التفاسير

< >
عرض

لَّقَدْ رَضِيَ ٱللَّهُ عَنِ ٱلْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ ٱلشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً
١٨
-الفتح

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ لَّقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ } بالحديبية وهذا تشريف لهم وتسمى بيعة الرضوان لهذه الآية قال معقلل بن يسار لقد رأيتني يوم الشجرة والنبي يبايع الناس وأنا رافع غصنا من أغصانها عن رأسه ونحن أربع عشرة مائة وكذا قال الزبير إنهم أربع عشرة مائة وكذا جابر بن عبدالله وروي عن سالم إنهم الف وخمسمائة وعن عبدالله بن أبّي في أنهم ألف وثلاثمائة قال جابر قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية أنتم خير أهل الأرض قال ابن عمر تفرقوا في ظلال الشجر فاذا الناس محدقون بالنبي صلى الله عليه وسلم فقال لي أبيّ أنظر ما شان الناس فوجدتهم يبايعون فبايعت ثم رجعت واخبرته فبايع ولا يشك عاقل ان من أحدث واصر لا يعمه الرضوان فالمراد الذين بايعوا وأوفوا قال بعض أصحابنا مثل من له ست بنين ثلاثة في الولاية فقال رجل ممن له ولاية أنا أتولى بني فلان اليس الكلام يتوجه الى الثلاثة الذين في الولاية دون غيرهم وهذا معنى الآية وقوله صلى الله عليه وسلم "لا يدخل النار أحد ممن بايع تحت الشجرة" وفي رواية "الا صاحب الجمل الأحمر" فقيل انه جد بن قيس المنافق من بني سلمة ورد بانه لم يبايع نعم قيل أنه بايع لكنه منافق وعلى أنه لم يبايع فالاستثناء منقطع وقيل إنه على ناقة لا على جمل ولم يحضرها عثمان وجعل صلى الله عليه وسلم يدا على يد وقال هذه يد عثمان وذلك انه ذهب من الحديبية الى مكة بامره صلى الله عليه وسلم وضع اليمنى على اليسرى وقال بعثت عثمان في حاجتكم الى مكة فهذه يميني له قال أصحابنا وهذا كذب عن النبي صلى الله عليه وسلم وان المبايعة لا تكون الا من بائع ومشتر وان عثمان زل عن بيعة الرضوان وقيل عددهم الف وخمسمائة وخمسة وعشرون { تَحْتَ الشَّجَرَةِ } هي سمرة وقيل سدرة قيل ذهبت بعد سنين وعن جابر بن عبدالله لو كنت ابصر اليوم لاريتكم مكانها وانطلق طارق بن عبدالرحمن ومر بقوم يصلون وقال ما هذا المسجد قالوا هذه شجرة الرضوان يعنون مكانها فاخبر ابن المسيب فقال بايع أبي وخرج في العام المستقبل فلم يقدر هو ومن معه عليها فاصحاب رسول الله لم يعلموها وانتم علمتموها فضحك ومر عمر بذلك المكان بعد ذهابها فقال اين كانت فكثر اختلافهم في موضعها فقال سيروا ذهبت الشجرة وسبب هذه البيعة انه صلى الله عليه وسلم بعث خراش بن أمية الخزاعي من الحديبية الى قريش على جمل يقال له الثعلب ليبلغ اشرافهم أنه جاء للعمرة والزيارة لا للحرب فعقروا الجمل ومنعهم الاحابيش من قتل حراش فاتى النبي صلى الله عليه وسلم فاخبره فبعث عمر فقال يا رسول الله اخاف على نفسي ليس بمكة احد من بني عدي بن كعب وقد عاديت قريشا بغلظة فابعث عثمانا ابعثه الى أبي سفيان واشراف قريش فلقيه ابان بن سعيد بن العاص بعد دخول مكة أو قبله وأردفه على دابته واجاره حتى بلغ الرسالة وقال العظماء ان شئت فطف فقال لا حتى يطوف صلى الله عليه وسلم واحتسبوه فبلغ النبي والمسلمين انه قتل فدعا الناس ليبايعوه على القتال وقال بكير بن الاشج بايعوه على الموت وقال صلى الله عليه وسلم بل على ما استطعتم ثم اتى الخبر ان خبر قتله باطل والاحابيش جمع احبوش وهو الفوج من قبائل شتى يقال تحبشوا من كل قبيلة أي تجمعوا وقيل أحياء من الغارة انضموا الى بني ليث في الصحارية وقيل قريش بنو الحارث بن عبد مناة وبنو المصطلق وغيرهم تحالفوا تحت جبل يقال له حبش وقيل اسم واد بسافل مكة* { فَعَلِمَ } الفاء للاستئناف اي فهو عليم والعطف والترتيب الاخباري والمعطوف عليه (رضى) او (يبايعون) وانما لم يكن الترتيب في المعنى لان علم الله أزلي سابق نعم يصح في العطف على (يبايعون) الترتيب في المعنى باعتبار وجود ما في قلوبهم في فانه الازل عالم به أنه سيقع ولكن لم يقع الا في زمان وقوعاه فالعلم الموافق لوقوع ذلك بعد المبايعة فافهم وقد يقال مثل هذا في العطف على (رضى) { مَا فِي قُلوبِهِمْ } من الصدق والحرص في الدين { فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ } الثبات قال مجاهد هي من الله كهيئة الريح وعن بعضهم ريح خجوج وذلك بان شجعهم أو بالصلح { عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً } جعله ثوابا عن انصرافهم من الحديبية بلا فتح وغنيمة فهو بعض ثوابهم ولهم الثواب الجزيل دنيا واخرى وقرئ (وآتاهم) والفتح القريب فتح خيبر عقب انصرافهم من الحديبية رجع منها في ذي الحجة من سنة ست وأقام بالمدينة بقبتها وأوائل محرم ثم عزا خيبرا بمن شهد الحديبية ففتحها وغنم كثيرا وقال الحسن فتح هجر وقيل فتح مكة