التفاسير

< >
عرض

قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنَ ٱلرُّسُلِ وَمَآ أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ وَمَآ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ
٩
-الأحقاف

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً } أي بديعاً كخف بمعنى خفيف وقرئ (بِدَعا) بفتح الدال صفة أو مصدراً بتقدير مضاف أي ذا بدع* { مِّنَ الرُّسُلِ } أي ما كنت أولهم بل قد جاء قبلي مثلي كثير أو ما كنت أدعو الى ما لا يدعون ولست آتيكم بما تقترحون وأخبركم بكل غيب سألتموه فان الرسل لم يكونوا يأتون الا بما آتاهم ولقد أجاب موسى فرعون بقوله { { علمها عند ربي } فكيف تنكرون نبوتي لئن لم آت بما أردتم*
{ وَمَآ أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ } في الدنيا أمخرج من بلدي أم أقتل كما فعل بالانبياء قبلي أو ترمون بالحجارة أو يخسف بكم كالمكذبين قبلكم.
وقيل الخطاب للكفار والمؤمنين معاً أي لا أدري ما يفعل بكم أيها المؤمنون أيضاً أتخرجون معي أم لا وغير ذلك ثم أخبره الله انه يظهر دينه على الدين كله وانه (لا يعذبهم وهو فيهم ولا يعذبهم وهم يستغفرون).
وقال الحسن: ما أدري ما يصير أمري وأمركم في الدنيا ومن الغالب والمغلوب ثم أخبره انه يظهر دينه وأمته على الاديان والامم وأما في الآخرة فقد علم انه ومن إتبعه في الجنة وغيرهم في النار وقيل ما أدري ما يفعل بي ولا بكم من الأوامر والنواهي وهل يدركني مقيماً بين أظهركم أم يخرجني ونسب للحسن وأخبره وأمره بالهجرة بعد ذلك.
وعن ابن عباس وجماعة: ما أدري ما يفعل بي ولا بكم في الآخرة وكان ذلك في صدر الاسلام فحلف المشركون باللات والعزى ائنا ومحمد عند الله سواء ولولا ان القرن افتراء منه لا خبره بما يفعله به كما فعل مع سليمان وعيسى والحواريون خبرهم الله بالنصر وهذا هو الضلال.
وقيل: إن رأس المنافقين عبد الله قال: كيف تتبعون من لا يدري ما يفعل به ولا بمن اتبعه؟ فقال له أبو بكر يا رسول الله ألا تخبرنا بما يفعل بك وقد شق ذلك على المسلمين فنزل
{ { ليغفر لك الله } الخ فقال الصحابة هنيئاً لك علمت ما يفعل بك فماذا يفعل بنا فنزل { { ليدخل المؤمنين } الخ { { وبشر المؤمنين بأن لهم } الخ فآيات الغفران ناسخات لهذه.
كذا قالوا عن ابن عباس وقتادة وعكرمة ونسب الى الحسن.
قيل: ولم يطل حكم آية منسوخة كهذه بقيت بمكة عشر سنين وبالمدينة ستاً والتحقيق ان نسخ معنى الاخبار وبقاء اللفظ لا يقع واعلم ان الاخبار بغفران الذنوب عام الحديبية.
عن أنس: نزل
{ { انا فتحنا لك فتحاً مبيناً } الخ في رجوعه من الحديبية وأصحابه حزنوا لانه حيل بينهم وبين مناسكهم ونحروا الهدي بالحديبية وقال لقد نزل عليَّ آية أحب اليَّ من الدنيا وما فيها بعد ما خرج على وجهه يتهلل فرحاً.
"وعن أم العلاء امرأة من الانصار بايعت النبي: كان لنا عثمان بن مظعون رضي الله عنه قرعة من المهاجرين فتكفلنا به فأنزلناه في بيوتنا فوجع وجعه الذي به مات وكفناه في أثوابه فقلت رحمك الله أبا السائب فشهادتي عليك لقد أكرمك الله فقال صلى الله عليه وسلم وما يدريك ان الله قد أكرمه فقلت بأبي أنت يا رسول الله فمن يكرمه الله فقال أما هو فقد جاءه اليقين والله اني لارجو له الخير والله ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي قلت فوالله لا أزكي بعده أحداً يا رسول الله قالت ورأيت له عيناً تجري فذكرتها للرسول صلى الله عليه وسلم فقال ذلك عمله" .
وعن ابن عباس والكلبي انه صلى الله عليه وسلم رأى وهو بمكة أرضاً ذات سباخ ونخيل وشجر يهاجر اليها وفرح المسلمون برؤياه هذه فلما اشتد البلاء على أصحابه بمكة من المشركين قالوا له متى تهاجر الى تلك الارض التي رأيت فسكت فتنزل { ومَآ أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ } أنخرج من مكة أو نموت فيها.
وقرئ (يفعل) بالبناء للفاعل وهو الله ولا دخل لا في قوله { ولا بكم } مع عدمها في قوله بي (لدخول) النفي في قوله { مَآ أَدْرِي } كقولك ما جلس زيد في الدار ولا في السوق قيل ويجوز أن تكون الآية نفياً للآلهة المفضلة { وَمَآ } موصولة مفعول أدري أو استفهامية مبتدأ خبره { يُفْعَلُ بِي } بالبناء للمفعول ومفعول مقدم ليفعل مبنياً للفاعل والمبتدأ والخبر على الأول من وجهي الاستفهام مفعول { أَدْرِي } قام مقام مفعولين والجملة الفعلية كذلك على الثاني والمعلق الاستفهام* { إِنْ أَتَّبِعُ } أي لا أتبع*
{ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ } وقرئ بالبناء للفاعل لا أتجاوز الوحي فمن لي بالاخبار عن كل غيب وباستعجال خلاص المسلمين من أذى المشركين* { وَمَآ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ } بالعذاب* { مُّبِينٌ } واضح الانذار بالبراهين أو أوضح لكم الشريعة