التفاسير

< >
عرض

مَّثَلُ ٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِي وُعِدَ ٱلْمُتَّقُونَ فِيهَآ أَنْهَارٌ مِّن مَّآءٍ غَيْرِ ءَاسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي ٱلنَّارِ وَسُقُواْ مَآءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَآءَهُمْ
١٥
-محمد

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ } أي صفتها فلا يقتضي مشبهاً ومشبهاً به قاله سيبويه والنضر بن شميل وغيرهما وهو مبتدأ محذوف الخبر أي فيما قصصنا عليك صفتها العجبية وقيل تقدير مثل عجيب أو شيء عظيم فقيل كمن هو خالد أي مثل أهلها كمثل من هو خالد... الخ وهو كلام في صورة الاثبات ومعناه النفي لانخراطه في سلك الانكار في قوله (أفمن) وفائدة التعرية عن حرف الانكار زيادة تصوير لمكابرة من يسوي بين التمسك بالبينة واتباع الهوى وانه بمنزلة من يسوي بين الجنة التى تجري من تحتها الأنهار والنار التى يسقى أهلها الحميم وهذا من التسليم الذي هو في غاية الانكار وقوله* { فِيهَآ أَنْهَارٌ } معترض بين المبتدأ والخبر في حكم الملة فهو كالتكرير لها وكأنه قيل التي فيها أنهار أو حال أو خبر لمثل وقرئ على أمثال الجنة*
{ مِّن مَّآءٍ غَيْرِ آسِنٍ } أي غير متغير وقرأ ابن كثير (أسن) بالقصر وعلى القصر قول يزيد بن معاوية*

لقد سقتنى رضاباً غير ذي أسن كالمسك فت على ماء العناقيد

وقيل المعنى غير متغير ولا منتن واما (أجِن) فمعناه تغير وأنتن مثله والاول عن ابن عباس وقتادة*
{ وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ } بالقروصة والحموضة كلبن الدنيا وليس فيه ما يكره من الطعوم كما يكون في لبن الدنيا وذلك لخروجه من الضرع بخلاف لبن الجنة*
{ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ } لا نتن فيها ولا مرارة ولا حموضة ولا اذهاب عقل ولا صداع لم تعصر بالايدي والارجل بل خلقت كذلك (ولذة) تأنيث (لذ) بمعنى (لذيذ) أو مصدر نعت به مبالغة أو بتقدير (ذات لذة) أو بتأويله بلذيذ وقرئ بالنصب على انه مفعول لاجله أي (تلذذاً) بناء على عدم شرط اتحاد الفاعل قال بعض أو حال وبالرفع على انه نعت (لأنهار) وفيه ما مر* { وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى } أي خلق صفياً خالياً عن الشمع وغيره لانه لم يخرج من النحل وفي ذلك تمثيل لشراب الجنة بأنواع تستلذ مجردة عن النقص وتوصف بالغزارة قال صلى الله عليه وسلم
"ان في الجنة بحر الماء وبحر العسل وبحر اللبن وبحر الخمر ثم تشقق الأنهار بعد" وقال صلى الله عليه وسلم "سيحان وجيحان والفرات والنيل لكل من أنهار الجنة" . فسيحان نهر أذنة وجيحان نهر المصيصية وهما عظيمان وجيحان أكبر وليسا (سيحون وجيحون).
قال كعب: (نهر دجلة نهر ماء أهل الجنة ونهر الفرات نهر لبنهم ونهر مصر نهر خمرهم ونهر سيحان نهر عسلهم وهذه الاربعة تخرج من نهر الكوثر) والأنهار التى في الآية قيل من أصل شجرة طوبى والورقة منها تغطي هذه الامة والنبق كقلل هجر وقيل يخرج من أصلها أربعة اثنان باطنان يفرغان في الجنة واثنان ظاهران هما النيل والفرات وصحح النووي ان كون تلك الأنهار من الجنة على ظاهره قال بعضهم أنهار الجنة تخرج من أصل واحد من قبة في أرض الذهب ثم تمر بالبحر المحيط وتشقه ولولا ذلك كانت أحلى من العسل وأطيب رائحة من الكافور وفي قلبي مثل هذا شيء فان ماء الجنة أعظم من أن يؤثر فيه البحر لشدة حلاوته الا أن يقال اثره الله فيه مع ذلك*
{ وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ } في تأخير الثمرات في الذكر عن الشراب اشارة الى أن شراب الجنة وأكلها للتلذذ لا لحاجة والمبتدأ محذوف بقي وصفه أي أصناف من كل الثمرات ولا عيب فيها من عيوب ثمار الدنيا قال الحسن ومنها ما يعرفونه في الدنيا وما لا يعرفون.
قال بعضهم: أهبط الله الى الأرض من الجنة ثلاثين ثمرة عشر يؤكل داخلها وخارجها وعشرة خارجها فقط وعشر داخلها*
{ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ } عطف على المبتدأ المحذوف أو مبتدأ محذوف الخبر أي لهم أم عطف على ضمير الاستقرار في (لهم) والمغفرة للذنوب وهي قبل دخول الجنة قالوا وتعطف السابق أو هي رفع التكليف عنهم فيها فهى تعطف اللاحق والله راض عنهم مع احسانه اليهم وسيد العبد في الدنيا قد يكون مع احسانه اليه ساخطاً عليه والله ساخط على أهل الشقاوة وهو محسن اليهم في الدنيا وراض ومحسن دنيا وأخرى على أهل السعادة*
{ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ } خبر مثل كما مر أو خبر لمحذوف أي من هو في هذا النعيم أو بدل من قوله كمن زين والاعتراض بين المبتدأ والخبر أو البدل والمبدل منه لبيان ما به يمتاز من هو على بينة في الآخرة والذي عليه ابن هشام انه خبر لمحذوف*
{ وَسُقُواْ مَآءً حَمِيماً } شديد الحرارة أسعرت غليه النار منذ خلقت اذا دنا منهم أشوى وجوههم ورؤوسهم ووقعت جلدتها وهو بدل شراب الجنة واذا شربوه قطع أمعاءهم كما قال* { فَقَطَّعَ أَمْعَآءَهُمْ } جمع معي بالكسر والقصر والفه عن ياء لقولهم معيان وهي المصارين وعن بعضهم الحوايا وفي الحديث
"يصب الحميم على رؤوسهم فينفذ الى بطونهم فيسلت ما فيها ويخرج من أقدامهم ثم يعاد كما كان."
وفي رواية "يخرج من أدبارهم"