخذتها الغيرة.
وروي أيضاً ان ليلتها وافقت ليلة النصف من شعبان ففقدته في جوف الليل فطلبته في بيوت نسائه فلم تجده ورجعت لبيتها فوجدته ساجداً كأنه الثوب الملقى على الأرض قائلاً:
"سجد لك سوادي أي ظلي كناية عن شخصه وخيالي وآمن بك فؤادي وهذه يدي وما جنيت بها على نفسي يا عظيماً يرجى لكل عظيم اغفر لى الذنب العظيم سجد وجهى للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره فرفع رأسه فسجد وقال فيه أعوذ برضاك من سخطك وبعفوك من عقابك وبك منك لا أحصي ثناء عليك كما أثنيت أنت على نفسك أقول كما قال أخى داود أعفر وجهى في التراب سيدي وحق لوجهي سيدي أن يغفر له أي وسيدي ورفع رأسه فقال اللهم أرزقني قلباً تقياً من الشرك تقياً لا جافياً ولا شقياً" ، ثم انصرف من صلاته فدخل معي في الخميلة وهي كساء له وبر ويقال المطنفسة أيضاً ولي نفس عال فقال صلى الله عليه وسلم ما هذا النفس يا عائشة فأخبرته فطفق يمسح بيديه على ركبتي ويقول ويس هاتين الركبتين ما لقيتا في هذه الليلة ليلة النصف من شعبان ينزل الله فيها أي رحمته الى السماء الدنيا فيغفر لعباده الا المشرك والمشاحن قالت: وانه يغفر للمؤمنين، وكسائي اذ ذاك من شعر المعز ولحمته من وبر الابل والمشاحن المخاصم والمعادي لأمر دنيوي.
وقال الأوزاعي: (صاحب البدعة المفارق للجماعة والأمة) وقيل عنه ليس هو من لا يكلم الرجل بل من في قلبه شحناء لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أي على غير الحق كالرافضية.
وقال ثوبان: (التارك للسنة الطاعن في الأمة السافك دماءهم).
وروي (الا مشاحناً وقاتلاً بغير حق) وروي انه يغفر للمستغفرين ويتوب على التوابين ويستجيب للسائلين ويكفي المتوكلين ويغفر لمن يشاء وانه يقول هل من داع فأجيبه هل من مستغفر فأغفر له هل من تائب فأتوب عليه الا زانية تكسب بفرجها أو عشاراً أو رجلاً بينه وبين أخيه شحناء).
وقالت عائشة: (دخل عليّ فوضع ثوبيه فلبث قليلاً فلبسهما وخرج فغرت وظننته أتى بعض صويحباتي فخرجت أتبعه فأدركته بالبقيع يستغفر للمؤمنين والمؤمنات والشهداء فقلت بأبي أنت وأمي أنت في حاجة ربك عز وجل وأنا في حاجة الدنيا فانصرفت فدخلت في حجرتى ولي نفس عال فلحقنى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما هذا النفس يا عائشة فقلت بأبي أنت وأمي أتيتني فوضعت عنك ثوبيك فقمت فلبستهما فأخذتني غيرة شديدة فقال: هذه ليلة النصف من شعبان ولله فيها عتقاء لأكثر من عدد شعر غنم كلب لا ينظر أي نظر رحمة فيها الى مشرك ولا مشاحن ولا قاطع رحم ولا ساحر ولا كاهن ولا مسبل ثيابه للخيلاء ولا عاق لوالديه ولا مدمن خمر أي شاربها ولو مرة ان لم يتب ثم وضع ثوبيه فقال
"أتأذنين لي في قيام الليلة يا عائشة" فقلت نعم بأبي وأمي، فقام فسجد ليلاً طويلاً أي جزءا طويلاً حتى ظننت انه قبض فقمت ألتمسه ووضعت يدي على باطن قدميه فتحرك أي ليعلمها بالحياة ففرحت أي بتحقق حياته وسمعته يقول في سجوده أعوذ بعفوك أبي على نفسك فلما أصبحت ذكرتهن له وقال يا عائشة "أتعلمتهن" فقالت نعم فقال "تعلميهن أي داومي على حفظهن وعلميهن فان جبريل علمنيهن وأمرني أن أرددهن في السجود" .
وروي انها قالت دخل معي في لحافي فنمت وانتبهت فلم أجده فطفت في حجرات نسائه فلم أجده فقلت لعله ذهب الى جاريته مارية القبطية فمررت في المسجد فوقعت رجلي عليه وهو يقول: "سجد لك سوادي" الى قوله "أن يغفر" ثم رفع رأسه فقلت: بأبي أنت وأمي أنت في واد أي مذهب وأنا في واد قال: يا حميراء أما تعلمين ان هذه الليلة ليلة النصف من شعبان ان لله فيها عتقاء من النار بعدد شعر غنم كلب قلت يا رسول الله ما بال شعر غنم كلب قال لم تكن في العرب قبيلة أكثر غنيمة منهم الا مدمن خمر وعاق والديه ومصوراً أو مصرا على الزنى ومصارما ومضرباً في التجارة أي يخلط الجيد بالردئ وكاذباً في الشراء وفتاناً أي نماماً والمراد بالشعر التمثيل والا فيمكن أن يكون المغفور لهم أكثر.
وروي
"قوموا ليلها وصوموا نهارها فان الله ينزل أي رحمته عند غروب الشمس الى سماء الدنيا ويقول ألا مستغفر فأغفر له ألا مسترزق فأرزقه ألا مبتلى فأعافيه ألا كذا ألا كذا حتى يطلع الفجر" .
وقال عطاء: (النزول في كل ليلة فلعل خصوص ذكر هذه الليلة لنزوله أي رحمته من الغروب ولتكثير الرحمة وباقي الليالي ينزل أي رحمته ثلث الليل الاخير وعن بعض إن يوم النصف كليلتها وكذا ليلة القدر وليلة الجمعة مع يوميهما وتسمى ليلة اللحظ لانه يلحظ فيها للكعبة أي يعاملها معاملة الملحوظ اليه بالرحمة.
وروي
"من أحياها وليلة التروية وليلة عرفة وليلة النحر وليلة الفطر وجبت أي ثبتت له الجنة ومن قامها وليلتي العيد لم يمت قلبه يوم تموت القلوب" أي بمحبة الدنيا وقيل لا يجبر عند الموت ولا في القبر ولا في القيامة وقيام الليل عبادة الله فيه فيه بأي عبادة لله ويحصل بمعظم الليل وقيل بساعة.
وقال لعمه العباس:
"يا عماه ألا أعلمك ألا أعطيك ألا أمنحك ألا أحبوك ألا أفعل لك عشر خصال اذا فعلت ذلك غفر الله لك ذنبك أوله وآخره قديمه وحديثه خطأه وعمده صغيره وكبيره سره وعلانيته أن تصلي أربع ركعات تقرأ في كل ركعة الفاتحة وسورة فاذا فرغت من القراءة في أول ركعة وأنت قائم فقل سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله أكبر خمس عشرة مرة ثم تركع فتقول وأنت راكع عشراً ثم ترفع فتقول عشراً وتسجد وتقول عشراً وترفع وتقول عشراً وتسجد وتقول عشراً وترفع وتقول عشراً فذلك خمس وسبعون تسبيحة في كل ركعة تفعل ذلك في كل يوم أو في كل جمعة أو في كل شهر أو في كل عام أو في عمرك مرة" (وأراد بعشر خصال ما ذكره بقوله أوله وآخره) الخ "فيغفر ذنوبك ولو مثل زبد البحر أو رمال عالج" وتسمى صلاة التسبيح ومن أراد الجنة فعليه بها وليس للشدائد والعموم مثلها فان صلاها ليلاً فالأولى أن يسلم كل ركعتين وسواء ذلك وغيره ان صلى بالنهار ولا يجهر فيها كثيراً وان سها فيها سجد للسهو ثلاثمائة تسبيحة وروي انه صلى الله عليه وسلم يدعو بعد التشهد وقبل السلام "اللهم اني أسألك توفيق أهل الهدي وأعمال أهل اليقين ومناصحة أهل التوبة وعزم أهل الصبر وجد أهل الخشية وطلب أهل الرغبة وتعبد أهل الورع وعرفان أهل العلم حتى أخافك اللهم اني أسألك مخافة تحجزني عن معاصيك حتى أعمل بطاعتك وعملاً أستحق به رضاك حتى أناصحك في التوبة وخوفاً منك حتى أخلص لك في النصيحة وحباً لك حتى أتوكل عليك في الامور كلها وحسن الظن بك سبحان خالق النور ربنا تمم نورنا واغفر لنا انك على كل شيء قدير برحمتك يا أرحم الراحمين" ؛ ثم يسلم ثم يدعو بحاجته.
وفي الحديث
"من صلى فيها مائة ركعة أرسل اليه مائة ملك ثلاثون يبشرونه بالجنة وثلاثون يؤمنون له من عذاب القبر وثلاثون يدفعون عنه آفات الدنيا وعشرة يدفعون عنه مكائد الشيطان" وأعطى صلى الله عليه وسلم تمام الشفعة فيها وذلك انه سأل الثالث عشر من شعبان في أمته فأعطي الثلث منها وسأل ليلة الرابع عشر فأعطي الثلث ثم سأل الخامس عشر فأعطي الثلث فتمت الا من شرد عن الله شراد البعير ومن عادة الله في هذه الليلة أن يزيد فيها ماء زمزم زيادة ظاهرة.
وسئل مالك بن دينار عن سبب توبته فقال كنت شرطياً أي جنديا من أتباع السلطان بعلامة ذلك ثم اشتريت جارية نفيسة ووقعت مني أحسن موقع وولدت مني بنتاً فشغفت بها فلما دبت على الارض ازدادت في قلبي حباً وألفتنى وألفتها فلما لها سنتان ماتت فأكدرني حزنها فلما كانت ليلة النصف من شعبان وكانت ليلة جمعة رأيت في منامي كأن القيامة قامت ونفخ في الصور وبعث من في القبور وحشروا وأنا معهم فسمعت حساً فاذا بتنين عظيم أسود أزرق فتح فاه مسرعاً نحوي فهربت مرعوباً فمررت بشيخ نقي الثوب طيب الرائحة فسلمت عليه فرد السلام فقلت أيها الشيخ أجرنى من هذا التنين أجارك الله عز وجل فبكى وقال أنا ضعيف وهو أقوى مني فأسرع لعل الله يقيض من ينجيك فصعدت على شرف فأشرفت على طبقات النيران فكدت أقع فيها من فزعي فصاح صائح ارجع فلست من أهلها فاطمأننت الى قوله فرجعت ورجع التنين في طلبي فأتيت الشيخ فقلت يا شيخ سألتك أن تجيرني من هذا التنين فلم تفعل فبكى الشيخ فقال أنا ضعيف ولكن سر الى هذا الجبل فان فيه ودائع المسلمين فان كان لك فيه وديعة فستنصرك فنظرت الى جبل مستدير من فضة فيه طاقات مخرقة وستور معلقة على كل طاقة مصراعان من الذهب الأحمر مفصلة بالياقوت مكفوفة بالدر على كل مصراع ستر من الحرير فلما نظرت الى الجبل هرولت اليه والتنين ورائي حتى قربت منه صاح بعض الملائكة الموكلين بالجبل عليهم السلام ارفعوا الستور وافتحوا المصارع وأشرفوا فلعل لهذا اليائس بينكم وديعة تجيره من عدوه فلما فتحت المصاريع وأشرفوا عليّ رايت أطفالاً كالأقمار وقرب التنين مني فحرت في أمري فصاح بعض الاطفال ويحكم أشرفوا كلكم فقد قرب منه عدوه فأشرفوا فوجاً بعد فوج فاذا بابنتي التى ماتت قد نظرت اليّ وبكت وقالت أبي والله ثم وثبت في كفة من نور كرمية السهم حتى صارت عندي ومدت يدها الشمال الى يدي اليمنى فتعلقت بها ومدت يدها اليمنى الى التنين فهرب ثم أجلستنى وقعدت في حجري وضربت بيدها اليمنى الى لحيتى وقالت يا أبت
{ { ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله } فبكيت وقلت يا بنيتي وأنتم تعرفون القرآن فقالت يا أبت نحن أعرف به منكم قلت أخبريني عن التنين الذي أراد أن يهلكني قالت ذلك عملك السيء تجسم في صورة هذا التنين قويته فأراد أن يغرقك في نار جهنم قلت: والشيخ الذي رأيته قالت: ذلك عملك الصالح أضعفته حتى لم تكن له طاقة لعملك السيء فقلت: يا ابنتي ما تصنعون بهذا الجبل قالت: أطفال المسلمين سكنوه الى يوم قيام الساعة ننتظركم تقدمون فنشفع لكم فانتبهت فزعاً مرعوباً فكسرت آلات المخالفة وعقدت مع الله توبة نصوحاً فتاب عليَّ سبحانه وتعالى*
{ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } لا غيره وهذا تحقيق لربوبيته